حوار مع د. أحمد مطر

أجراه نصر جميل شعث: ربما أن آراء الدكتور: أحمد أبو مطر، النقدية والغاضبة، التي نقرأها هنا وهناك، بشأن الموضوعات الفلسطينية والعربية؛ لم نصل به إلى حدّ الاكتفاء بالكتابة؛ بل يتجاوز الأمر ذلك ليتكرر اتصاله بي، من أوسلو، يشكو لي من حماس وفتح والأوضاع المقيتة التي آلت إليها الأراضي الفلسطينية مع صعود الشيوخ للحكم،

أحمد أبو مطر
ونشوب ما يقترب من تسمية الحرب الأهلية. كنت أصر على أنّ الصراخ والكتابة، إزاء هذا الخراب الحاصل في الوجدان والعقل الفلسطيني والعربي، لن يجديا نفعاً ! ولكنّ يبقى القول أنّ الكاتب والباحث الفلسطيني د. أحمد أبو مطر واحد ممن يكتبون من منطلق الحرية، وأولوياتهم هي تحريك العقل وتحريره من الجمود والقصر والتطرّف. وأما سيرة الضيف: فهو كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني، مقيم في النرويج، من مواليد بئر السبع عام 1944، حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب والنقد من جامعة الإسكندرية عام 1979، عمل مدرساً في جامعة الفاتح في ليبيا، وجامعة البصرة في العراق. يكتب في العديد من الصحف والمجلات العربية المعروفة، وكانت له زاوية خاصة في quot; عرب تايمز quot; منذ عام 1992. من كتبه الصادرة: quot; سقوط ديكتاتور quot; عن صدام حسين، ومن كتبه الهامة كتاب: quot; دراسات في الأدب الفلسطيني quot; و quot; عرار الشاعر اللامنتمي quot; و quot; تنويعات غير قانونية quot; - مجموعة قصصية - وquot; الرواية في الادب الفلسطيني quot; وquot; الرواية والحرب quot; و quot; الثقافة المصرية في زمن التطبيع quot;. وله: quot; الرواية في الادب الفلسطيني من عام 1975 إلى عام 2000 quot;، و quot; الكافي الوافي في فك طلاسم القذافي quot;. ومع المعلومات الجغرافية والتاريخية عن مدينة quot;بئر السبع quot; http://www. pnic. gov. ps/arabic/palestine/town17. html#nametown
، مسقط الكاتب أنها: تقع في الجزء الجنوبي من فلسطين، وفي الجزء الشمالي من الصحراء الفلسطينية، عند التقاء دائرة عرض 31. 15 شمالاً وخط طول 34. 48 شرقاً، وهذا جعلها تقع في ملتقى ثلاث بيئات مختلفة، الصحرواية في الجنوب والجبلية في الشمال والشمال الشرقي والبيئات الساحلية، ما عزز من أهميتها الاقتصادية والحربية، على مر العصور، فهي البوابة الجنوبية لفلسطين والبوابة الشرقية لمصر، ولذلك كانت محط أنظار الجيوش خصوصاً أثناء الحروب العربية الإسرائيلية. ويعتقد البعض أن اسم المدينة (بئر السبع)، مأخوذ من بئر كان يَرده حيوان مفترس هو السبع، ويعتقد البعض الآخر أن تسميتها تعود إلى وجود سبعة آبار للماء في منطقة تخلو من المياه، والحقيقة أنه إذا كان هناك سبعة آبار فإن اسمها لن يكون بئر السبع، لأنه من التسمية يتضح أنه بئر واحد. ويقال أن اسم بئر السبع يعود إلى قصة النعاج (السبع) التي أهداها إبراهيم إلى أبي مالك ملك فلسطين، وذلك لكي تشهد عليه بأنه هو الذي قام بحفر البئر هناك. وسمي المكان منذ ذلك الوقت بـ (بئر السبع). وقد رأينا عطفاً على كل ما تقدم، أن نأخذ السؤالَ من سرعته، ونعطيه زمنَ المُداخلة المفتوحة على صعد مختلفة، كما لو أردنا الحوار quot; ورشة نقاش quot;، نحاول من خلالها إعطاء الأسئلة والإجابات طابعاً أدبياً يليق بقارىء إيلاف.

