عندما فكرت في كتابة هذا المقال، راجعت وعد بلفور، وزير خارجية بريطانيا عام 1917، هذا الوعيد الذي أطلق عليه الرئيس جمال عبد الناصر كلمته الشهيرة والدقيقة جدًا: "أعطى من لا يملك وعدًا لمن لا يستحق". وقد أعطي هذا الوعد إلى المليونير اليهودي الشهير روتشيلد، أكثر اليهود ثراء في ذلك الوقت، ولا زالت أسرته شديدة الثراء والتأثير حول العالم.

وبلفور كتب إلى روتشيلد يعده فيه بحق اليهود في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، والملاحظ أنه، رغم أن بلفور لم يكن يملك فلسطين لكي يعطي هذا الوعد، إلا أنه بالرغم من ذلك ذكر نقطتين هامتين:

أولًا: اعترف بوجود كيان اسمه فلسطين (شعبًا وأرضًا)، وليس كما ادعى المتطرفون اليهود "أخذنا أرضًا بلا شعب".

ثانيًا: اشترط ألّا يؤثر هذا الوطن القومي لليهود على حقوق السكان الأصليين الفلسطينيين.

وهذا هو تاريخ ونص الخطاب الذي تضمن وعد بلفور:

"وعد بلفور هو تصريح رسمي أصدره آرثر بلفور، وزير خارجية بريطانيا، بتاريخ 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917، موجهًا إلى اللورد ليونيل وولتر روتشيلد، أحد زعماء الجالية اليهودية في بريطانيا، يعلن فيه دعم الحكومة البريطانية لإنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين.

نص وعد بلفور كما جاء في الرسالة:

عزيزي اللورد روتشيلد،

يسرني جدًا أن أبلغكم، بالنيابة عن حكومة جلالة الملك، التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود الصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأُقرّته:

إنَّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًا أنه لن يُؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.

وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علمًا بهذا التصريح.

المخلص،

آرثر جيمس بلفور

---

أما وعد ترامب، فينقسم إلى عدة نقاط:

أولًا: سوف يأخذ غزة لحسابه لكي يبني عليها "ريفييرا الشرق الأوسط"، ولم يقل لنا كيف سوف يأخذها ومن سوف يعطيها له.

ثانيًا: ذكر أن أميركا لن تدفع دولارًا واحدًا في غزة (يعني سيأخذها ببلاش بوضع اليد).

ثالثًا: سوف يتم تهجير سكان غزة إلى الأردن ومصر.

رابعًا: بعد أن صرحت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، الشابة الجميلة، بأن خروج سكان غزة من أرضهم سوف يكون مؤقتًا، عاد ترامب وأكد أنه لن يسمح لهم بالعودة.

خامسًا: لم يذكر ترامب من سوف يسكن في "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد أن يتم طرد أهلها منها؟

إقرأ أيضاً: هل يلقى الفلسطينيون مصير الهنود الحمر؟

سادسًا: أيّد ترامب ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، ولم يذكر لنا هل سيتفضل ويبقي أهل الضفة الغربية فيها أم يتم طردهم إلى الأردن والسعودية؟ وقد ذكر سفيره الجديد في إسرائيل أنه لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية، ولكن اسمها "يهودا والسامرة"، تأكيدًا ليهودية الضفة الغربية.

وخطورة وعد ترامب أنه يكون قد حل القضية الفلسطينية حلًا نهائيًا (الله يحل وسطه) بأن يقضي على فلسطين تمامًا، وتصبح دولة واحدة "إسرائيل اليهودية".

---

ورغم أني قد أخذت "وعد ترامب" على محمل الجد بالقضاء على شيء اسمه فلسطين، إلا أن صديقي العزيز شريف قد أكد لي أن ترامب "يهوش بس"، وأنه يستخدم أسلوب رجل الأعمال المقاول في تعلية سقف طلباته إلى أقصى درجة لكي يصل إلى أقصى المستطاع، يعني أنه يطلب المستحيل لكي يصل إلى الممكن. وقد أيده في ذلك الصحفي عماد الدين أديب في حديث صحفي، وأرجو أن يكون كلاهما على حق. وإن كنت أعتقد أن هذا من المستغرب أن يكون أسلوب رئيس أقوى وأغنى دولة في العالم، لكنه أسلوب تاجر البطيخ في الحي الشعبي الذي نشأت به في القاهرة؛ يطلب سعرًا خرافيًا للبطيخة ثم يبدأ في التراجع لكي يصل إلى السعر الذي يرضيه أو أكثر، وهذا يتوقف على قوة ومقدرة المشتري على الفصال معه ومدى احتياجه للبطيخة.

إقرأ أيضاً: فتاوي "تيك أواي" بالذكاء الاصطناعي

ولذا، أرجو أن يكون لدى العرب بصفة عامة، ومصر والأردن بصفة خاصة، مقدرة هائلة للفصال مع تاجر البطيخ الأميركي!