ماذا يربح صناع القرار في فرنسا من التضييق على تراث ومعتقدات القاطنين على أراضيها، وماذا يجنون من السماح لبعض القوى المتطرفة بازدراء الأديان، والإساءة لبعض الرموز الدينية كما تفعل بعض الأقلام والمواقف والتي أساءت سابقاً للنبي المصطفى، أو التنمر والتركيز على الحريات الفردية، من قبيل الحرية الشخصية، كالحجاب وبعض الرموز الدينية المعبرة عن ثقافة ما!
أظن أنَّ رد فعل بعض المندفعين في دائرة الحكم الفرنسي انحرفوا عن أفكار الثورة الفرنسية، فعوض البحث عن الأخوة الإنسانية، تراهم يهرولون لزرع الكراهية داخل المجتمع الفرنسي.
مؤسف جداً أن تمسي الانتخابات مصدراً لحجب الحكمة، ومنبعاً للتغطية على فشل سياسة الادماج، وواقعاً يبرهن على أن البصيرة أصبحت عمياء! ففقد البوصلة في عالم مختلف الثقافات إهانة لتاريخ الفلسفة التي أنجبت فلاسفة عصر الثورة الفرنسية.
إنَّ التمادي في ازدراء الأديان، وإهانة الرموز المقدسة للمسلمين، لدليل على أزمة ثقافية عميقة تجتاح البعض ممن يدعي أنَّ حرية التعبير لا قيود لها؛ فالمجمتع الفرنسي بطبيعته المتنوعة من حيث الأجناس والأعراق يحتاج للأخوة العادلة التي تبناها الفرنسيون ابان الثورة، بعد كفاح مرير ضد قوى السلطة وتحالفها مع رجال الدين، في فترات تاريخية يعلمها الفرنسيون جيداً.
كما أن ازدراء الدين الإسلامي والمساس بأقدس ما عند المسلمين، وكيل الاتهامات للجالية بمجرد انحرافات فردية هنا وهناك... يعد من صميم الاعتداء على السامية في جوهرها، ولا يمكن لأحد أن ينكر السلالات البشرية التي ينتمي إليها العرب والمتجدرة في أعماق تاريخ، يشهد على نسبهم لسام ابن نوح.
إقرأ أيضاً: النار الزاحفة إلى المغرب العربي الكبير
وحتى وإن تمت معالجة الوضع وفق منظور حرية التعبير، فهل حرية التعبير هي السب والشتم والضحك على معتقدات الآخر؟ ألا تعد حرية التعبير المهينة للمقدسات حرية مشؤومة قادرة على زرع الفتن وتوسيع الأحقاد وخلخلة التواصل الإنساني والدفع بالمجموعات البشرية إلى الكراهية والحقد المفضي إلى دائرة اسمها انعدام الثقة ورفع منسوب النفور بين المعتقدات، والأديان والمجتمعات ككل؟
ولعل الحكمة تقتضي الوقوف عند الرزانة، وتغليب الإنسانية عن الردود الشاذة الآنية، والانتقامات الهوجاء، لأهداف سياسية وانتخابوية لا علاقة لها بديمومة الحوار بين مختلف الثقافات، التي تعد مجبرة على التعايش مع الخلاف والاختلاف.
فالحروب مهما كانت لن تحقق مبدأ الخضوع، والتاريخ يشهد على ذلك، كما أن جبروت الظلم والعنف مهما بلغت قسوته لا يغادر منطقة الجهل الأعمى.
إقرأ أيضاً: اختراق دبلوماسي مغربي
ولعل العالم يحتاج في هذه الفترة إلى البحث عن المشترك، لا التمعن والخوض في الاختلاف العميق، والجوهري، الذي يظل نسبياً مهما بلغت الأفكار المنظرة له. إذ أن طبيعة الإسلام التي لا تعبر عن سلوكيات الكثير من المسلمين، طبيعة مسالمة، تميل للسلم والحب واحترام الاختلاف، وهذا ما كان من صميم ما روي عن المصطفى في تعامله مع أتباع الرسالات السماوية الأخرى، ولعل خطبته في "حجة الوداع" لديل على الروح المفعمة بالأخوة للفكر الإسلامي النظيف في كل شيء.
لذا، نتمنى من حكماء فرنسا الرجوع إلى جادة الصواب، لا الكبرياء المبهم، المفضي إلى مجهول يخالف القيم النبيلة للثورة الفرنسية.
ولعل الابتعاد عن سياسة رجل هنا ورجل هناك، مع التركيز على المشترك الإنساني، مفتاح عودة التوازن لفلسفة الأنوار، باعتبار الاستعلاء يمثل مصدراً لتفريخ العقد والتطرف وزد على ذلك الكثير.
التعليقات