* بداية، د. أحمد أبو مطر، ما الذي تبوحه للمكان البعيد، على نحو رومانسي؟ وما الذي تقوله عن المنفى؟
- سؤالك هذا يعيد لذهني ذلك المكان البعيد عندما كنت طفلا لا يتجاوز الخامسة من عمره، ورغم ذلك يتذكر ذلك الطفل حياته في مضارب العشيرة البدوية في بئر السبع بفلسطين.. أيام لها طعم الحلاوة الطحينية التي كانت أغلى وأحلى ما يمكن أن نتذوقه في المناسبات والأعياد... كيف ينسى ذلك الطفل غروب كل يوم عندما يتجمع رجال العشيرة في بيت الشعر العائد لوالده الشيخ عطية... يوصف بالشيخ لأنه الوحيد من بين أفراد العشيرة من يجيد القراءة والكتابة ويحفظ القرآن الكريم ولديه العشرات من كتب الدين والسيرة النبوية والتاريخ. كانوا يبدءون أمسيتهم بتحميص القهوة ثم طحنها وإعداد القهوة بالهيل، ثم يتناولون فناجين القهوة وسط الأحاديث والقصص عن ما فعلوه في يومهم، وكلهم كان يعمل في رعي الإبل والأغنام والزراعة أما النساء قي ذلك الوقت ورغم المجتمع البدوي المحافظ فقد كنّ في نواح عديدة أكثر تقدما من نساء بعض العواصم العربية اليوم، إذ كنّ يعملن جنبا إلى جنب مع الرجل في كافة نواحي الحياة. في لحظة يخرج العديدون رسائل جاءتهم ليقرأها لهم الشيخ عطية ثم يكتب لهم جوابا عليها... صغار نذهب لمكان ما قريب من بيوت شعر العشيرة لنتعلم القراءة والكتابة، والويل والثبور إذا لم نحفظ سورة القرآن الكريم التي طلب الشيخ عطية حفظها... , العقوبة دوما هي العمل في الحقول أو رعي الإبل أو تنظيف بيت الشعر الذي يجلس فيه رجال العشيرة، وكان يسمى (المضافة) أو (الديوانية). ذلك المكان البعيد كان رومانسيا بحد ذاته، فهل أنسى كيف كانوا يجبروننا ونحن دون السابعة على الصلاة، ونتآمر معا على التمرد على أوامرهم بطريقة صبيانية، فنصطف للصلاة وراءهم بدون وضوء متعمدين التحدي، وعندما يسأل أحدهم: هل توضأتم؟ نجيب معا: نعم... نعم... فيجيب الرجل: تكذبون!!.... وتستمر الصلاة.. بوضوئهم وعدم وضوئنا!!. هذا المكان الرومانسي بكافة تنويعاته لم يستمر طويلا مع الطفل... فجأة وللمرة الأولى سمع من أهله كلمة (اليهود)... وما كانت تعني له شيئا لولا أنها اقترنت بالرحيل... ليلة ظلماء.. النساء يجمعن الحاجيات الضرورية والرجال يجمعون الإبل والحمير، وإذا بطابور طويل يسير هربا نحو مجهول لا يعرفه الطفل!!. لماذا؟ سمع من الكبار أن اليهود يهجمون ويستولون على الأرض والبيوت ويغتصبون النساء ويبقرون بطون الحوامل، فلا بد من الهرب حماية للعرض أما الأرض فتعود يوما ما... مشي على الأقدام وراء الحمير والجمال، والمحظوظ من الأطفال من يلحقه الدور لركوب الحمير أو الجمال ساعة أو ساعتين.. وبعد ليلتين ويوم وصل الطفل لمكان قالوا له اسمه (رفح)..... وفجأة عرف تسميات جديدة أهمها (وكالة الغوث) و (البلوك) أي تلك الغرف البسيطة التي بنتها وكالة الغوث لإيواء ما أصبحوا يعرفون باسم (اللاجئين). مكان جديد خال من الرومانسية مزدحم بالشقاء... سنوات والطفل وأهله يعيشون على ما تقدمه وكالة الغوث مرة كل أسبوعين من طحين ورز وحليب مجفف، وملابس مستعملة مرتين في السنة! ورغم ذلك الشقاء كان الإصرار على التعليم والمدرسة، فقد غرسوا في ذهن الأطفال والشباب بعد ضياع المكان الرومانسي (أن سلاح الفلسطيني شهادته). وفي نهاية العقد الرابع من عمره يكون الطفل شابا قد حصل على أعلى الشهادات المتاحة وأخذ من الشيخ عطية حب الكتاب والكتابة، وبسبب هذا الفعل (كتب)، يطرد من عدة أقطار عربية ويمنع من دخول بعضها... فأين يذهب وقد ضاقت بلاد العرب الواسعة به؟. لا بد من منفى جديد، ولكنه هذه المرة بعيد عن بلاد العرب العاربة والمستعربة... قريب من القطب الشمالي... في رقعة من بلاد سماها سلفه (أحمد بن فضلان) ndash; بلاد الصقالبة ndash; موطن الفايكنج... النرويج... هنا يختلط الفرح بالحزن.. الفرح لأنه ابتعد عن نكد بلاد العرب وسجونها ومعتقلاتها.. و الحزن لأن هؤلاء الغرباء عنا وطنا وعادات يحبوننا أكثر مما نحب أنفسنا... بشر بكل ما في الكلمة من معنى كما وردت معاني البشر في قرآننا... إنهم كما قال ذلك العربي... مسلمون بدون إسلام ونحن إسلام بدون مسلمين... هذا المنفى الأوسلوي البارد جوا وحرارة، دافىء في علاقاته وبشره.. لا يعرفك إلا أنه يبتسم لك في الشارع مع انحناءة من رأسه، أدفأ من كل أحضان العرب.. هذا المنفى هو وطني بعد أن أصبحت (بلاد العرب أكفاني)!!!!.

* الأدب متعةٌ من متع الذات.. لكن ما الأدب، نسأل مع جوناثان كللر ndash; وما فائدته طالما بقي قاصراً عن القيام بدوره الاجتماعي والنهضوي؟ أغلب النصوص تفقد حساسيتها الاجتماعية وتعمّق القطيعة، وهي تقع في الهوة بين التاريخ الشخصي والتأزم النفسي والوجودي، أدواتها في إدارة الأزمة هي المجاز، والسخرية المقهورة، فضلاً عن تهويماتٍ إذا ما تُقرأ تعمّق الليل وتعرقل الأنوار. هل يرجع قول أننا في quot; زمن الرواية quot; إلى كون أن الشيء مختلف وناضج اجتماعياً بالنسبة للرواية؛ لأنها استطاعت أن تخلّص وتقدم نفسها بوصفها هي البطل الشفّاف والحساس تجاه القضايا، نظراً لحيوية العلاقة بين الرواية والتاريخ والكاتب الملتزم؟ أم أن للمقولة مرجعية تنتصر إلى جنس أدبي دون غيره؟
- القول بأن (الأدب متعة من متع الذات) قول مجازي أو ضبابي، ففي البداية لا بد من الاتفاق على معنى أو مضمون الحياة التي يراد أن يكون هذا الأدب تعبيرا عنها، فهل


أسماك قرش غزة لا تبحر في بحرها للدفاع عنها ولكنها تبحر في برها لأكل أولادها أطفالا وشبابا وشيوخا وللآسف كل سمكة منها تدعي أنها تأكل الآخرين من أجل إنقاذ الأغلبية
