إيلاف من القاهرة:&في الحلقة الثالثة من السلسلة المخصصة لسيرة حياة الفنان محمود عبد العزيز، نذكر أنه قدّم فيلمين متتاليين مع سعاد حسني وهما: "شفيقة ومتولي" في العام 1978، والمتوحشة &في 1979، وكان الفيلم الثالث بعد 9 سنوات بعنوان "الجوع" الذي تم تقديمه في العام 1986، وسنتحدث عنه بإسهاب لاحقاً في الحلقات التالية.
مع سعاد حسني
ولقد لعب شخصية "دياب" بفيلم "شفيقة ومتولي" الذي يُعتبَر بمثابة الحكاية الشعبية الشهيرة، بينما لعب أحمد زكي فيه شخصية "متولي". ولكن دورهما تقلص تماماً بعد الخلافات التي حدثت بين سعاد حسني والمخرج سيد عيسي ما أدى في النهاية لإسناد الفيلم للمخرج علي بدرخان الذي قام مع السيناريست صلاح جاهين باضفاء البعد السياسي على الأحداث، واختيار فترة حفر قناة السويس والصراع داخل الطبقة الحاكمة العميلة للقوى الإستعمارية العظمى "إنجلترا وفرنسا" كخلفية أساسية لمعالجة الفيلم، ما أبعده عن&القصة الشعبية المعروفة، وخفف وهج وتأثير دوره بهذا الفيلم رغم تميّز العمل ككل.&
أما فيلم "المتوحشة" فكان من إخراج سمير سيف. وهو مأخوذ عن مسرحية بنفس العنوان للكاتب الفرنسي جان أنوي، التي تدور حول فتاة استعراضية تعمل في الموالد، ويحبها كاتب مرموق من أسرة ثرية، ويحاول أن يهذبها سلوكًا وثقافةً حتى يستطيع أن يقدمها لمجتمعه.&ولقد أثبت فيه محمود عبد العزيز وجوده أمام النجمة الرائعة سعاد حسني.&
مع نجلاء فتحي
وتتوالى أفلامه، فيقدّم مع نادر جلال ميلودراما "أقوى من الأيام" في العام 1979، مع نجلاء فتحي وعادل أدهم. وتدور أحداثه في منطقة ريفية معزولة بين شرير يجبر البطلة على الزواج منه. ثم يحاول حبيبها أن ينقذها من جبروته، ورغم أن الفيلم يقوم علي صراعٍ مثير ومصنوع بشكلٍ جيد، ويظهر فيه أداءً متميزاً من أبطاله الثلاثة، إلا ان المُشاهد يجد نفسه أمام فيلم تقليدي لا يقدِّم جديداً رغم نجاحه جماهيرياً.&
ويُعرض له بعد ذلك فيلمان من إخراج أحمد يحيى.&الأول: حب لايرى الشمس في العام 1980، وهو مأخوذ عن الفيلم الأميركي "صانعة الأطفال"، ويشارك فيه نجلاء فتحي وفريد شوقي ويدور حول رجل لا تنجب زوجته، ويفرض عليه أبوه أن يتزوج من أخرى من أجل الإنجاب مقابل مبلغ من المال، ثم يطلقها&بعد تنازلها عن الطفل. ولكن الرياح&تأتي بما لاتشتهي السفن، حيث يقع الرجل في غرام زوجته الجديدة التي تتحرك بداخلها الأمومة فتقرر ألا تتنازل عن الطفل. ورغم أن المستوى&الفني جاء ضعيفاً، إلا أن الناقد سامي السلموني&كتب آنذاك عن أداء "فتى الشاشة الوسيم" قائلاً: "إنه يتقدم ويرسخ قدمه بسرعة واستمرار".
وكان الفيلم التالي "وداعًا للعذاب" الذي عُرِضَ في العام 1981 وهو إعادة لفيلم "أيامنا الحلوة" لفاتن حمامة وعمر الشريف وعبد الحليم حافظ. والذي يصوِّر فتاة فقيرة ومريضة يقع في حبها الأصدقاء الثلاثة، ويجمعون المال من أجل علاجها. ولقد شارك في بطولته نجلاء فتحي وحسين فهمي.. إلا أن فيلمي أحمد يحيى لم يقدما أي إضافة لـ"النجم الشاب".
