يعد يوم 22 شباط (فبراير) يومًا مجيدًا لمناسبة وطنية كبرى تحكي ذكرى غالية في وجدان كل سعودي وسعودية، إذ تجسد أمجاد ثلاثة قرون خالدة منذ تأسيس الدولة السعودية في 22 شباط (فبراير) 1727م، الموافق 30 جمادى الآخرة من عام 1139هـ.
في جذور التاريخ ومنذ ذلك اليوم، كُتبت أسطورة اعتزاز وملحمة فخر، ونُقشت أمجاد الأبطال، وبُنيت دعائم الدولة.
نحتفي ونفرح ونتذكر أبطالًا ووقائع وأحداثًا، ونستعرض شريط الإنجازات التاريخية، ونطلق هوية سعودية تاريخية في هذه الذكرى السنوية، وهذه الهوية سُمِّيت بـ(يوم التأسيس).
يوم التأسيس مناسبة وطنية تعكس العمق التاريخي للمملكة العربية السعودية وتبرز مسيرتها الخالدة، التي تُوجت بهذه الوحدة والاستقرار والازدهار الذي نعيشه في عام 2025.
والاحتفاء به يأتي اعتزازًا بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود حتى هذا العهد الميمون.
ويعزز يوم التأسيس ارتباط السعوديين بتاريخهم العريق، ويؤكد على القيم التي قامت عليها الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود (رحمه الله) عام 1727م.
إقرأ أيضاً: قطار الرياض والتشغيل الكامل
وعلى مدار ثلاث دول، تعرض الكيان السعودي العظيم لمنعطفات تاريخية من تأسيس وسقوط ونهوض، حتى قامت الدولة السعودية الثالثة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله)، ودائمًا (الثالثة ثابتة).
وجب علينا التأمل في هذه الفترات الثلاث ذات الدروس التاريخية، وما تضمنته من إنجازات كانت عناوينها العزيمة والإصرار والتضحية والمثابرة وتحمل الصعاب والمشاق حتى تحقق النجاح.
بالفعل، صدقت مقولة: (لكل دولة زمن ورجال)، حيث كان تأسيس الدولة السعودية الأولى يمثل بدء عهد الإمام محمد بن سعود في منتصف عام 1139هـ، الموافق لشهر شباط (فبراير) من عام 1727م، واستمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها الدرعية، وما أرسته من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار، وصمودها أمام محاولات القضاء عليها.
ولم يمضِ سوى سبع سنوات على انتهائها حتى تمكن الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود (رحمه الله) عام 1240هـ (1824م) من استعادتها وتأسيس الدولة السعودية الثانية التي استمرت إلى عام 1309هـ (1891م).
وبعد انتهائها بعشر سنوات، عاد لها ذلك الشاب الطموح الذي وضع أمامه حلمًا تحقق، ومعه صحت مقولة: (نحن لا نحلم، نحن نحقق). إنه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود (رحمه الله) عام 1319هـ (1902م)، ليؤسس الدولة السعودية الثالثة ويوحدها باسم (المملكة العربية السعودية)، وسار أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان.
إقرأ أيضاً: اليمن ودماء المدنيين الرخيصة
في ذكرى ذلك اليوم المجيد، يحق لنا الاعتزاز بتاريخ الدولة السعودية وجذورها الراسخة، وحضارتها الممتدة لثلاثة قرون، وما أرسته من الوحدة والتلاحم والعدل، والاستمرار في البناء والنماء للمكان والإنسان. ويحق لنا التأمل والتعلم من هذه الملاحم التاريخية الراسخة.
ذلك التاريخ الكبير الذي اختلطت فيه تضحيات الأجداد وبطولاتهم ودماؤهم في سبيل توحيد هذه البلاد، ليكون لنا ماضٍ عريق، وحاضر زاهر، ومستقبل مشرق، ووطن طموح يشار له بالبنان، ومجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر.