هناك مفهوم واحد موحد لهذه الحياة؟؟. هل من الممكن أن يكون مفهوم الحياة عند المواطن الإسكندينافي مثلا هو نفس مفهوم الحياة لدى المواطن العربي بشكل عام أو الفلسطيني بشكل خاص؟. فلنتصور هذه المفارقة المضحكة المبكية عندما نجد مواطنا نرويجيا أو سويديا ينتحر بسبب الفراغ الروحي الذي يعيشه بعد أن وفرت له دولته كافة الاحتياجات المعيشية من سكن وتعليم ودراسة وعلاج وضمان شيخوخة، بينما في فلسطين كمثال عربي ينتحر الفلسطيني لدحر الاحتلال أو للرد على جرائمه. من الطبيعي أن يكون الأدب تعبير عن لقطة من لقطات الحياة التي يعيشها المبدع، لأنه لا إبداع من فراغ حتى ما أطلقوا عليه الأدب السوريالي، كان أكثر واقعية من سوريالية الحياة في تلك المرحلة وهذه المرحلة التي يعيشها خاصة المواطن العربي في كافة أقطار العرب العاربة والمستعربة، فهل هناك سوريالية أكثر إضحاكا من حياة المواطن العربي حيث يعيش أوضاعا لا مثيل لها في كافة مراحل البشرية من العصر الجليدي وما قبله وما بعده إلى اليوم، حياة لا يستطيع أي مبدع أن يعبر عن كافة جوانبها المعاشة فعلا، وإن تجرأ مبدع لطرح بعض هذه الجوانب كما في رواية (عمارة يعقوبيان) للروائي المصري علاء الأسواني، قامت دنيا العرب ولم تقعد احتجاجا رغم أن ما اعتبروه خدشا للحياء العام، يمارسه مئات الآلاف من العرب، ولكن نحن شعوب (نخاف من الأقوال أكثر من الأفعال)، فلا مانع أن يكون لدينا الملايين التي تمارس الشذوذ الجنسي الذي يسمونه (اللواط)، ولكن من المعيب و الخادش للحياء أن يقدمه مبدع في عمل روائي.... لا مانع من الأعمال مهما كانت أما الأقوال التي تعبر عنها فهي ممنوعة.... لذلك ففي الوضع العربي لا يمكن الاحتكام إلى أي زمن سواء كان زمنا روائيا أم شعريا، فإذا كان المتنبي قد قال قبل مئات السنين (كم في مصر من المضحكات!!!!)، فعالم العرب اليوم كله مليء بالمضحكات (لكنه ضحك كالبكا)!! لا يستطيع أي نوع أدبي رواية أم شعرا أن يعبر عنه. فمن يتخيل أن هناك عرب في العديد من الأقطار العربية (أبا عن جد)، واسمهم (البدون) أي أنهم يعيشون بدون جنسية البلد الذي يعيشون فيه، بينما أنا اللاجىء المشرد الفلسطيني بعد حياتي أربعة سنوات في بلد اسمه النرويج جاءتني الجنسية في البريد دون أن أطالب بها!!!. العلاقة حيوية بين الرواية والتاريخ والكاتب الملتزم، إلا أنه مهما كانت درجة التزامه إلا أن غرائبية الحياة العربية لا يستطيع أن يعبر عنها أي جنس أدبي، وإن استطاع التعبير عن لقطة من لقطات تلك الحياة فمقص الرقيب يطال الرقبة فبل الورقة، من هنا نجد أن غالبية الإبداع العربي تهويمات حول المسألة قلة من يجرؤون على الولوج إلى عمقها، وهذا ما يجعل الحياة ومواطنها في واد والمبدع في واد آخر!!!.

