الطريق واحد، لكن مسارات الوصول مختلفة، بشكل يجعل شريط المخرج خالد فهد "طريق الوادي" تجربة عصية على التصنيف. قد يعتبره البعض فيلم أطفال، أو موسيقي عائلي، يراه الأخرون فيلمًا عن المجتمعات المنغلقة والصراع بين جيلين، الأباء والأبناء.
وعلى مسار ثالث يمكن أن نصنفه كفيلم خيالي حالم، لكن الواقعية تفرض نفسها بقوة في قضيته التي قدمها صنّاع العمل بين السطور.

صعوبة التصنيف
هذه الحيرة المرتبطة بصعوبة التصنيف هي أمر يُحسب بالتأكيد لصناعه، ونقطة ننطلق منها أولا للحديث حول موضوع الفيلم ثم للوقوف أمام التقنيات السينمائية المستخدمة والتي تؤكد خبرات الصناع خصوصا المخرج رغم كون الشريط أولى تجاربه السينمائية الطويلة.


صورة لمشهدية القرية كما صورها الفيلم

قرية منغلقة
الفيلم الذي يدور في قرية منغلقة على نفسها اسمها "الوادي" يخرج منها أهلها بصعوبة، يجاهد الأبناء للتعلم خارجها وعندما تنهي الابنة دراستها تطالب بالعودة للزواج أولا.
أي عمليات بيع أو علاج تتطلب المرور عبر طريق يحمل نفس اسم القرية، محاط بالصحراء بما فيها من خير وشر، لكن وجود الشرطة ملموس والخدمات أيضا من خلال محطة بنزين وسوبر ماركت صغير بداخلها.

يبدأ الفيلم من خلال فوج سياحي يعرفنا مرشده على تاريخ القرية وأهميتها، ثم نرى "علي" الطفل الأبكم شديد الذكاء والعذوبة، يتفاهم مع أصدقائه وحيوانات القرية ومع خيالاته لكن اللغة مقطوعة مع والده الصارم غير القادر على التعامل مع الحالة الخاصة لابنه إلا عبر الذهاب لمعالج شعبي وهو الذي يخشى التحرك مع ابنه بسبب صعوبة التفاهم. لكن، ما فعله ابنه في ميكروفون المسجد، والأزمة الاقتصادية تضطره أن يكمل المهمة.

في الطريق، يفقد الأب ابنه، ويذهب الطفل في رحلة يمر من خلالها على الفوج السياحي، ورجل معتزل الحياة، وعصابة لصوص، وبائع أسيوي يتحول في خيال "علي" إلى ساموراي ياباني، يساعد "علي" الشرطة في الوصول للصوص، يكتشف الأب بمساعدة الابنة أن لولده امكانات خفية وكأنها دعوة من الفيلم للأباء لاعادة اكتشاف طاقات أولادهم حتى ذوي الهمم منهم.

هذه البساطة التي روينا بها القصة ليست كذلك على الشاشة، فالمجهود الفني في الكتابة والتنفيذ أكبر من ذلك بكثير.

فالاعتماد على الطفل "حمد فرحان"( 11سنة) الذي مثّل للمرة الأولى وأثبت موهبة حقيقية ومناسبة لهذا الدور، لم يكن سهلاً.

قرية كاملة
ونجح فريق العمل برسم المكان الذي انطلقت منه الأحداث. فقد حين أسس قرية كاملة للتصوير حملت ألوانا مبهجة في الليل والنهار، وبشكل يناسب الفكر الذي اعتمده المخرج حيث الجمع بين الواقعية والخيال، فتشعر وكأنك تشاهد فيلما من انتاج ديزني تتخله مشاهد متخيلة وغنائية، لكن في الوقت نفسه لا يمكن اغفال أن القرية التي نراها أمامنا حتى وإن كانت براقة وملونة لكنها تعكس واقعا عانت منه المجتمعات العربية على مستويات عديدة، أبرزها مواجهة الانغلاق.
وهي الفكرة الأساسية في هذا الفيلم وما قالته الإبنة – وجسدتها أسيل عمران- لزميلتها قبيل العودة للقرية ربما يلخص الكثير.

