شهد الشرق الأوسط حدثاً استثنائياً خلال الأيام العشرة الماضية، عندما سقط نظام بشار الأسد بعد أكثر من عقدين من الحكم القمعي. في تحول مفاجئ وسريع للأحداث، تحررت سوريا من قبضة أحد أكثر الأنظمة استبداداً، مما وضع حداً للحرب الأهلية التي بدأت في عام 2011 وأودت بحياة مئات الآلاف من السوريين.

قبل أسبوعين فقط، كان الأسد يُعتبر راسخاً في السلطة، والصراع في سوريا يُنظر إليه كـ"نزاع مجمّد". ولكن في 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، شنّت جماعة "هيئة تحرير الشام" هجوماً غير متوقع على مدينة حلب، أكبر مدن سوريا. في غضون أيام، سقطت المدينة في يد المعارضة، تبعتها مدينتا حماة وحمص. وبحلول يوم السبت الماضي، دخلت قوات المعارضة العاصمة دمشق، وهرب الأسد إلى خارج البلاد.

هذه السرعة المذهلة في الأحداث تذكرنا بالقول الشهير: "هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وأسابيع يحدث فيها ما يعادل عقوداً".

كيف انهار النظام بهذه السرعة؟

رغم أنَّ الأنظمة الاستبدادية المحلية أثبتت مرونتها في مواجهة الأزمات، مثل إيران وكوريا الشمالية، إلا أن النظام السوري كان هشاً بشكل كبير. نظام الأسد الذي بدأ مع استيلاء حزب البعث على الحكم في عام 1963، ثم استمر مع حافظ الأسد الذي حكم بقبضة من حديد منذ عام 1971، لم ينجح في توسيع قاعدته الشعبية.

اعتمد النظام على قاعدة محدودة من الطائفة العلوية، بينما ترك الأغلبية السنية غارقة في التهميش. وحتى بعد التدخلات الإيرانية والروسية التي أنقذته مؤقتاً في 2015، فشل الأسد في استغلال هذه الفرصة لتوسيع شرعيته أو تحسين قاعدته الشعبية. استمر في حكمه عبر الخوف والقمع، مع شبكة واسعة من السجون السرية التي اشتهرت بالتعذيب الوحشي.

أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، كان من الشخصيات الحاسمة في هذه المرحلة. نجح في إعادة تشكيل منظمته من مجموعة متشددة إلى كيان أكثر شمولية قادر على كسب دعم فئات أوسع من السوريين، بما في ذلك المعتدلين. ركز على بناء مؤسسات محلية وإصلاح الحوكمة داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الهيئة، مما أكسبه تأييداً شعبياً مفاجئاً.

إقرأ أيضاً: تساؤلات في واقعنا العربي

عندما بدأت هيئة تحرير الشام هجومها الأخير، كان نظام الأسد قد تحول إلى هيكل هش، خالٍ من الدعم الشعبي. اللافت أنَّ الأيام العشرة الماضية لم تشهد قتالاً واسعاً، إذ أظهرت التقارير أنَّ العديد من القادة العسكريين والقبائل المحلية فضلوا التفاوض مع المعارضة بدلاً من القتال دفاعاً عن النظام.

أحد الأسباب الرئيسية لسقوط النظام كان غياب الدعم العسكري الخارجي. روسيا وإيران، اللتان كانتا الركيزتين الأساسيتين لبقاء الأسد، كانتا منشغلتين بصراعات أخرى. روسيا تكبّدت خسائر كبيرة في حربها مع أوكرانيا، بينما استنزفت إسرائيل قدرات حزب الله في جنوب لبنان.

غياب هذا الدعم ترك الأسد معزولاً، وأدى إلى انهيار سريع لنظامه. هذا التحول وجه ضربة كبيرة لمكانة روسيا وإيران في المنطقة، حيث كشف حدود نفوذهما وقدرتهما على التدخل العسكري.

رغم أن سقوط الأسد يمثل لحظة فرح للشعب السوري، إلا أن التحديات القادمة كبيرة. من أهمها تجنب الصراعات بين الفصائل المعارضة، وضمان عدم نشوب نزاع مع الأكراد الذين لن يقبلوا بسهولة الخضوع لنظام عربي جديد في دمشق.

إقرأ أيضاً: سوريا: تساؤلات الألم والكرامة المهدورة

أبو محمد الجولاني سيواجه اختباراً كبيراً في بناء حكومة وحدة وطنية تحافظ على الاستقرار وتمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية جديدة.

لا يمكن التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك في سوريا. قبل أسبوعين فقط، كان الوضع مختلفاً تماماً. كل ما يمكننا فعله الآن هو التأمل في مسار التاريخ غير المتوقع وتمني الأفضل للشعب السوري وهو يخطو أولى خطواته خارج ظلام نظام الأسد.

دعونا نأمل أن هذه اللحظة التاريخية لن تقود إلى استبدال دكتاتور بآخر، بل إلى بداية حقيقية لمرحلة جديدة من الحرية والاستقرار.