ترك الصراع الأخير بين حركة المقاومة الإسلامية حماس ودولة الإحتلال الإسرائيلي العديد من الناس يتساءلون عما إذا كان من الممكن تجنب هذه الحرب. وبالرغم من أنَّ الجانبين انخرطا في حروب عنيفة سابقاً، فإنَّ الصراع الحالي كان له أثره المدمر بشكل خاص، ومن خلال دراسة علاقة حماس التاريخية بإسرائيل، وبنية قيادتها وعمليات صنع القرار، وقدراتها العسكرية، والدور الذي تلعبه العوامل الإقليمية والدولية، ربما يمكننا أن نكتسب فهماً أفضل لما إذا كان بوسع حماس أن تتجنب هذه الحرب.

حماس منظمة معقدة ذات هيكل قيادي لامركزي، وبينما تتمركز القيادة السياسية للجماعة في غزة، فإنَّ قيادتها العسكرية منتشرة في جميع أنحاء المنطقة. هذا الهيكل اللامركزي يمكن أن يجعل اتخاذ القرار داخل المنظمة أمرًا صعبًا، إلا أنَّ قيادة حماس ظلت ثابتة في مواقفها تجاه إسرائيل وسياساتها، كما لعبت العوامل الخارجية، مثل السياسات الإقليمية ونفوذ إيران، دوراً في عملية صنع القرار داخل بيت الحركة، في نهاية المطاف من الصعب أن نجزم بما إذا كان بوسع حماس أن تتجنب الصراع الحالي من دون فهم أعمق لعملية صنع القرار في الحركة.

وقد طورت حماس قدراتها العسكرية بدعم من إيران، وبالاعتماد على قدراتها الخاصة، بما في ذلك ترسانة من الصواريخ وغيرها من الأسلحة، بالإضافة إلى تكتيكات واستراتيجيات متطورة تتماشى مع إمكانياتها وتضيق من فجوة الفروقات في القوة العسكرية مقارنة بجيش إسرائيل الذي يملك التكنولوجيا والترسانة العسكرية المطورة والفتاكة في آن واحد، ومع أنها أطلقت آلاف الصواريخ على إسرائيل، إلا أنَّ نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي اعترض الغالبية العظمى منها، إلى جانب ذلك، تكبدت حماس خسائر كبيرة، سواء من حيث الأفراد أو البنية التحتية.

إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟

إنَّ الصراع بين حماس وإسرائيل لا يدور في الفراغ، فقد لعبت العوامل الإقليمية والدولية دوراً كبيراً في الصراع. لقد أثر تورط أطراف خارجية، مثل إيران والولايات المتحدة، على تصرفات كل من حماس وإسرائيل، وكانت استجابة المجتمع الدولي للصراع متباينة أيضاً، حيث دعت بعض الدول إلى وقف فوري لإطلاق النار، بينما دعمت دول أخرى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويثير الدور الذي تلعبه العوامل الخارجية في الصراع تساؤلات مهمة حول مدى قدرة حماس على تجنب الحرب الحالية.

ولا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام والدعاية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واستخدم الجانبان وسائل الإعلام لتشكيل التصورات العامة عن الصراع، واعتمدت حماس بشكل كبير على إبراز وحشية الإحتلال لكسب الدعم لقضيتها، في حين استخدمت إسرائيل البروباغندا وقلبت في الكثير من الأحيان الحقائق لتبرير أعمالها العسكرية.

لقد كان الأثر الإنساني للصراع مدمراً، وخصوصاً بالنسبة إلى سكان غزة، وقد أدى الصراع إلى تفاقم الوضع الإنساني السيئ بالفعل في المنطقة، حيث يفتقر العديد من المدنيين إلى أساسيات المعيشة، وأدى الصراع أيضاً إلى نزوح آلاف الأشخاص، حيث فقد الكثير منهم منازلهم وسبل عيشهم، وتعمل المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدات والدعم للمتضررين من النزاع، لكن جهودها تعرقلت بسبب أعمال العنف المستمرة.

إقرأ أيضاً: حرب السيوف الحديدية واليوم الذي سيلي

ومن المرجح أن يكون للصراع الحالي بين حماس وإسرائيل تأثيرات طويلة المدى على المنطقة. لقد تسبب الصراع بالفعل في أضرار جسيمة للبنية التحتية، وما هو أبعد من ذلك زعزعة استقرار المنطقة، ولا نستطيع أن نتجاهل احتمالات نشوب صراعات في المستقبل بين حماس وإسرائيل، وخصوصاً إذا لم تتم معالجة القضايا الأساسية التي أدت إلى الصراع الحالي، وسيكون دور الأطراف الخارجية في منع الصراعات في المستقبل حاسماً، ويجب بذل الجهود لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع.

وواجهت حركة حماس انتقادات وتحديات في حكم غزة، تخص منظومة اتخاد القرار، بالإضافة إلى فشلها في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتواجه الحركة أيضًا تحديات البقاء، خصوصاً مع وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هدف القضاء على الحركة من ضمن أولويات العملية العسكرية، وإن نجحت حماس في البقاء، فإنَّها معرضة لاحتمال نشوب صراع داخلي بين الأجنحة في بيت الحركة بين جناح يميل إلى إيران وجناح يصر على ترميم علاقات الحركة مع محيطها العربي.

إقرأ أيضاً: الحرب تمتد إلى لبنان واليمن.. و"الفتن" تأتي من الشرق!

لقد أدى الصراع الأخير بين حماس وإسرائيل إلى كارثة إنسانية هائلة في غزة، ويمكن أن تكون حماس قد أخطأت التقدير بمبادرتها الهجوم بالنظر إلى الفاتورة المكلفة التي تكبدها سكان غزة على الصعيدين الإنساني والإقتصادي، وهو ما يجعلها تحت المسائلة فيما يخص جدوى هذه الحرب إن لم تحقق الأهداف المرجوة منها، وعلى رأسها تحرير كامل الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وهو هدف يصطدم بالرفض الإسرائيلي الصارم، لكن هذا لا يجنب إسرائيل أيضاً مسؤولية كبيرة باعتبارها المتسبب في الخسائر المادية والبشرية التي تلت ردها على هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كما أن تعرضها لهجوم قاس في ذاك التاريخ لا يبرر مثل هذا المستوى من الرد الذي قد يرقى "إلى جريمة إبادة مكتملة الأركان". وفي نهاية المطاف، يسلط الصراع الضوء على الحاجة إلى حل سلمي للنزاع الدائر بين حماس وإسرائيل لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح والمعاناة في المنطقة.