وبما أن الدرعية هي الانطلاقة والعاصمة الأولى، فقد حظيت باهتمام كبير من ولاة الأمر، حيث تم إدراجها ضمن مشاريع رؤية 2030، من خلال برامج ومشاريع هدفها إعادة تأهيل وتطوير الدرعية، وجعلها منارة تاريخية وثقافية وسياحية.
ومن هذه المشاريع (برنامج تطوير الدرعية التاريخية)، وهو مشروع وطني لترميم وإعادة إعمار الدرعية التاريخية بصفتها عاصمة الدولة السعودية الأولى، لتكون ضاحيةً ثقافيةً وسياحيةً متكاملة.
وتمثل الدرعية التاريخية قيمة ثقافية وتاريخية وسياسية كبيرة، لما تحويه من مواقع تراثية وأثرية، إذ يعود تاريخها إلى 300 عام، وكانت تمثل مركز الحكم وعاصمة الدولة السعودية الأولى، ومنها انطلقت أسس ودعائم الدولة.
ومن ركائز التطوير في برنامج تطوير الدرعية التاريخية، المحافظة على الخصائص التاريخية والعمرانية للدرعية، والتي تُعرف حاليًا بالعمارة النجدية، حيث برزت تصاميمها المعمارية في قصورها ومبانيها، وشكّلت طابعها الخاص، إلى جانب تحقيق التنمية المستدامة فيها وفقًا لمقوماتها البيئية والطبيعية، إضافةً إلى تشجيع الاستثمار الخاص بتطويرها.
وهناك مشروع (بوابة الدرعية العالمية)، وهو مشروع سياحي ثقافي حيوي ضخم، يضم أكبر متحف إسلامي في العالم، ومدينة طينية متكاملة، تشمل مكتبة الملك سلمان، بالإضافة إلى مركز عالمي للفنون والثقافة، وأسواق ومجمعات تجارية، ومطاعم، ومواقع احتفالات.
إقرأ أيضاً: البعث العربي الاشتراكي: نهاية مأساوية
وتأسست الدرعية عام 850هـ /1446م على يد مانع المريدي، ثم أصبحت عاصمة الدولة السعودية الأولى التي أسسها الإمام محمد بن سعود عام 1139هـ /1727م، والموطن الأول للأسرة المالكة (آل سعود). وتضم قديمًا حي الطريف، الذي يُعد أحد أكبر الأحياء الطينية في العالم، وسُجل في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، بالإضافة إلى حي البجيري، الذي يقع على الجهة الشرقية لوادي حنيفة مقابلًا لحي الطريف، وحي الروقية.
ويذهب المؤرخون إلى أن تسمية الدرعية تعود إلى أسرة الدروع، التي ينتسب إليها مانع المريدي، جد آل سعود.
كما كان يُطلق عليها قديمًا اسم العوجا، إشارةً إلى موقعها المتعرج على وادي حنيفة، و”أهل العوجا” نخوةٌ ارتبطت بالدولة السعودية والأسرة المالكة (آل سعود).
إقرأ أيضاً: دمار غزة المحزن جريمة نكراء
وبالرغم من أن محافظة الدرعية تُعد إحدى محافظات منطقة الرياض، حيث تقع شمال غرب الرياض، إلا أنه بعد ثلاثة قرون، أبت الرياض إلا أن تحتضنها، حتى أصبحت جوهرة ثمينة في داخل عقد أحياء الرياض وضمن النطاق العمراني لها، مع احتفاظها بمسماها كمحافظة، وتُعرف بـ(جوهرة المملكة).
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بُني (قصر العوجا) بالدرعية، ويطل على وادي حنيفة، ويجاور حي الطريف، وهو توأم لـ(قصر سلوى)، الذي يُعد أول قصر حكم في السعودية، وكان مقر أمراء وأئمة آل سعود طوال حكم الدولة السعودية الأولى.
التعليقات