حين نتأمل مسيرة الإمارات، ندرك أن هناك أوطانًا تصعد بالتاريخ، وأوطانًا يرفعها تاريخها… أما الإمارات، فلا هي اكتفت بميراث المجد، ولا رضيت أن تكون صفحة عابرة في سجل المنطقة؛ بل اختارت أن تكتب سطورها بحبر الإرادة وبصوت الإنجاز. منذ فجر الاتحاد عام 1971، وضع الآباء المؤسسون بوصلة واضحة، قاعدتها بناء دولة تتجاوز حدود الجغرافيا إلى آفاق العالم، وتنتقل من حلم التأسيس إلى مشروع حضاري متكامل، أساسه الإنسان وعماده القيادة الحكيمة.
لقد كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يقول بثقة: "الثروة الحقيقية هي الإنسان". واليوم، نرى تلك الكلمات تتحول إلى جامعات عالمية، ومراكز بحث متقدمة، وشباب يصنعون التكنولوجيا والفضاء، لا يستهلكونها فقط. وكما أرى فإن هذه الروح هي التي صنعت الفارق، وحولتنا من دولة ريعية تعتمد على النفط، إلى دولة يقف اقتصادها على المعرفة والابتكار والريادة.
بلا شك، ان القيادة الرشيدة أدركت مبكرًا أن العالم يتغير بسرعة، وأن المجد لا يُهدى، بل يُنتزع. ولذلك، لم تلجأ الإمارات إلى انتظار المستقبل؛ بل صنعت مستقبلاً خاصًا بها. فمن قطاعات الفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة النووية، إلى بنية تحتية تضاهي كبرى العواصم العالمية، نرى مشروعًا وطنيًا يؤمن بأن المستحيل مجرد رأي، وأن الطموح أساس الحياة، لا زينة الخطابات.
لقد جسّد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله ورعاه، جوهر المدرسة الإماراتية في الحكم والقيادة، تلك التي تجمع بين الحزم الإنساني والرؤية المستقبلية. فبفضل حكمته ورؤيته الثاقبة، تحوّلت الإمارات إلى نموذج عالمي في إدارة التنمية وصناعة الاستقرار. وكما قال سموه: "نحن نؤمن أن بناء الإنسان هو الأساس في بناء الأوطان، وأن طريقنا إلى المستقبل يعتمد على إعداد أجيال قادرة على تحمل المسؤولية وصنع التقدم". هذه الكلمات لم تكن مجرد شعار، بل تحوّلت إلى سياسة وطنية شاملة تترجمها مبادرات في التعليم، والصحة، والاقتصاد، والطاقة المتجددة، حتى باتت الإمارات اليوم عنوانًا للتنمية المتوازنة والريادة المستدامة. إن قيادة الشيخ محمد بن زايد تمثل في جوهرها امتدادًا لصوت زايد، ولكنها أيضًا ولادة جديدة لرؤية تؤمن أن المجد لا يُصنع بالشعارات، بل بالإرادة والعمل والتفاني في خدمة الإنسان والوطن.
ومن وجهة نظري، ما يميز التجربة الإماراتية ليس فقط حجم الإنجازات، بل فلسفتها الأخلاقية والإنسانية، حيث أنها دولة تستضيف أكثر من مئتي جنسية بتسامح وتمكين، وتقدّم للعالم نموذجًا حضاريًا يعيش فيه الجميع تحت راية واحدة، دون أن يفقد الوطن هويته أو جوهره. إنه توازن نادر بين الانفتاح والاعتزاز بالذات، بين التعددية والولاء الوطني، وبين الأصالة وروح العصر.
وفي الحقيقة فإن صناعة الإنجاز في الإمارات ليست قرارًا حكوميًا فحسب، بل منظومة روح جماعية تربط القيادة بالشعب؛ منظومة قائمة على الثقة، وعلى قناعة راسخة بأن الوطن وعاء الأحلام، لا ساحة الصراعات. ومن يتابع قصص نجاح الإماراتيين في ميادين الاقتصاد والعلوم والدبلوماسية، يرى ملامح جيل لا يكتفي بالنجاح الفردي، بل يحمل رسالة وطن بأكمله.
وكما نرى في زمن تتساقط فيه بعض الدول تحت وطأة الفوضى والأزمات، أثبتت الإمارات وقيادتها المباركة أن الاستقرار ليس هدوءًا سلبيًا، بل نتيجة إدارة واعية، واستراتيجية حكيمة، وأمن قوي يحمي البناء ويصنع الاطمئنان. وبلا شك، فإن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، تمثل اليوم امتدادًا لمدرسة زايد، وروحًا جديدة تؤمن بأن المنافسة العالمية لا تُخاض بالتمنيات، بل بالعلم والعمل والقرار الشجاع.
ومن هنا، فإن مسيرة الإمارات ليست فقط قصة نجاح، بل رسالة أمل، تقول للعالم إن الشرق يمكن أن ينهض، وإن العرب قادرون على بناء دول عصرية تحترم الإنسان وتحتضن الإبداع وتنافس في الفضاء وتعلّم العالم معنى أن تكون دولة صغيرة بحجم الجغرافيا… كبيرة بحجم الإرادة. إن الإمارات لم تصل القمة صدفة، ولن تبقى فيها بالمجاملة. إنها دولة صنعت مجدها بعرق قادتها وشعبها، وستواصل طريقها بثبات، لأن في قلبها إيمانًا بأن الوطن الذي يزرع الخير يحصد المستقبل الطيب، وأن الراية التي ترفرف فوق الصعاب لا تنحني… بل ترتفع أكثر كلما اشتدت الرياح.






















التعليقات