إعداد عبد الإله مجيد: سعى مشعوذون ونصابون ومهووسون الى بيع أكاسير الحياة منذ فجر التاريخ، وجُربت صنوف شتى من الترياقات الغريبة ضد الشيخوخة، بما في ذلك شرب املاح زئبقية وأكل خصى القرود. وارتبط الخلود، على ما يبدو، ارتباطًا لا فكاك منه بالجنون. ولكن هذه القاعدة قد تكون على وشك أن تتغيّر. ففي وقت سابق من ايلول سبتمبر توافد 200 عالم إلى جامعة كامبردج لبحث سبل تمديد حياة الانسان بصورة جذرية، بل وحتى تحقيق الخلود.إلتأم المؤتمر برعاية مؤسسة استراتيجيات لهندسة اختزال الشيخوخة إلى كمية مهملة (سينس) The Strategies for Engineered Negligible Senescence (SENS) وجمع باحثين في فروع متنوعة من هندسة الانسجة والذكاء الاصطناعي والقانون والديموغرافيا والسياسة. وقال منظم المؤتمر الدكتور اوبري دي غراي الذي ساهم في تأسيس (سينس)،إنّ غالبية الناس لا يدركون السرعة التي يتقدم بها علم الطب في مضمار مكافحة الشيخوخة.وأضاف أن التقدّم الطبّي التقليدي تكفل بأن يعيش الطفل الذي يولد اليوم عمرًا يناهز 120 الى 150 سنة. وأعرب عن اعتقاده بإمكانيّة أن يعيش هذا الطفل عمرًا أطول حتى. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن دي غراي قوله: quot;إذا حققنا الاختراقات الصحيحة في السنوات الخمس والعشرين المقبلة، فإن هناك احتمالاً بنسبة 50 في المئة (فيفتي فيفتي) ان الأشخاص الأحياء اليوم يمكن ان يبلغوا من العمر ألف عامquot;.

قد يبدو هذا خيالاً ولكن الدكتور دي غراي يحظى بتأييد يثير الدهشة بسعته.ويقول البروفيسور مارك بابيس، الباحث المتخصص بطب الحياة في كلية لندن الجامعية، وأحد المتحدثين في المؤتمر quot;ان اوبري دي غراي ليس مجنونًا. ولديه علماء جادون يعملون بإشرافه وهم يؤدون عملاً رائعًا في حقل الشيخوخةquot;.

تضمن الوتيرة quot;الطبيعيةquot; التي يتقدم بها الطب زيادة متوسط ما يعمره الانسان نحو سنتين كل عشر سنوات. ويعني هذا انكفي كل ساعة تمر من عمرك تكسب 12 دقيقة. ومع تسارع وتيرة التقدم في علوم الطب تتاح لك فرصة الوصول الى نقطة quot;الاقلاعquot; ـ التي عندها يزداد متوسط عمر الانسان بمعدل اسرع من تقدم سن السكان.
مندوبو المؤتمر الذين أُطلق عليهم لقب quot;الخلوديينquot; ، كما هو متوقع ، يرون ان الشيخوخة مشكلة هندسية من حيث الأساس.وهم يعتقدون أن بالإمكان استدراج جسم الانسان الى حياة خالدة باستبدال الأجزاء المستهلكة نتيجة الاندثار وتحديث كيمياء الجسم الحياتية كلما تحدث مشاكل. ويرى هؤلاء العلماء ان مثل هذه الاجراءات ستصبح شائعة بعد عقدين أو ثلاثة عقود من الآن.
لا يبحث العلماء عن وصفة سحرية واحدة لعلاج الشيخوخة بل يكافحون بدلاً من ذلك امراض الشيخوخة مثل الزهايمر والسرطان وامراض القلب واالدورة الدموية. وهم يعتقدون ان النجاح في معالجة مثل هذه الأمراض يعني تأجيل الموت، وربما الى أجل غير مسمى. وبذلك يصبح الخلود احد الآثار الجانبية لتقدم الطب.

حتى اوائل السبعينات، كان العلماء يعتقدون أن لدى كل الكائنات العضوية الحية حياة قصوى مبرجة سلفًا. ثم طلع البروفيسور توم كيركوود من جامعة نيوكاسل البريطانية بنظرية تقول اننا نموت لأن الجينات المشفرة للقيام بأعمال الصيانة مثل ترميم المادة الوراثية أو الحمض النووي والانزيمات المضادة للتأكسد، تفقد حيويتها بوتيرة مطّردة. ويعود هذا إلى أن الحياة انما هي توازن بين قوتين متزاحمتين هما الحاجة الى التكاثر والحفاظ على الجسم فترة كافية لأداء هذه المهمة. بعبارة أبسط، ان اجسامنا تحافظ على نفسها فترة كافية لإنجاب اطفال فقط.
المفارقة أن هذه النظرية ذاتها تفتح الباب على امكانية الخلود. فإذا تمكنا من الارتقاء بعمليات صيانة الجسم ـ أو تصليح اي تلف اصطناعيًا بتبديل أعضاء الجسم ـ سيكون بمقدورنا ان نعيش حياة أطول بكثير.

في غضون ذلك، يعتقد البروفيسور كريس ميسون المختص بطب الحياة في كلية كنغ في لندن، بأنه في غضون عقود قليلة ربما سيكون بمقدور العلماء تعليم الجسم على انتاج اعضائه بنفسه. وهو يشير الى مشروع تعمل عليه المؤسسة العسكرية الاميركية منذ اربعين عامًا لايجاد طرق تساعد الجنود على اعادة انتاج الأطرف التي يفقدونها في الحرب. ويقول البروفيسور ميسون ان البشر قادرون على تجديد بعض اعضاء الجسم بصورة طبيعية مثل الكبد واللسان. ومن حيث المبدأ فإننا quot;ينبغي ان نكون قادرين على اعادة انتاج أعضاء أخرى ايضًا مثل الأذرع والسيقانquot;.
في غمرة كل هذا التفاؤل يدعو علماء آخرون الى التأني. ويبدي ريتشارد فاراغر رئيس الجمعية البريطانية لابحاث الشيخوخة قلقه من ان الدعاوى التي اطلقها الدكتور اوبري دي غراي وغيره من quot;الخلوديينquot; تطمس مضامير أخرى في علم الطب أكثر نفعًا للمريض. وقال الدكتور فاراغر quot;ان اوبري كاتب متخصص بروايات الخيال العلمي عمليًا. وهناك طرق عديدة لتحسين الصحة العامة باجراءات بسيطة مثل تصليح كسور الورك بطرق أشد فاعلية. علينا ان نركز على هذه الأمور بدلاً من الحلم بالخلودquot;.