حوار مع رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان

المقابلة أجريتْ مِن قِبل جون ثيرنيل، بيجي هولينر، ومارتن آرنولد في باريس ونشرت في جريدة الفايننشال تايمز 6 فبراير 2007. ترجمة: د. إسماعيل نوري الربيعي


إف تي: في الـ 25 من شهر مارس، تمر الذكرى الخمسون لمعاهدة روما، ماذا قيض للإتحاد الأوربي أن ينجزه خلال الخمسين سنة الماضية، وكيف تنظرون إلى المستقبل؟
دوفيلبان: لانجاز الأكبر لأوربا قد مثل في السلام، هذا الذي راح يتبدى من البديهيات في الحياة الأوربية. ومن دون شك، فإن هذا قد فتح لنا آفاقا جديدة للنظر والتفاعل مع التاريخ. ولكن علينا أن لا ننسى أن التاريخ الأوربي قد عانى من الحروب والاقتتال الطويل والمذابح، حتى قيض لنا أن نغير من هذه الصفحة وبشكل حاسم. والذي تم تحقيقه بناء على الجرأة والشجاعة التي تمتع بها الآباء المؤسسون، والحماس الطاغي الذي برز من لدن الزعامات والشعب الأوربي، في سبيل كتابة تلك الصفحة الجديدة. الأمر هنا لم يكن مفيدا لأوربا بوصفها منطقة فقط، بقدر ما برزت الأهمية لمضمون السلام. هذا بالإضافة إلى حالة الازدهار التي جاءت بعد الحرب، والجهود الإبداعية التي تصدت لها المزيد من المؤسسات، وبمباركة مجموعة من الدول التي قدمت المثل العالي والنبيل على ذلك. وبالقدر الذي نال أوربا الازدهار، فإن التحديات بالمقابل لابد لها أن تنمو، و لاسيما على صعيد النمو،، تلك التي يمكن لي أن أدعوها بالتحديات المتعاقبة، حيث المستقبل كفيل بأن يجعل منا نخوض غمار مواجهة المشاكل الجديدة.
الأزمة الأولى يمكن وصفها بالمؤسساتية، وهذا ما يتبدى مع ال 27 عضوا، حيث القرارات التي تجد صعوبات جمة في التعريف، أو على صعيد المدى الزمني في الوصول إلى القرار. أما الأزمة الثانية فترتبط بالمشاريع، حيث الصعوبة الناشئة في تحديد قيمة أوربا من قبل مواطنيها، لا سيما على صعيد الإمكانية المتاحة لأولئك المواطنين من الفخر بما أنجزته أوربا، أما الأزمة الثالثة فإنها تتجلى في طموح أوربا، والذي بات يقف على مفترق الطرق، إن كان على صعيد السوق الموحد الكبير، أم أن الأمر يرتبط بطموح سياسي حقيقي.
هذه الأسئلة والتي أرى أهمية تقديم الإجابات السريعة لها، أراها في في الطموحات القوية التي تتجسد في العضوين الجديدين؛ رومانيا وبلغاريا، وأنا في كل مرة أسافر إلى الخارج، في الشرق الأوسط، آسيا أو أمريكا اللاتينية، في كل مكان، أرى صورة أوربا القوية التي يراها الآخرون فيها، باعتبارها ضرورة من أجل خلق التوازن الدولي.
نحن الآن في موقف محوري للعالم، نحن بين عالمين، لسنا في عالم أحادي القطب، هذا بحساب أن الولايات المتحدة لا تملك القوة والقدرة على تنظيم العالم لوحدها. و لا يمكن الادعاء بأننا قادرون على ذلك. نحن بين الحالين. في عالم متعدد الأقطاب لابد أن تبرز لأخذ زمام المسؤولية أكثر من قوة، فأوربا والولايات المتحدة لابد أن تتحدا من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وها نحن نعيش حالة من التوسط بين الحالين في تاريخ كوكبنا.