تعدد الأدوار
وقدِّم في العام نفسه فيلماً كوميدياً لطيفاً بعنوان "البنات عايزة إيه" من إخراج حسن الصيفي. الذي شاركت فيه سهير رمزي وسمير غانم. وهو يصوِّر فتاة تريد أن ترتبط بشاب ليس له ماضٍ أو علاقات سابقة. فيدعي أنه كذلك. وتبدأ&المفارقات عندما تعلم الفتاة الحقيقة.&
وتلاه فيلم "وادي الذكريات" من إخراج بركات وبطولة شادية. ولعب فيه دور الممثل المساعد حيث أدّى شخصية شاب سوري. وعن ظروف اشتراكه بهذا الفيلم رغم أنه كان قد أصبح نجماً يلعب أدوار البطولة يقول "لم يكن من الممكن أن أرفض فيلمًا للمنتج رمسيس نجيب الذي منحني فرصة أول بطولة سينمائية".&
ومن الأفلام المتميزة التي قدّمها في بداية الثمانينات، "فيلمx " ومعناها الخطأ. وكان من إخراج سمير نوار. وهو من الأفلام التي رصدت نجاح فترة الإنفتاح الاقتصادي، وما حدث من تجاوزات من خلال شاب قرر أن يتصدى لعمليات الإختلاس التي تحدث في شركته، ولكن يتم تدبير مؤامرة له لإيقاعه في السجن، ثم يخرج لينتقم. ورغم أنه فيلم جيد في معالجته ومستواه الفني، ولعب فيه محمود عبد العزيز دوراً جيداً، إلا أنه لم يبقَ في صالات العرض طويلاً بسبب ضعف الدعاية له.&
وهناك فيلم آخر بعنوان "أنا في عينيه" من إخراج سعد عرفة وبطولة نجلاء فتحي وتميل أحداثه إلى الرومانسية من خلال شاب ثري يصدم فتاة فقيرة بسيارته، ويقوم بعلاجها ثم يتزوجها ثم تنجح هي في اخراجه من حالة اللامبالاة التي يعيشها، وتقنعه بالعودة للعمل في مصنعه بعد أن كان يعاني من عقدة نفسية.
&أما فيلم "إعدام طالب ثانوي"من إخراج أحمد فؤاد درويش، فقد شارك في بطولته سهير رمزي، نور الشريف ومحيي اسماعيل. وهو دور دراما بوليسية ونفسية مثيرة وغامضة حول مقتل سيدة. ويلعب "الراحل" فيه شخصية ضابط المباحث الذي يكشف سر الجريمة وسط أحداث شديدة التعقيد لتعدد أطرافها.
وفي فيلم "المعتوه" الذي أخرجه كمال عطية يلعب دور شاب مضطرب نفسيًا ويحب إمرأة ويتهمها بأنها أقامت معه علاقة، وحاولت قتله وهي عفاف شعيب. وتقوم المعالجة علي سرد التفاصيل من خلال روايتين مختلفتين. ولقد أثبت فيه قدرته على أداء الشخصيات المركبة والمعقدة.
الممثل النجم
وكان "عبد العزيز" قد لعب بطولة أكثر من 30 فيلماً في هذه المرحلة ما بين (1977-1982) وشاركته البطولة أشهر وأجمل نجمات السينما سعاد حسني، نجلاء فتحي، ميرفت أمين، سهير رمزي، نيللي، ويسرا، ثم نبيلة عبيد ونادية الجندي. ثم بدأت ملامح مرحلة جديدة تتبلور في مشواره، وتعتمد بشكل أكبر على "الممثل النجم"، وليس "فتى&الشاشة الوسيم"، ولعل أول ملامح هذا التطور قد ظهرت في أفلام المخرجين أشرف فهمي وعلي عبد الخالق وحسين كامل وحسام الدين مصطفى.
فقد انتبه بعد تجربة البداية، ثم مرحلة الإنتشار السريع التي قدّم من خلالها أدوار البطولة في أفلام تجاربة متوسطة القيمة والتأثير أن الذي يبقى هو "الممثل" وليس النجم. فبعد أن بهرته أدوار البطولة في البداية، والأضواء التي سُلطَت عليه، وكان يرضيه ويسعده أن يقف أمام نجوم الشاشة فريد شوقي ورشدي أباظة وسعاد حسني وغيرهم، اكتسب الخبرة بسرعة، وبدأ يهتم بالأدوار والشخصيات التي ترضيه كممثل وتمتلك درجة من الإثارة تُشبِع قدراته على الأداء. واستطاع أن يصنع لنفسه مكاناً بين النجوم من خلال أفلام حققت نجاحاً جماهيرياً، بحضورٍ خاص ونجومية مغلفة بخفة الظل. ولكنه لم يحقق نفسه كممثل من خلال الأفلام التقليدية السائدة، وإن كانت موهبته قد ظهرت منذ أول أفلامه كبطل سينمائي في "حتى آخر العمر" من إخراج أشرف فهمي، ثم في أفلام مثل "طائر الليل الحزين" من إخراج يحيى العلمي، والشياطين من إخراج حسام الدين مصطفى، و"شفيقة ومتولي" من إخراج علي بدر خان، واتجه بشكلٍ تدريجي إلى تحقيق المرحلة الثانية في مشواره، مرحلة "الممثل –النجم".
