ليس البرنامج النووي هو الإشکالية الدولية الوحيدة القائمة مع النظام الايراني مع الاخذ بنظر الاعتبار مدى ومستوى خطورتها وحساسيتها وتأثيرها على السلام والامن في المنطقة والعالم، إذ أن هناك العديد من الإشکاليات الاخرى نظير تدخلات هذا النظام في بلدان المنطقة ومناطق أخرى من العالم وتصديرها للتطرف والارهاب الى جانب العديد من الاشکالات الاخرى التي باتت تجعل من الصعوبة التعايش مع هذا النظام خصوصا وقد أثبتت تجربة ال45 عاما المنصرمة عدم إمکانية حل الاشکاليات الدولية المختلفة معه ولاسيما وقد صار معروفا ممارسته الکذب والخداع والتحايل في الاتفاقيات الدولية المبرمة معه.

ولعل التجارب الدولية الماضية مع هذا النظام من حيث عدم إلتزامه ببنود الاتفاقيات أو ممارسته طرقا مشبوهة من أجل التحايل على الوفاء بإلتزاماته، کثيرة ومتعددة وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الاتفاقية التي أبرمها وفد الترويکا الاوربية في عام 2004، مع النظام الايراني فيما يخص برنامجه النووي والذي تملص منه فيما بعد، أو إتفاقية عام 2015 مع مجموعة 5+1، والتي أکدت العديد من الاجهزة الاستخبارية الاوربية إستمرار قيام النظام بمواصلة نشاطاته السرية المشبوهة من أجل إنتاج القنبلة الذرية، نموذجين نوعيين بهذا الصدد، بالاضافة الى ما يتعلق بتدخلاته في المنطقة وبممارسته للنشاطات الارهابية في العالم، وخلاصة القول فإن الثابت والواضح للعالم هو إن هذا النظام لا يمکن أن يفي بإلتزاماته في الاتفاقيات الدولية المبرمة معه ولاسيما إذا ما کانت تمس أهدافه ومراميه المشبوهة التي هي أساس الاختلاف الدولي معه.

التصريحات الاخيرة للرئيس الامريکي دونالد ترامب والتي أعرب فيها عن أمله في أن تحل القضايا المتعلقة بإيران من دون الحاجة الى إستخدام القوة، وتأکيده من أن الأسلحة النووية الإيرانية ستقود العالم إلى كارثة، ليست إلا مجرد بداية للمواجهة المرتقبة بينه وبين النظام الايراني الذي وکما هو معروف عنه يضع مسألة بقائه ‌بمثابة الهدف الاساسي، وبقائه لها علاقة قوية بنهجه والرکائز التي يقوم عليها وهو سيسعى کعادته لإتفاق فيه ثمة فسحات أو ثغرات بهذا الاتجاه.

من المهم بهذا الصدد أن نلقي نظرة على مخطط النظام في المنطقة وعلى تدخلاته ووکلائه فيها والتساٶل؛ هل إن النظام بعد الانتکاسات التي تعرض لها سوف يتخلى عن مخططاته في المنطقة؟ مجرد إلقاء نظرة على التصريحات والمواقف الصادرة من قبل قادة النظام ومسٶوليه وفي مقدمتهم الولي الفقيه خامنئي بهذا الصدد، نجد إنهم يٶکدون على مواصلة تدخلاتهم وعدم تخليهم عنها وعن إلتزامهم بوکلائهم في المنطقة.

بما أن النظام الايراني کان ولازال يشکل خطرا وتهديدا على السلام والامن في المنطقة والعالم وإن هذا الامر لم يتغير بعد مرور 45 عاما، والسبب الاساسي وراء ذلك هو عدم إستعداد النظام عن التخلي عن نهجه المتداخل مع سياساته المختلفة على کافة الاصعدة وإن هذه السياسات في خدمة النهج وليس العکس ولذلك فإنه وفي حال رغبة المجتمع الدولي عموما والادارة الامريکية الجديدة بشکل خاص في حل الاشکاليات القائمة مع هذا النظام، فإن المطلوب هو إمساکه من موضع الالم وعدم الفصل بين الاوضاع الداخلية في إيران وبين الامور الاخرى المطروحة وأن تکون للمعارضة الايرانية کلمتها ودورها في ورأيها في المحادثات الدولية مع هذا النظام وفي البنود التي ستشکله أي من الاتفاقيات المبرمة معه لأنها الاعلم والاکثر دراية بهذا النظام وبما يتعلق بالامور المتعلقة ببلادهم، هذا إن رغب العالم عموما والولايات المتحدة خصوصا أن تحقق الاهداف المطلوبة وتجبر النظام الايراني على الرضوخ للأمر الواقع.

خيار التفاوض مع أمريكا لإبطال آلية الزناد!
إن خيار تفاوض النظام مع أمريكا يمثل في الواقع استسلاماً للضغوط الاقتصادية والسياسية الخارجية. إن قبول التفاوض قد يؤدي إلى سلسلة من التراجعات المتتالية وقبول "كؤوس السم"، حيث إن المفاوضات لن تتم من موقع "رابح - رابح"، بل من زاوية فرض شروط أكثر صرامة على النظام لإجباره على الاستسلام. وهذا يعني أن الخاسر الأول في هذه المعادلة هو الفاشية الدينية. حتى مع اعتماد تكتيك التأجيل لإبطال آلية الزناد، فلن يكون النظام قادراً على الاستمرار في هذا المسار.

هذه الحالة لا تجعل النظام أكثر ضعفاً أمام انتفاضة الشعب الإيراني فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى تفاقم الخلافات داخل أركان الحكم. وقد يواجه خامنئي، في حال قبوله بهذا الخيار، أزمات داخلية خطيرة وربما انقسامات في قمة النظام، مما سيؤدي إلى مزيد من تدهور موقع خامنئي وباقي قادة النظام.

مطالب الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة
إنَّ النظام المستند إلى هيمنة "ولاية الفقيه" يواجه طريقاً مسدوداً من جميع الاتجاهات التي يحاول المناورة من خلالها. فلا يوجد خيار يمكن أن ينقذ هذا النظام من الأزمات والتحديات التي تحاصره. سواء زاد من حدة التوتر أو لجأ إلى التفاوض، فإن مصير هذا النظام لن يكون سوى السقوط.
إن الانتفاضات والاحتجاجات المستمرة التي لا يمكن إخمادها للشعب الإيراني الغاضب، وقوة مقاومته المنظمة، هما السبيل الوحيد للإطاحة بالفاشية الدينية، وتحقيق الحرية والديمقراطية والسلام الدائم في إيران.