* لكن، على الرغم من مكافأة أحد النقاد للرواية بمقولة أننا في quot; زمن الرواية quot;، إلا أن رصيد النقد يشهد تباطؤاً أمام إقبال النقد التنظيري والتخييلي والتطبيقي على الشعر؟ هل أن إقبال النقد على الشعر يمثّل القابلية العربية للشعر، وبالتالي تحيّزات النقد للطبيعة العربية، أم أن تمنّع الرواية على فحولة النقد، راجع لكونها تنتسب إلى مرونة وتصرّف حرّ. هل صحيح أن إقبالَ النقد على الرواية يتراوح بين الاندهاش والترحاب بطبيعة الآخر أكثر من كونه تقدّماً جوهرياً وإقامة جديدة؟
- في بنيان الثقافة العربية القائم وسط شعوب نسبة الأمية فيها لا تقل عن خمسة وستين بالمائة، لا تستطيع تطبيق مقولات النقد الغربي على هذا البنيان المضلل في شكله و مضمونه، مما يجعل من الصعب أو غير الدقيق أن تقول أننا في زمن الرواية أم الشعر... هذه أحكام مطاطية فنحن لسنا في زمن الشعر أو الرواية... نحن في زمن اللازمن.. كيف نكون في زمن الشعر أو الرواية وأشهر شاعر أو روائي عربي، يطبع من ديوانه أو روايته أربعة ألاف نسخة لثلاثمائة وعشرين مليونا من العرب، وتبقى هذه النسخ لما يزيد على عشرين عاما لا تنفذ من المكتبات!!. وهل هناك شاعر أو روائي إلا ما ندر، لا يدفع من جيبه الخاص لدار النشر كي تنشر كتابه؟. ومن نتائج ذلك أن النقد الأدبي نفسه ساهم ويسهم في هذا التضليل، فهناك سمات معينة أصبحت علامة تجارية للنقد الأدبي العربي: أولا / النقد التنظيري للشعر أم الرواية الذي يعتمد على نقل ما أمكن من نظريات ومقولات النقد الغربي الجاهزة بسياق و دون سياق، ليستعرض الناقد ثقافته، فإذا مقالته أو دراسته مجرد استعراض لا تقيم جسرا بين القارئ والمبدع كما هي وظيفة النقد، وفي تجارب سابقة قمت بنقل مقاطع طويلة من دراسة لعمل أدبي، ووضعتها في وسط دراسة أخرى لناقد آخر لعمل مغاير في النوع ولكاتب آخر، وعرضتها على زملاء متخصصين فأعجبوا ببراعة هذا الناقد الذي لم يعرفوا اسمه ولم يكتشفوا أنها مقالة مركبة ومنقولة من عمل إلى عمل آخر. ثانيا / يعتمد النقد العربي في غالبيته على العلاقات الشخصية، فإذا كان المبدع واسع العلاقات، سخيا في أمور كثيرة، كثرت المقالات النقدية عن أعماله التي تستحق و لا تستحق، ويصبح قبلة للنقد والنقاد إذا كان في مركز مؤثر يمكنه من توجيه الدعوات المدفوعة، أو التوصية بطبع الكتب أو ما يشبه ذلك... وكأمثلة فقط أي احترام لنقد يقيم ندوات علنية مبثوثة على الفضائيات لكتابة تافهة سميت مجموعة قصصية للعقيد القذافي قائد الجماهيرية العربية الشعبية الديمقراطية الليبية العظمى، ويشارك فيها أساتذة ونقاد جامعيون محترفون، هل كان ذلك لوجه النقد أم من أجل ما تم دفعه؟؟. في حين أن روائيا مبدعا مميزا هو الروائي الفلسطيني (حسن حميد) المقيم في دمشق، لم يحظ بدراسات وكتابات في مستوى وقيمة أعماله الروائية المميزة خاصة (جسر بنات يعقوب) و (أنين القصب) و (الونّاس عطية). والعلاقات الشخصية الخاصة بإبداع المرأة العربية، تتخذ ألوانا وتنويعات مغايرة لدى النقاد العرب، تلعب فيها العلاقات الدافئة دورها في تقديم بعض الأسماء النكرة إبداعيا، وتجاهل أسماء مبدعة حقا لا تجيد فنون العلاقات الدافئة. وهناك دور نشر تدفع باتفاق لمن يكتب عن عمل شعري أو روائي لترويجه في وسط القراء!!. كنتيجة، نحتاج إلى جهد كبير وصولا لنقد أدبي موضوعي محايد، وهذا لا يعني أن غالبية النقد والنقاد ضمن الدوائر السابقة، فهناك نقاد رغم قلتهم المعيار عندهم هو جودة العمل الأدبي بغض النظر عن كاتبه ومركزه وجنسه.

