محمد موسى من أمستردام: فعليا لم تنته حرب الخليج الثانية والتي بدات التحضيرات لها عام 1990 الا بسقوط النظام العراقي السابق
عام 2001 ، الحرب السريعة التي بدأت في شباط عام1991 والتي أدت الى أنهاء أحتلال جيش النظام العراقي السابق للكويت كانت البداية لسنوات من الترقب والحروب الصغيرة والتحضير لحرب جديدة ربما لهذا لم تتناول السينما وهوليود موضوع حرب الخليج الثانية الا بفلم كبير واحد وهو الملوك الثلاثة عام 1999 للمخرج الأمريكي ديفيد روسل.

بأستثناء الأفلام التي صنعت عن الحربيين العالميتيين الأولى والثانية والتي تعاملت quot;بقدسيةquot; مع موضوع الحرب عالجت الافلام الهوليودية الأخرى وخاصة أفلام حرب فيتنام الكثيرة موضوع الحرب معالجة عميقة بالغالب ، حاولت الكثير من أفلام حرب فيتنام مقاربة الأنشراخ النفسي الذي أحدثته الحرب في بنية الجنود والمجتمع الذي كان ينتظرهم ويراقبهم . سرعت حرب فيتنام تعجيل مواجهة حتمية عميقة للشباب الأمريكي المنشغل آنذاك مع ثورات التحرر الستينية وأفكار الهيبيز مع النظام القديم المحافظ ومصالحه واسسه التوسعية وحروبه ، هذا التصادم والتخلخل الذي أحدثته حرب فيتنام في الحياة الأمريكية عالجته هوليود في بعض أفلامها معالجات متنوعة وصل ذروته في فلم المخرج الأمريكي أوليفر ستون (ولد في الرابع من تموز/ يوليو عام 1989).

حرب تحرير الكويت لم تحدث إهتزازا كالذي أحدثته حرب فيتنام في أمريكا، فأمريكا عام 1990 هي ليست أمريكا الستينات اضافة الى اسباب أخرى أهمها المشاركة الدولية التي أضفت طابعا عالميا مقدسا للحرب والتحضيرات الأمريكية للحرب التي بدت أنها أستفادت من كل أخطاء حرب فيتنام في تهيئة الرأي العام الامريكي لحرب مشروعة لا بد منها! . الحرب السريعة بخسائرها البشرية الأمريكية القليلة جدا جعلتها حربا غير مألوفة للأمرييكين وللعالم وعقد محاولات السينما الأمريكية لصنع أفلام تعتمد على أثارة الموضوع لجذب الجمهور الواسع ، أثارة لا تعتمد فقط على النصر الأمريكي الكبير وجاذبيتة الوطنية الأمريكية.

فلم الرأس الحليق للمخرج سام منديس والذي يعرض بنجاح محدود في أوربا ليس فلما عن الحرب بل عن أنتظارها وعن الجنود الأمريكان ويوميات الأنتظار في الصحراء العربية . لا يوجد في الفلم اي مشاهد للحرب او التعرض للمواجهات العسكرية القليلة التي حصلت فعلا مع جيش النظام العراقي السابق ، أنجز السلاح الجوي الأمريكي في حرب الخليج الثانية المهمة كلها تقريبا ليترك الجنود مع أسئلة أقرب الى الأسئلة الوجودية عن الحرب التي أستعدوا لها جيدا والتي صورها الأعلام الأمريكي بالحرب الخطرة الشاملة.
فلم المخرج الأنكليزي الأصل مندسن يختلف عن فلم حرب الخليج الثانية الآخرquot;الملوك الثلاثةquot; الذي عالج بكوميديا سوداء قصة خيالية لثلاثة جنود أمريكان يحاولون العثور على ذهب كويتي مسروق ومخبأ في أحد ملاجيء صدام حسين في جنوب العراق ، هذه الرحلة الخيالية سوف تتغير عندما يشهد الجنود بعضا من أحداث الأنتفاضة الشعبية التي حصلت في جنوب العراق ضد النظام السابق والتي حصلت بتأييد من الأدارة الأمريكية التي عادت وتخلت عنها سريعا لتترك الناس هناك تواجه وحدها أنتقام قوات صدام حسين . بالرغم من أجتهاد فلم الملوك الثلاثة في تسليط الضوء على قضية أنسانية لم يتعرض لها الأعلام الأمريكي بتوسع الا انه يبقى على السطح عندما يتعلق الأمر بصور وشخصيات العراقيين المنتفضيين او معذبيهم داخل الفلم .
لا ينشغل فلم المخرج سام منديس بالعراقيين او ذهب كويتي مسروق بل بالجنود الأمريكيين ، بحياتهم والطريق الشخصي الذي قطعوه للوصول الى الصحراء العربية من أجل حرب بدت للكثير منهم غير مفهومة ، في مشاهد الفلم الأولى أراد المخرج الأيحاء بأن هؤلاء الجنود قد خاضوا حربا من نوع آخر في مدنهم الأمريكية و قبل أن يصلوا الى تلك الصحراء . بطل الفلم في العشريين من عمره مازال أبوه المشترك في حرب فيتنام لم يتصالح مع ماضيه وتلك الحرب و أسئلتها و كوابيسها ، الشاب القادم من عائلة فككتها حرب أمريكية ينطلق الى حرب أمريكية أخرى بخفة عالية .