أنا اقترح ثلاثة طرق للعمل، الأول ويقوم على وضع الأساس لإصلاح المؤسسات، تلك التي عليها النهوض باتخاذ القرارات. وهذا ما يدعونا للتفكير الجاد بتوسيع مجال التصويت، وتحديد مسؤوليات رئاسة المجلس الأوربي ووزير خارجيته، هذا بتقديري أمر ضروري من أجل توكيد دور أوربا على الصعيدين الداخلي والدولي.
الاقتراح الثاني ويقم على أننا بحاجة إلى معاهدة جديدة، والواقع أن هذا ينطوي على خيارين، واحد منهما يقوم للاكتفاء بما لدينا والعمل على تطويره، أو نعمل كما نوقش في مدريد مؤخرا من قبل البلدان الـ 18 من أجل تصديق المعاهدة، والذي يقوم على احترام البنود الرئيسة للمعاهدة والسعي إلى تحسين النص، وهذا في تقديري يعد أفضل الحلول، وعلينا منح المعاهدة إمكانية حقيقية يكون لها الدور الاجتماعي، وبما يلامس قلق مواطنينا.
الاقتراح الثالث أراه يقوم على أهمية توجه أوربا نحو الإسراع في تنفيذ المشاريع، فالمواطن الأوربي بات بحاجة إلى أن يستشعر بقيمة المنجزات في الطاقة والتعليم، ومن واقع بحث الأولويات، فإن السؤال الأهم يتبدى حول موضوع السياسة المشتركة للطاقة، وأهمية أن يكون لنا ممثلا يقوم على مسؤولية مصالحنا في هذا المجال. وأهمية أن يكون لكل طالب من بلوغ غايته الدراسية في الجامعات الأوربية، وماذا عن القرض الأوربي حول مسألة البحث العلمي، وبهذا فإنه يمكن لأوربا أن تعود إلى مكانتها الكاملة في العالم، حيث الدعم للنموذج والقيم. والواقع أن أوربا قد أخذت مركز الصدارة في المواجهات، لا سيما على صعيد البيئة، فقد كنا أول من أطلق عملية كابوتو، ونحن أيضا لنا دورنا على صعيد العدالة الدولية، ومن واقع حرصنا على العدالة والسلام والبيئة، فإن علينا أن نتوجه نحو المستقبل بثقة، من أجل الحظوة بالاعتراف.

إف تي: ما هي مسؤولية فرنسا، بإزاء الأزمة الحاضرة في أوربا؟
فيليبان: فرنسا إحدى البلدان التي قالت (( لا))، البلدان الأخرى لو طالبوا باستفتاء عام، لكانوا قالوا (( لا )) من دون شك بطريقة ما. عمل فرنسا كمحفز، نحن أصبحا محفزا حيث الاستمرار في طرح الأسئلة، ولو كان الأمر يقوم على الفعالية الميكانيكية من أجل التقدم، فإن ملامح الخطر كان يمكن أن تبرز في انشقاق على مستوى العب الأوربي. باعتقادي أن الصوت الفرنسي كان يمثل تحذيرا، والحديث عن أوربا يقوم عن أي أوربا نريد، لايمكن بناء أوربا من الخارج، البناء التقني والقانوني لا يمكن له أن يتبدى اصطناعيا، فهذا قد يودي بها أن تكون سوقا بسيطة.
لدينا الفرصة لإعادة أوربا في مسارها الصحيح والسليم، أن نعيدها إلى موقهعا في العالم، والذي اعتقده في القمة. وهي لديها دور رئيس للعبه على مستوى الضمير الدولي، والذي يجعل من أوربا قادرة على خوض المغامرة السياسية والتاريخية الأكبر في هذا القرن وربما في القرن اللاحق. ، علينا أن نعمل شيئا جديدا يتناسب واحترام الأمم والناس، يقوم على الحكم الجديد، والطموح الجديد. و المشكلات التي لانستطيع حلها بمفردنا، يمكن أن يتشارك فيها الألمان، الفرنسيون، الدانماركيون، الإيطاليون، الإننكليز، في مجالات ؛ البيئة والسلام والعدالة والأمن والهجرة، هذا يستدعي الحماس ويحتاج إلى الإخلاص لبلوغ مثل هذا الطموح.