*على الرغم من الانحلال والتفسخ والخلل الذي ساد الحياة السياسية والاجتماعية في عصر الدولة العباسية؛ إلا أن الحياة الثقافية والفكرية امتازت بانتعاشها و بعلو كعبها واحتفاظها بشرف المستوى.. إلى درجة وصل الأمر بالفارابي، أكثر الفلاسفة تنوّرا وانشقاقاً، ربطه النبوة بالأحلام معتبراً أن مصدرَها القوة المتخيلة في الإنسان.. ونذكر ردّ الغزالي عليه بكتابه الشهير quot; تهافت الفلاسفة quot;.. الشاهد: كانت حركة فكرية رائدة ! ولكن على خلاف ذلك نحن نرى، الآن، التأزّم يلحق بكافة صعد الحياة العربية. إزاء فداحة هذه المفارقة: ما هي حلولنا، إذاً، لرفع الكفاءة والصورة المشرّفة؟
- أوضاع الحياة الثقافية والسياسية العربية في مختلف عصورها، تبدو أحيانا غريبة التناقض وكأنها مستعصية على التحليل والتفسير. في عصر الدولة العباسية مثلا يبدو أن الحكام خلفاءا كانوا أم سلاطين، كانوا مشغولين بالبذخ والجواري ومؤامرات السلطة والحفاظ عليها، من خلال انقلاب الابن على أبيه أو قتل الأخ لأخيه، ولا يهمهم تنظيرات الكتاب والفلاسفة طالما هم بعيدون عن الصراع على السلطة ودعم طرف ضد آخر... كما أن الحياة العربية كانت أقرب زمنيا لمنابع الإسلام البعيد عن التدخل في كافة أمور حياة الإنسان كما هو في عصرنا الحاضر ومنذ العقود الأربعة الماضية. كان الحكام والسلاطين مشغولين بالترف والسلطة وهذا ترك فضاءا واسعا من الحرية الفكرية التي أنتجت أمثال الفارابي.. وفي زمن لاحق سمح ذلك الفضاء لشهاب الدين أحمد التيفاشي بكتابة ونشر كتابه (نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب) والشيخ النفراوي كتابه (الروض العاطر في نزهة الخاطر)، وكلاهما عن الحياة الجنسية عند العرب وبشكل مكشوف، لا تجده اليوم حتى في مجلات مثل (بلاي بوي)، دون أن يهاجمهما أو يكفرهما أحد... فمن يصدق ويتجرأ اليوم على ذكر عناوين بعض فصول كتاب الشيخ النفراوي، مثل: (في كيفية الجماع)، (في أسماء إيور الرجال)، (في أسماء فروج النساء)، و (في إيور الحيوان)، بينما في عصرنا المظلم هذا تمنع رواية (أولاد حاراتنا) لنجيب محفوظ، وتحرق رواية (وليمة لأعشاب البحر) لحيدر حيدر، ويغتال فرج فودة، و محاولة اغتيال نجيب محفوظ قبل موته الرباني، ويهرب نصر حامد أبو زيد إلى هولندا، ويتوقف سيد القمني عن الكتابة خوفا من الموت على يد الظلاميين، وهناك قبل سنوات من رفضوا الصلاة على جثمان نزار قباني! ويستمر صعود التيار المتمسح بالإسلام وسط فتاوي و فتاوي مضادة نكدت حياة البشر ن فما عادوا يعرفون من يتبعون ومن هو الصحيح.. فتوى تؤثم من يدعو لحزب الله بالنصر.. فتاوي تكفر الشيعة وتدعو لقتلهم وسحقهم.. فتاوي تدعو لترك عادة الجلوس على الكراسي لأن الجن والشياطين يدخلون لفخذي المرأة وهي جالسة على الكرسي وينكحونها بشكل تشعر معه فعلا بمن مارس معها الجنس وتشعر بالنشوة وتجد السوائل المنوية في وعلى فرجها.. وفتاوي تحرم الدروس الخصوصية.. وفتاوي تفرض الجلد على من لا يطيل لحيته.. وفتاوي تحرم التماثيل والصور..... وهكذا ما عاد في حياة الإنسان حلالا سوى الدشداشة القصيرة واللحية الطويلة والحلم ليلا نهارا بالحور العين في الجنة اللواتي كلما نكحهن المؤمن عدّن عذراوات، ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلا في النكاح كي يتمكن من مضاجعة تللك الحوريات المختلف على عددهن، وهل هن سبعين لكل مؤمن أم سبعة وسبعين، دون تحديد هل ستكون زوجته وأم عياله في الدنيا من ضمن حواريه أم حورية لمؤمن آخر يتمتع بمضاجعتها ونكاحها!!!. لذلك لا خروج للعربي اليوم من هذا الظلام الذي يضعه في نهاية قطار الحضارة العالمية ويعيش على نتاجات الغرب الكافر الملحد منها، إلا برفع يد و وصاية رجال الدين عن حياتنا، ليصبح الدين علاقة روحية بين الإنسان و خالقه، فالله تعالى أدرى بعباده (يضل من يشاء و يهدي من يشاء) (لكم دينكم ولي دين)، فلا وصاية لأحد على البشر ولا وساطة لأحد بين الإنسان وربه.