تطور ملموس بشهادة النقاد
ونستطيع أن نرصد المقدمات الأولى لهذه المرحلة بفيلم "ولايزال التحقيق مستمراً" في العام 1979، مع نفس المخرج الذي قدّمه في أول بطولة وهو أشرف فهمي. حيث لعب شخصية رجل أعمال إنتهازي وعصري وتميل القيم التي تحكمه نحو الشر. فقد كانت قصة إحسان عبد القدوس ترصد التغيّرات التي أصابت المجتمع في أواخر السبعينات من خلال الزوجة نبيلة عبيد التي تخون زوجها محمود ياسين مع صديقه محمود عبدالعزيز، وكان هذا الصديق تلميذاً فاشلاً، وسافر إلى أوروبا والذي يريد أن يفرض قيمته الزائفة عن طريق جبروت المال.
وفي المقابل، تظهر شخصية الزوج المثالية، وشخصية الزوجة التي تطمع في الحياة الرغدة والسهلة، وكان متميزاً في أداء الشخصية، فكتب عنه الناقد سامي السلموني "ويقدم محمود عبد العزيز وجهاً آخر من وجوه الأداء القوي السهل بلا افتعال"، بينما كتب الناقد سمير فريد عنه "أدى دور شرير معاصر يندفع إلى الشر بحكم الظروف التي تحيط به دون أن يكفر وجهه، أو يرتفع حاجبه إلى أعلى أو أسفل"، إذن فإن هذا الترحيب النقدي به كممثل يلعب دور صديق خائن دون أن يخشى على نجوميته كفتى شاشة، ما يؤكد أن موهبته وقدراته على الأداء تلقى تقديراً من النقاد، وترحيبًا من الجمهور الذي شجعه على تقديم أدوار متنوعة ومختلفة.
وقدّم بعد ذلك ثلاثة أفلام للمخرج "فهمي" ولكنها لم تمثل إضافةً كبيرة له، رغم ما عالجته من مواضيع مهمة. فكان الفيلم الأول "الخبز المرّ" في العام 1982، حيث لعب شخصية هارب من الثأر مع شقيقه، ويذهب إلى الإسكندرية ويقع في حب قريبته التي تعيش هناك، ويضطر إلى مواجهة رجل الميناء القوي الذي يفرض سطوته على الجميع، والفيلم يقدّم معالجة إجتماعية قريبة من الواقع المصري في بداية الثمانينات.
والفيلم الثاني&هو "قانون إيكا" الذي قدّمه في العام 1991، وقدّم فيه شخصية أستاذ جامعي يتعرّض هو وزوجته للإعتقال. فتموت الزوجة بسبب التعذيب حيث تقع الأحداث في العام 1968، ثم يخرج من السجن منهارًا، ويخضع لرغبات إمرأة لعوب هي "إيكا"، ويدمن المخدرات، ويكاد أن يقترب من الجنون. علماً أن هذا الفيلم يدين سياسة الإعتقالات في عهد "عبد الناصر"، ولم يحقق النجاح المتوقع نتيجة تأخر معالجة هذه القضية، ولأنه قدم بشكل ميلودرامي، إلا أن "عبد العزيز" لعِبَ فيه دوراً متميزاً بالفعل.
أما الفيلم الثالث "فخ الجواسيس" الذي تم تقديمه في العام 1992. فهو من أفلام الجاسوسية. ولعِبَ فيه شخصية رجل مخابرات مصري يتعقب فتاة تعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية هالة صدقي، في الفترة بين حربي 1967-1973. إلا أن هذا الفيلم متوسط القيمة، ومن الواضح أنه جاء استغلالاً للنجاح الذي حققه في مسلسل "رأفت الهجان"، وللشعبية الهائلة التي كان قد اكتسبها محمود عبد العزيز آنذاك.
ملاحظة: تستمر سلسلة "إيلاف" عن مسيرة محمود عبد العزيز الفنية بسبع حلقات ننشرها تباعاً.
التعليقات