النظر بحذر شديد في مستقبل سوريا يفرض نفسه في الوقت الحالي بعد خلع مسلح لنظام بشار الأسد وانتهاء حقبة طغيان. لكن قبل أن تهدأ سوريا، لا بد من التأني في رسم صورة المستقبل وآماله والمخاوف أو حتى التنبؤ بملامحه الجديدة.
الغموض والضبابية والتساؤلات تتصدر الوضع الراهن في سوريا والمحيط الإقليمي، فمن الصعب التنبؤ بطبيعة المستقبل المنتظر لسوريا بعد تسلم "الجماعات المسلحة" للقيادة السياسية، وهي في الواقع تنظيمات إرهابية سابقًا بحسب تصنيفات دولية.
قبل أن تهدأ سوريا ويستقر تدريجيًا الهدوء والاستقرار السياسي والعسكري، والعبور الآمن نحو مستقبل واعد وزاهر ضمن الإطار المدني الديمقراطي وانتقال سياسي سلمي للسلطة السياسية، نحتاج بالتأكيد إلى التأني الشديد في الحكم على مستقبل سوريا السياسي والاجتماعي.
لا شك أن النظرة المتأنية والفاحصة للوضع الراهن في سوريا تتطلب عدم تجزئة المشهد السوري الحالي وعدم تجاوز ماضي "الجماعات المسلحة"، وفي مقدمتها تاريخ قائد هيئة تحرير الشام "حتش"، الجولاني، والنصرة، والقاعدة، وغيرهم، ودورهم الإرهابي في المنطقة.
نفرح بعودة سوريا لأهلها، ونأمل بوحدة وسيادة أراضيها، ونأمل أيضًا أن تنتهي الصراعات الطائفية والإثنية والأطماع الخارجية. لكن الآمال محدودة السقف، والمخاوف كثيرة، بل عميقة، لأن رواسب الماضي ثقيلة مما قد يعقد عملية التخلص منها وتجاوزها.
الصدمة ما زالت تقود المشهد في الجوار المحيط لسوريا، فالمتغيرات كبيرة ومتسارعة، وعاصفة التساؤلات لم ولن تهدأ متى ما أردنا أو كما نتمنى. كوابيس الطغيان والسجون فوق وتحت الأرض والتشرد والتهجير أكثر مما نتصور وأكبر من تحمل الذاكرة البشرية.
سيظل الوضع الراهن في سوريا مرهونًا بالماضي والمستقبل وتطوراته، وخاصة تعامل الجماعات المسلحة مع التحديات المقبلة، وهي مصدر قلق سياسي واجتماعي شديد في سوريا وخارجها. ومن الصعب الخوض في التفاصيل الدقيقة والصغيرة في الوقت الراهن، فالصورة ما زالت غامضة.
الاحتمالات كثيرة والتساؤلات كثيفة، وخاصة علاقة جماعة الإخوان المسلمين ودورهم الباطن والظاهر في سوريا قبل أن تهدأ الأوضاع وتستقر الظروف. ففصل أيديولوجية جماعة الإخوان عن تنظيمهم التاريخي وأهدافهم قرار لا تقدم عليه جماعة دينية مسيّسة.
التساؤلات تشمل الاحتمالات لعودة الربيع العربي في سوريا كما حصل في مصر، دون تجاوز حقيقة تحالفات غربية جديدة ضمن سياق مختلف وراء ربيع عربي في سوريا والعراق وفي الأردن أيضًا.
الحسابات السياسية البراغماتية والاستراتيجية تفرض نفسها، وتفرض احتمالات قيام تحالفات محتملة بين قوى دينية مسيّسة أو مسلحة وقوى غربية تبحث عن "الفوضى الخلاقة" أو مغامرات جديدة ومختلفة عن الماضي.
لا بد من العودة إلى محور مهم للغاية، وهو يكمن في طبيعة تكوين جماعة الإخوان المسلمين واستعدادهم لتغيير المواقف وتطبيق منهج الميكافيلية الذي ارتبط بتاريخ تنظيم الإخوان العالمي وفي بلدان أخرى أيضًا.
لا نستبعد بسهولة وبساطة بروز تفاهمات بين القائد حامل السلاح الجولاني وغيره من الفصائل الدينية المسلحة أو المتوارية عن المشهد الحالي في سوريا مؤقتًا مع جماعة الإخوان في الأردن والعراق وبلدان أخرى شكلت مأوى حنون للإخوان.
الصورة بالتأكيد في سوريا حاليًا أكبر من أي برواز سياسي، فخيارات الشعب السوري قد تكون محدودة جدًا، وقد تكون أكثر قبولًا لأي بديل عن نظام البطش والطغيان الذي قاده بجدارة بشار الأسد، حتى لو كان البديل قوة دينية مسيّسة.
مهم للغاية تحليل لقاء قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشاعر، أبو محمد الجولاني، مع CNN لفهم ما يدور في رأس إرهابي سابق يتحدث بلغة وتعريف جديد عن الإرهاب مختلف تمامًا عن التعريف الدولي.
ولا يقل أهمية تحليل ما ورد في لقاء الجولاني التلفزيوني مع القناة الأميركية عن "بعض الدول العربية" ودورها في دعم نظام الجزار بشار الأسد، وما سبق المقاطعة العربية لسوريا وما جاء بعدها.
التعليقات