الخطر الذي يمكن أن يواجه أوربا يتمثل فقدان الروح والطموح، بتقديري إن عبقرية أوربا تقوم على (( الاستياء الخلاق))، نحن لسنا راضون كليا، ونعتقد دائما أننا يمكن أن نفعل الأحسن، نحن قارة قامت ثقافتها على الشك والمثالية، نحن نعمل دائما وفق المذهب الخلاصي، حيث مسؤولية أوربا نحو مبادئها مثلها القائمة على خدمة الناس.
خصوصاً في المجالِ الاجتماعي وبالمشاريعِ الملموسةِ. لأن هذه تَعطي مصداقيةَ إلى أوروبا. أعتقد الرئاسة الألمانية فرصةُ لوَضْع كُلّ هذا على المنضدةِ. مِنْ هناك، نحن يَجِبُ أَنْ نَختارَ واحد أَو خيارَ آخرَ.

إف تي: لماذا يعتقد الشعب الفرنسي بأنه الخاسر في العولمة؟
دوفيلبان:إنه الشعور بأن العالم يتغير بسرعة، اليوم يحدث لدينا تعجيل في التبادلات، وتعديل في ميزان القوى، حيث برزت على صعيد المسرح الدولي قوى جديدة، ومن هذا علينا الدفاع عن وظائفنا ونمونا ونشاطنا، في الوقت الذي تأتي فيه العولمة من أجل إخضاعنا. والرؤية التي تأتي لتوحي بأن هذه العملية عصية على التوقف، في الوقت الذي راحت المزيد من القوى في العالم تسعى نحو تحسين كفاءتها في التقنيات والمنتجات الجديدة. وعلينا أن ندافع عن نموذجنا الاقتصادي، وعلينا أن نكون في زخم المنافسة وتجديد صناعتنا، والشعب الفرنسي يدرك جيدا، بأن لدينا المزيد من المصادر التي تؤهلنا، أن نتزعم العالم في العديد من القطاعات، في النفط والكهرباء، والخدمات مثل الخطوط الجوية الفرنسية، أو شركات صناعة السيارات. والفرنسيون يعون جيدا أن أوربا أرادت أن تنفتح على العالم من دون أن تجعل من مصالحها في المقدمة.

إف تي: ما الذي يجب عمله في العراق؟
دو فيلبان: على الصعيد الدولي نواجه لحظة مهمة جدا، فعالم اليوم ليس أحادي القطب، ولا هو بما فيه الكفاية متعدد الأقطاب، هذا لأننا لا نملك الوسائل التي تؤهلنا لتأسيس حكم عالمي حقيقي، يجعل من العمل الدولي في خدمة السلام والعدالة والتطوير. أنا أفكر بالولايات المتحدة وكيف أنها لا تستطيع أن تؤدي الدور لوحدها، أما عن ضمانة فكرة الحكم العالمي من أجل مصلحة الكوكب فهذا أمر لا يمكن للأمريكان ضمانته.
الوضع في العراق يعكس تشخيصا شديد القسوة، فأكثر من 3000 آلاف جندي أمريكي قتل منذ 2003، فيما قتل من العراقيين 12000 ألف مدني خلال العام 2006، فيما تستمر الهجمات على المدنيين، والسؤال القائم، كيف يمكن إيقاف هذه الدوامة. أعتقد أنه من الهم جدا أن نتطلع للعمل سوية نحو مرحلة جديدة، قلت شخصيا في 2003 وبذات القوة مع الرئيس شيراك، أن الحل العسكري في العراق لن يؤدي إلى نتيجة، قلنا هذا في 2003، وهاهو يتبدى حقيقة في 2007.
