لم أر بوتين يبتسم مبتهجاً من قلبه كما رأيته اليوم في الرياض، أثناء استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان له. فالمعروف عن الرئيس بوتين خريج مدرسة الاستخبارات السوفيتية، أنه من النادر أن يبتسم، أو يضحك، أو يعبر عن مشاعره، لأن الـ"كي جي بي" التي عمل بها قبل انهيار الاتحاد السوفيتي قد علمته أن لا تعبير عن المشاعر في السياسة، وعلى القائد أن يكون متجهماً بارد الحواس، لا أحد يعرف ما يدور في خلده.

إن زيارة بوتين اليوم إلى العربية السعودية لها مداليل عدة، ومضامين يحتاجها كلا الطرفين، فالسيد بوتين يريد دفء الشرق، وعظمة الشرق، والمياه الدافئة التي حرمها منه الغرب على مدى عقود، فلم يستطع الحصول على موطئ قدم إلا من خلال ما قدمه لسوريا عبر تاريخها، فحصل على مرفأ في شط اللاذقية. أمَّا السعودية بإمكانيتها المالية الضخمة وموقعها الديني بالنسبة للعالم الإسلامي ومركزها الجيوسياسي العربي والدولي، جعلت من سيد الكرملين يبدي كل امتنان ومحبة لمضيفه الأمير محمد بن سلمان.

لا يختلف اثنان على أنَّ الغرب المتوحش الذي أظهر أنيابه في حرب غزة، قد عبر عن مدى كرهه للعرب والمسلمين، وقد بدا واضحاً من خلال الذين جاؤا إلى إسرائيل لتقديم الدعم العسكري والسياسي وأعطوا الضوء الأخضر لقتل الفلسطيينين، فلا يمكن أن يكون المرء صديقاً لك وقاتلاً لابن عمك. لقد أظهرت أمريكا وبريطانيا وفرنسا والدول الراقصة حولها من الغرب أن لا صديق لهم إلا المال، ولا عدو لهم إلا العرب والمسلمين، وما ودهم للعرب إلا لبترولهم وغازهم وملياراتهم، ولو نضب النفط والمال لما وجدت أحداً يرمي عليك السلام. إذن، على العرب أن يصحوا وأن يديروا البوصلة نحو الروس والصين والهند، كمحيط حيوي أكثر أمناً لهم من صداقة الغرب الماكرة، على أن لا يقطعوا الود مع الغرب ولكن بفهم زائد وحذر فطين.

العرب والسعوديون يحتاجون إلى قوة عظمى تقف إلى جانبهم غير القوة الأميركية، والروس يحتاجون إلى أسواق دافئة كبرى تساعدهم في تصريف منتجاتهم، والمستورد العربي يحتاج إلى بضاعة وتصنيع، فلم لا تكون شراكتنا مع الشرق والشمال بدلاً من الغرب، الذي لطالما خبرناه وعرفناه واحتجناه كثيراً وخذلنا، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ولنا في العدوان الثلاثي على مصر عام 56، وتدمير العراق، وسحق ليبيا عبر الناتو العبر الكثيرة.

والله من وراء القصد.