ابن آوى
الخوف من "الواوي" (حيوان ابن آوى) ينتقل من الكبار إلى الصغار في قريتهم. الكل عندما يخاف يغلق الباب على نفسه، دون أن يحمل قدرًا من الشجاعة لمواجهة الخطر، لكن "علي" فعلها بل إنه كان أكثر جرأة من والده الذي اكتفى بابلاغ الشرطة والاستسلام بلا حول ولا قوة، لم يتجول بالسيارة على أمل أن يراه، نموذجا للمواطن غير القادر على اتخاذ قرار، لا في بيع التيس ولا في العثور على ابن ضائع .

على العكس كان الابن، انفتحت مداركه فوجد الكنز في الرحلة، سواء مع السياح أو في خيمة الرجل المعتزل، وحتى مع العصابة وصولا لرجل الشرطة الذي جسد نموذجًا متكاملاً مع عقلية الابن الجامعية.

تناغم
ديو محمد الشهري وأسيل عمران كان متناغمًا للغاية وهو ما يحسب لكاستينج الفيلم بالتأكيد، والأهم أن النهاية لم تكن تقليدية، فليس المهم في "طريق الوادي" أن يتزوج الضابط من الفتاة، لكن المهم أن يواجه الجميع خوفهم المتأصل في نفوس عانت طويلا من الانغلاق.

العناية بالشخصيات
في هذه التجربة أحسن المخرج خالد فهد الاستفادة من كل أدواته، على مستوى التمثيل، وبجانب الطفل والابنة والضابط، جاء شخصيات الأب والأم والأخ مناسبة للممثلين الذين أدوهم على الشاشة، وحتى الأدوار الصغيرة. تم اختيار الفنانين بعناية مثل المجذوب أو المرشد السياحي أو "ميدو" الشاب المعتز بذاته الفارغة، على مستوى التصوير لم نشعر في "طريق الوادي" بأن المكان شبه ثابت، دائما كان هناك حرص على أن يشعر المتفرج بالاتساع، كلما كان علي ينفتح على العالم، وتقترب منه الكاميرات في لحظات الإنزعاج وغضب الأخرين، وجاءت مشاهد الطريق ومحطة الوقود والصحراء مميزة من حيث استغلال الإضاءة الطبيعية نهارا وأيضا جودة التصوير في الليل.

موسيقى
الفيلم مليء بالأغنيات، وتلعب الموسيقى دورًا في التعليق على الأحداث. ولقد وفّر خالد الكمار نغمات مبهجة تناسب الشريط المتأثر بانتاجات ديزني، فيما أجاد مصمم الديكور في جعلنا لا نشعر بأن القرية غير حقيقية وفي نفس الوقت ندرك أننا أمام مكان خاص ما نراه لا ينطبق عليها وحدها وإنما على كل مجتمع يعاني من الأمر نفسه.

تفاصيل
يحسب لفريق العمل أيضا الاهتمام بالتفاصيل والربط بينها بشكل أقرب للرمزية، الفراشة رمز لرغبة الطفل في الانطلاق، الفوج السياحي افتتح الفيلم لكن كان له دور درامي لاحقًا، الصورة التي ظهر فيها "علي" معهم كان لها تأثير عندما عادت للظهور في نهاية الشريط، فقدان التيس واسترداد الابن، دلالة على أن رأس المال الحقيقي في الأبناء وليس الممتلكات.

"طريق الوادي" تجربة تحتاج لأن يشاهدها المتفرج بعقلية منفتحة، هذا ليس فيلمًا عن صبي أبكم يفقده والده على الطريق وإنما فيلم يحمل معاني متعددة المستويات، ويبشر بأن مخرجه قادر على أن يمضى قدما في تجربته السينمائية بشرط أن يفاجئنا بالجديد في كل مرة حيث أن الكنز دائما في الرحلة الفنية لأي سينمائي تماما كما اكتشفناه عندما تتبعنا رحلة "علي".