* هناك مؤاخذة، لا بل إدانة لمن يدافعون عن الإسلام وظهورهم محمية بالايدولوجيا، إنهم ضارّوه الجدد، إذ يطلقون من إطار جامد مبادراتِهم التكفيرية. جمود عقل الإسلام الحالي لا ينتسب لمقولات الإسلام كدين ورسالة إنسانية قدر ما ينم عن جمود وتمترس ضد المرونة، وعدم نضوج ولا كفاءة مرجعيات وآليات الدفاع عن الإسلام. لذا وقعنا ضحية هذا الخلط والالتباس العظيم، وبالتالي وقع الاشتباك والانفجار والانشقاق. كيف نساعد أنفسنا لنتخلصّ من رواسب الوعي الأيدلوجي، ونحن المشبعون والمخدوعون بمنظومة الأفكار الاشتراكية النقلية لا العقلية. نحتاج أن نسلم (والمسلم من سلم المسلم من لسانه ويده) من أدلجة الإسلام. أليس من الخطأ الأخلاقي وعطالة الوعي أن تعيد التحولات إنتاج الإسلام بوصفه ندّا للذين شيدوا أيدلوجيات تخصهم. لقد ألحقنا الضرر بأنفسنا كمسلمين، وبتنا بحاجة لمن يكون منا، أو ليس منا، ليُحْرِجنا من جديدٍ - بمنطلقاته العقلية لا النقلية ولا العاطفية - وهو يدافع عن الإسلام، مثل: رُوجي جارودي وإدوارد سعيد، دونما اللجوء للتحزّب والأدلجة؟ أريدك أن تناقشتي بهذا الشأن؟
- هذا السؤال مرتبط بإجابة السؤال الذي سبقه فالجمود سببه هو أن من يسمون شيوخ الدين وفقهائه في زمننا، نصبوا أنفسهم أوصياءا على الإسلام والمسلمين دون أن نعرف من له الحق و من لا... فمثلا لا بد من الاعتراف الجريء أنهم يضعوننا أمام أكثر من إسلام... فمن هو المسلم عندما يكفر السني الشيعي ويكفر الشيعي السني... المسألة لا علاقة لها بمنظومة الأفكار النقلية أو العقلية، المسألة في أساسها هي الوصاية سواء كان الوصي يؤمن بالأفكار النقلية أو العقلية، فمجرد الوصاية يعني إلغاء الآخر، وبدون تصارع الأفكار في فضاءات واسعة من الحرية لن نصل إلى الصحيح... الإسلام كدين لا يحتاج لأوصياء ولا لمدافعين عنه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)... فيما عدا فروض الدين الأساسية، يمكن مناقشة كل مسائل حياة المسلم. فمثلا ما الموقف من المشاركين في معركة الجمل التي قادها خلفاء وأمهات مؤمنين مبشرون بالجنة على ضوء حديث الرسول (ص): عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) قلت: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (إنه كان حريصا على قتل صاحبه)متفق عليه. ومن الخطأ في رأيي وضع الدين إسلاميا أو مسيحيا في مواجهة مع الإيديولوجيات الوضعية رأسمالية أم اشتراكية أم عولمة معاصرة، فكتب الدين كتب في الأخلاق والهداية البشرية... (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) هكذا قدم الرسول (ص) نفسه، ولم يقل (بعثت لأتمم اكتشافات العلم)، من هنا يسيئون للإسلام الذين يتنطحون لما أسموه (الإعجاز العلمي في القرآن)، إذ ينتظرون أي اكتشاف يعلن عنه الكفار الملحدون ليبحثوا عن آية في القرآن الكريم لتفسيره.. والسؤال المهم: ما دام الأمر كذلك... فلماذا لم تتنبأوا مسبقا بهذه الاكتشافات والاختراعات العلمية وتدلوا علماءا مسلمين على السبق بها وباكتشافها؟؟. إتركوا الدين لخالقه فهو أدرى بعباده.. من حقكم النصح والإرشاد ولكن بعيدا عن الوصاية التي وضعت التكفير محل التفكير.. وبالتالي ماذا أبقيتم للخالق تعالى؟؟.

