في حلقة جديدة من حلقات العدوان الإسرائيلي على فلسطين، هددت حكومة الاحتلال بإلغاء الإعفاءات المقدمة للبنوك الإسرائيلية التي تُمارس أعمالًا مع البنوك الفلسطينية، في قرار يثير مخاوف جديدة لسكان الضفة الغربية بشأن تداعياتها على الاقتصاد وحياة المواطنين.

ومن الواضح أن إسرائيل انتهت بشكل كبير من إبادة غزة، والتفتت إلى الضفة الغربية، فقررت فرض مزيد من الحصار الاقتصادي عليها بهذا القرار المجحف، لأن إلغاء هذه الإعفاءات يترك ببساطة عواقب وخيمة على القطاع المصرفي الفلسطيني. أولاً، يمكن أن يؤدي القرار إلى انخفاض مستويات السيولة لدى البنوك الفلسطينية، حيث قد تواجه تحديات في الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، وهذا يمكن أن يعيق قدرتها على تقديم القروض والخدمات المالية للشركات والأفراد، وبالتالي عرقلة الأنشطة الاقتصادية، علاوة على ذلك، قد يحدث اضطراب في المعاملات التجارية والمالية، حيث تكافح البنوك لتسهيل المدفوعات عبر الحدود وتمويل التجارة، وقد يؤدي ذلك إلى تأخير المعاملات، مما يؤثر على الكفاءة العامة للقطاع المصرفي.

إنَّ الزيادة المحتملة في القروض المتعثرة بسبب التباطؤ الاقتصادي والقيود المالية يمكن أن تزيد من تفاقم الاضطراب المالي للبنوك الفلسطينية، وتمتد تداعيات هذه الخطوة إلى ما هو أبعد من القطاع المصرفي لتؤثر على الاقتصاد الفلسطيني الأوسع، ومن الممكن أن تؤدي معوقات الوصول إلى الأسواق المالية الدولية إلى انخفاض في الاستثمار وتراجع في النمو الاقتصادي. وبدون الدعم المالي الكافي، قد تكافح الشركات من أجل التوسع، مما يؤدي إلى ركود التنمية الاقتصادية، وهذا بدوره يمكن أن تكون له آثار سلبية على مستويات العمالة ومعدلات الفقر، مع تضاؤل ​​فرص العمل والدخل.

والتحديات في الوصول إلى الخدمات المالية يمكن أن تعيق الأفراد والشركات عن تأمين القروض أو إجراء المعاملات بكفاءة، مما يعيق الأنشطة الاقتصادية، ويبدو أن من شأن هذا القرار أن يزيد من توتر العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، حيث قد يُنظر إليه على أنه إجراء عقابي من جانب قوة الاحتلال، وقد يكون التأثير على مفاوضات واتفاقات السلام عميقاً، لأنَّ الاستقرار المالي يشكل أهمية بالغة لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، ولا يمكن التغاضي عن احتمال تصعيد التوترات في المنطقة.

ومن الناحية الدولية، فقد يؤثر هذا القرار على العلاقات المصرفية، وقد تتردد البنوك الدولية في التعامل مع البنوك الفلسطينية بسبب زيادة المخاطر وتحديات الامتثال، وقد تحتاج البنوك الدولية أيضًا إلى إعادة تقييم المخاطر واستراتيجيات التخفيف منها في ضوء المشهد التنظيمي المتغير، مما يؤدي إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة ومشاركة محدودة مع البنوك الفلسطينية، ثم يمتد الأمر إلى اضطراب في المعاملات المالية اليومية للأفراد، حيث تكافح البنوك للحفاظ على العمليات العادية وتقديم الخدمات الأساسية، ويؤدي ذلك إلى تحديات في الوصول إلى الائتمان والخدمات المالية للأفراد والشركات الصغيرة، مما يؤثر على قدرتهم على الوفاء بالالتزامات المالية أو الاستثمار في المشاريع المستقبلية. علاوة على ذلك، فإن عدم الاستقرار الاقتصادي الناجم عن إلغاء الإعفاءات قد يخلق احتمالاً لحدوث اضطرابات اجتماعية، حيث قد يصاب الأفراد الذين يواجهون صعوبات مالية بخيبة أمل من النظام ويعبرون عن مظالمهم من خلال الاحتجاجات أو غيرها من أشكال المعارضة.

إقرأ أيضاً: مصالح السنوار الشخصية تغلب على أوجاع شعب غزة

وسيواجه الفلسطينيون صعوبة أكبر في الحصول على الخدمات المالية الأساسية كتحويل الأموال وسحبها ودفع الفواتير، ممّا سيُؤثر سلبًا على حياتهم اليومية، وأيضا قد تُؤدي هذه العوامل إلى ارتفاع معدلات البطالة في الأراضي الفلسطينية، ممّا سيُفاقم من مشكلة الفقر والبطالة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.

ما سبق يؤكد أنَّ السيناريو الإسرائيلي هدفه الوحيد هو حصار اقتصاد الضفة الغربية كخطوة عقابية ضد السلطة الفلسطينية رداً على قرار دول أوروبية بالاعتراف بدولة فلسطين، فتل أبيب لا تريد "أي قيامة" لدولة فلسطين بل تريد أن تمحيها من التاريخ والوجود أيضاً، فتحارب السلطة بضرب اقتصادها أو عزله عن اقتصادها أو أي اقتصاد دولي قد يدعمه أو يعزز نموه، وهذا هو أحد أهداف العدوان الأساسية.

إقرأ أيضاً: حماس.. ما لها وما عليها

إنَّ تهديد أو تقويض الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة سيتسبب بشكل كبير في انهيار الاقتصاد، بالرغم من أنَّ النظام المالي للسلطة مضطرب جداً خاصة بعد الحرب على غزة وفرض مزيد من التضييقات على المواطنين والتجار وإغلاق المشروعات الصغيرة والمتوسطة وشل الاقتصاد كلياً هناك، وقد تصل تداعيات هذا القرار أيضاً إلى استحالة تنفيذ التحويلات المصرفية التي بالتأكيد ستؤثر على حياة سكان الضفة الغربية، خاصة أنَّ السلطة تعتمد على إيرادات مثل المقاصة، التي ستوقفها إسرائيل، وهو ما يتسبب في تفاقم الكارثة الإنسانية في فلسطين وتكرار سيناريو التجويع الذي مارسه الاحتلال في غزة، كذلك في الضفة الغربية.. وربما يشكل ذلك نوعاً جديداً من الحرب الاقتصادية الباردة التي تمارسها دولة الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني الذين ما زال متمسكاً بالأرض.