كرّس اتفاق شرم الشيخ في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي "حالة دخيلة" على آليات فضّ النزاعات في المنطقة، وربما العالم. إذ غاب عن الاتفاق كل ما يمتّ بصلة إلى قرارات الأمم المتحدة أو الاتفاقات الدولية ذات الصلة، تمامًا كما تجاهلت بنوده مصير الدولة الفلسطينية.
النتيجة: وقف هشّ لإطلاق النار في غزة، وتفكيك لمبادئ حلّ القضية الفلسطينية، وحراك جدّي لتشكيل قوات دولية تسيطر على القطاع خارج إطار الأمم المتحدة!

ثمّة مؤشرات على أن "الحالة الدخيلة" لوقف النار في غزة مرشّحة للتكرار في جنوب لبنان. تضرب إسرائيل عرض الحائط القرارات الدولية، وآخرها القرار 1701، وتبيّن أن حركة الموفدين الأميركيين على خط بيروت – تل أبيب صبّت في مجملها حتى الآن في محصّلة "اللا بركة"، بسبب تعنّت الحكومة الإسرائيلية ورفضها الانسحاب من النقاط الخمس التي احتلتها من جهة، وفشل السلطة في لبنان في إيجاد حلّ فعلي لمصير سلاح حزب الله من جهة أخرى.

في ظلّ التطوّر التكنولوجي وسلاحه الفتّاك الذي تسيطر عليه إسرائيل، هل تحتاج الدولة العبرية إلى النقاط الخمس لإحكام قبضة الرقابة؟ إذن، ماذا وراء الضغط الأميركي – الإسرائيلي على لبنان؟

تقدّم الرئيس اللبناني جوزف عون خطوة سياسية جريئة بإعلانه أن لبنان "مستعد للتفاوض من أجل إنهاء الاحتلال"، آخذًا بنصيحة مفادها أن الوقت ليس في مصلحة لبنان.

سألتُ مرجعًا سياسيًا أمميًا عن مستقبل الوضع في جنوب لبنان في ضوء استمرار التهديدات الإسرائيلية، فأجاب على السؤال بسؤال: "ماذا تريد إسرائيل من التفاوض؟" ثمّ استدرك:
"إنّ إسرائيل لا تريد تفاوضًا يحفظ أمنها، فآلة الحرب التي تمتلكها تكفل لها ذلك. والدليل أن سكان المستوطنات الشمالية عادوا إلى منازلهم وحياتهم الطبيعية. هي تريد تفاوضًا مع لبنان يفضي إلى تطبيع. فهل لبنان مستعد لهذه الخطوة الآن؟ هذا هو السؤال."

في زمن "تسونامي" التحولات الكبرى، المتدفّق مفاجآت منذ تفجّر الطوفان السُنَّاري في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، لم يعد التفاوض لأجل التفاوض ناجعًا، وفق منطق دبلوماسية القوة، وربما الإخضاع، التي تنتهجها إسرائيل بدعم أميركي.

فأيّ لبنان ذاك القادر على التقدّم نحو تحمّل تداعيات التطبيع داخليًا؟ أو التراجع باتجاه تحمّل مزيد من الدمار انتقامًا؟ وبين هذا وذاك، تنشغل القوى السياسية بالاستحقاق الانتخابي، ومعه يتعمّق انقسام المجاميع الشعبية التي تُشكّل مجازًا ما يُعرف بـ"شعب لبنان".

في ظلّ الانقسام السياسي والاجتماعي أفقيًا وعموديًا، والضغوط الإسرائيلية، يناضل الرئيس جوزف عون في قيادة دفّة البلاد نحو برّ الأمل، وهو أحوج ما يكون إلى بيئة سياسية – اجتماعية تُقدّر خطورة المرحلة. وهذا دورٌ يجب أن تلعبه القوى السياسية، لا أن تلعب عليه لتحصيل حاصل انتخابي هنا أو مكسب سياسي هناك.

باختصار، لبنان اليوم في مرحلة المخاض الصعب، الصعب جدًا، ويحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى رجالات دولة... لا رجالات مجاميع.