* بعد عناء ومشقة استطاع العجوز (سنتاجو) بطل رواية أرنست هيمنغواي: quot;العجوز والبحرquot;، أن يصطاد السمكة العظيمة، ولكن ما لبث أن فرح بصنيعه حتى أحاطت به أسماك القرش مقبلةً على تهش لحم السمكة؛ إلى أن تحولت السمكة هيكلاً عظمياً ! عند الاستعانة بالزحزحة والتأويل، نود الحديث عن سمكة العجوز (عرفات = عباس)، وسمكة (مشعل = هنية)، تمشياً مع الادعاء البطولي لكلا الحركتين في الرواية الفلسطينية، وكذلك عن أسماك القرش بما هي أطراف داخلية وخارجية تعمل في بحر التجربة الفلسطينية؟ وبهذه المناسبة، والشيء بالشيء يذكر، نذكر قصيدة لنزار قباني بعنوان (المهرولون) جاء فيها: (تركوا علبة سردين بأيدينا تسمى (غزة) عظمة يابسة تدعى (أريحا) فندقا يدعى فلسطين، بلا سقف ولا أعمدة، تركونا جسدا دون عظام، ويدا دون أصابع)!
- أخي... لو بعث خمسون أرنست هيمنغواي لما استطاعوا التعبير الروائي أو السردي المباشر عن السمكة الفلسطينية التي تحول كبار أبنائها إلى أسماك قرش أعتى وأقسى من سمكة قرش العجوز والبحر... أسماك قرش غزة لا تبحر في بحرها للدفاع عنها ولكنها تبحر في برها لأكل أولادها أطفالا وشبابا وشيوخا وللآسف كل سمكة منها تدعي أنها تأكل الآخرين من أجل إنقاذ الأغلبية، ولكن الحقيقة الهيمنغوائية أنهم جميعا عباسيون وهنيون فتحاويون وحماسيون يأكلون فقط للشبع والوصول إلى مزيد من الأسماك الصغيرة التي هي هذا الشعب الغلبان المفجوع بأسماكه المفترسة أكثر من أسماك قرش الاحتلال... كنت أشعر بالخجل منك لأنني تأخرت في الإجابة على أسئلتك.. ولكن أحداث وصراع أسماك القرش العباسية والهنية الأسابيع الأخيرة جعلني أشعر بمدى أهمية تأخري في الإجابة، كي أقول أية سمكة قرش تقتل ثلاثة من أطفالها كما قتل المجرمون ثلاثة من أطفال غزة وهم في طريقهم للمدرسة للعلم للأمل للمستقبل.. ثم جاءت محاولات القتل والاغتيالات.. بما فيها محاولة اغتيال سمكة القرش الهنية و اتهام السمكة الدحلانية، وإذا بكل أسماك القرش تخرج من بحارها وشعارها جميعا: أنا أو الموت لي ولغيري.... تأملنا أننا امسكنا سمكة اسمها غزة ستقودنا إلى حوت اسمه دولة فلسطينية، فإذا أسماك قرش هيمنغواي تتربص بنا، مما جعل غالبية أسماك السردين تصرخ وتستغيث.. و. هل هناك مسخرة أكثر من ذلك عندما ترى سمكة قرش قدومية تقول منذ أيام قليلة: أن الحل هو استدعاء قوات دولية لفض الاشتباك بين أسماك القرش المتصارعة... و أنا كسمكة سردين مهروسة مدهوسة أقول: لا... وألف لا... الحل هو عودة الاحتلال فهو أشرف منكم، لأن أية جريمة تأتي منه فهو احتلال... (وظلم ذوي القربى أشد مرارة)!!!!.


Naser_j79@hotmail.com