أنشغل المخرج كثيرا ولأكثر من نصف الفلم في مشاهد رتيبة ومكررة عن حياة وتدريبات الجنود الأمريكان استعدادا للحرب القادمة ، سيطرت الصورة الذكورية العنيفة المعتادة للحياة والتدريبات داخل الجيش الأمريكي على تلك المشاهد والبدايات للفلم ، بالتأكيد هناك قوة وخشونة في حياة الجنود الأمريكان او حياة أي مؤسسة عسكرية أخرى لكن هناك أستسهال في أستخدام الصورة النمطية عن تلك الحياة . أحدى المجلات الأمريكية أجرت لقاءات مع جنود أمريكان من خلفيات أثنية مختلفة خدموا في الجيش الأمريكي في العراق لمعرفة آرائهم بصورة الجنود التي قدمها فلم الرأس الحليق لسام منديس ، لم يجد الجنود السابقيين أنفسهم في فلم ستيفين منديسن وبدا الفلم برايهم يتحدث عن عالم لا يخصهم ولم يكونوا جزءا منه.

المخرج البريطاني المسرحي الذي حقق فلما رائعا كفلم الجمال الأمريكي (1999) الذي أراد أن يعري مؤسسة الجيش الأمريكي والسياسة الامريكية الحربية أنتهى بفلم متواضع مليء بالصور النمطية و يتميز فقط بتصوريه البديع وأداء نجم الفلم الشاب . لم يكشف المخرج عن أشياء لم يتطرق لها الأعلام العالمي المناهض للحرب والسياسات الأمريكية ، حتى أن مخرج غوغائي كالمخرج مايكل مور بدا أكثر نضجا في غوصه عالم الجنود الأمريكان ومشاعرهم وتذبذبهم والذي تعرض له في بعض أفلامه الوثائقية . لم يقدم المخرج سام منديس شيئا مهما يضيء بعضا من خفايا تلك الحرب او يوميات جنودها يستحق ان تأخذه معك الى خارج قاعة السينما بعد أن تنتهي من المشاهدة ، كل الاشياء التي قيلت في الفلم سمعناها عشرات المرات من جهات متعددة ، من الأعداد النفسي للجنود الامريكان اثناء وقت الأنتظار بعرض صور أطفال عراقيين شوهت وجوهم أثناء الهجمات الكيميائية التي قام بها النظام العراقي السابق الى الأشارات عن الشد الاثني بين أفراد الجيش الامريكي كلها أشياء كتب عنها مرارا وأصبحت معروفة ولم تعد تصدم المتفرج.

المخرج البريطاني الذي نجح في فلمه الجمال الأمريكي في تقديم الوجه الآخر السري للطبقة المتوسطة الأمريكية في ضواحي المدن الأمريكية الغنية بدا غريبا عن الجنود الأمريكان وحياتهم التي من أجلها أراد سام منديس عمل فلم كالرأس الحليق ، غابت تلك الحميمية والتفرد التي هي أبرز مميزات فلم الجمال الأمريكي عن فلم ستيفين منديسن الأخير حتى أن استخدام مشاهد مصورة بكاميرا الفيديو داخل الفلم الأصلي بدا اساءة للاستخدام الرائع للتكنيك نفسه في فلم الجمال الأمريكي ، كاميرا الفيديو في فلم الجمال الأمريكي كانت خلقا لعالم أفتراضي بوحي يوازي العالم المعاش و يقترب الى الشاعرية الرمزية بينما ظل التكنيك في فلم الراس الحليق جزءا من الصور المكررة نفسها وفقدت أي تأثير مفترض.
مشاهد الصحراء وحدها هي المشاهد التي ستعلق بالبال ، تصوير المصور روجر دكينز لثنئيات متباعدة كان موفقا بشكل كبير ، نجح المصور في مشاهد الجنود الأمريكيين في الصحراء بخلق مشاهد أقتربت الى الشاعرية من دون ان تضعف من غرابة وجود الجنود ببزاتهم العسكرية الثقيلة في مكان عذري وفسيح كالصحراء.
النجم الشاب جاك غلينهال لعب دور الجندي الشاب بتحكم ممتاز ، النجم الذي يعرض له الآن في السينمات فلم كبير آخر هو quot;جبل بوكباكquot; لعب دور شاب أبيض لا يجادل كثيرا الاسباب التي جعلته يكون جزءا من حربا كبيرة ساهم بحضوره الجسدي واداءه في تجسيد شخصية أمريكية متوسطة طيبة لكنها ليست بعيدة عن خطر الوقوع في القسوة او التطرف.
عودة الجنود المنتصريين الى مدنهم الأمريكية والتي صورها فلم المخرج سام منديس بدت على ضوء احداث الحرب الأخيرة في العراق فانتازية وهشه ، الكثيريين من هؤلاء الجنود سيعدون بعد 10 سنوات للصحراء من أجل حربا جديدة ما زلت بعض أوجها مستمرة الى اليوم ....

[email protected]