وها نحن نشهد نقاشات مطولة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حول الخروج من هذا الحال، والجواب لابد أن يقوم على التدرج والعالمية. علينا أن نتصرف بناء على مستوى كي نكون فعالين، المستوى الأول يجب أن يكون بالتعبئة الداخلية في العراق، حيث السعي نحو المصالحة الوطنية، كل شخص عليه أن يتوجه لتحسين الوضع في العراق. فيما تكون المرحلة الثانية على الصعيد الإقليمي والتي لابد أن تقوم على أهمية وعي الجميع بأهمية استقرار العراق من أجل مصالحهم. وهذا ما يستدعي حوارا مع دول الجوار، مع أهمية خلق الشروط التي تجعل لهذ1ه البلدان مصلحة وعناية بسلام العراق، هذا مع العلم أن البعض منها لديها دوافع خفية من حالة عدم الاستقرار، ولذا لابد من وضع الأهداف المشتركة والواضحة. العملية الثالثة لابد لها أن تقوم على المستوى الدولي، فتحسن الوضع في العراق يرتبط بأهمية وضع أفق لمغادرة القوات الأجنبية منه، وعودة السيادة الكاملة له. وهذا لابد أن يتم ذكره بشكل واضح وبمراحل محددة، بلوغا إلى الانسحاب النهائي. والحديث عن أي حل دبلوماسي لا بد أن يرتبط بجدول محدد، إذ لا يمكن الحديث عن حلول، وسط حالة عدم التضامن الذي يسود واقع المجموعة الدولية حاليا.
تغيير الوضع في العراق سينعكس على واقع المجموعة الدولية والولايات المتحدة،، وهذا أمر ليس بالخيالي ولا هو بالتبسيطي، فالجميع يمكنه أن يدرك مدى الدمار والإرهاب الذي يواجهه العراق، وخطر الحرب الأهلية وحالة التشابك التي راحت تنتشر في العالم حول الصراع السني الشيعي، وأعتقد أنه من الضروري أن نعمل جادين على تفادي أزمة العراق.
هناك أصوات قادرة على تقديم الإرشاد لتحسين الحالة، لكن هذا يجب أن يتم عن طريق الإدراك بوضع تاريخ محدد لانسحاب القوات الأجنبية، وهذا هو المبدأ الأساسي للعالم اليوم، حيث احترام الهوية والسيادة، وإذا قدر لنا أن نبدأ هناك فإنه لابد من البحث في المصالحة الوطنية الحقيقية، وعقد حوار إقليمي حقيقي، ومؤتمر دولي من أجل العراق، من أجل أن نعيد حركة الأشياء على القضبان، ولكن طالما هناك قلق وشكوك حول سيادة العراقlsquo; فإن دوامة العنف ستبقى حاضرة، وسيتواصل التدهور. لا بد لنا أن نعي بأن منظومة العلاقات الدولية شبكة معقدة، وتحليل السياسة الخارجية لابد أن ينأى عن الفهم الأيديولوجي، وعلى الآخرين أن يعترفوا بالهوية والسيادة الوطنية بوصفها عناصر ضرورية، لذا فإن الموجه الأقوى لعدم الاستقرار في العراق، إنما ينطوي على هذا الحضور الأجنبي، والذي يمثل حجارة التأسيس في الأزمة.

إف تي: لكن ماذا عن نتائج انسحاب القوات الأجنبية؟
فيلبان: أنا لا أقول أن على القوات الأجنبية أن تغادر غدا. ، أنا أقول بأننا نحتاج إلى جدول زمني يحدد خروج القوات، والعمل على تحديد جدول دولي وإقليمي ووطني، وبقاء القوات البريطانية والأمريكية لسنة واحدة في العراق، لن ينجم عنه سوى الوفيات والأزمات الأكثر. ، والسؤال لماذا ؟ لأن البعض يسعى إلى تكريس الأزمة، بل أن هناك الكثير من الناس من لا يرغب بحل الأزمة في المنطقة، فجميع قوات الإرهاب، وجميع من يسعى إلى اللعب على المواجهة بين الناس، كل هؤلاء يستفيدون من عد الاستقرار الإقليمي، والذي لا يرغب بوضع حل لمشكلة الشرق الأوسط.
عليك ألا تتفاءل بسذاجة، فهناك صراع على السلطة وهناك استراتيجيات، وإذا أريد لنا بلوغ سلام في الشرق الأوسط، فعلينا أن نبدأ من الحقيقة، تلك التي تشير إلى وجود أمر خاطئ في العراق، هناك رموز أقوى من أي شيء آخر، فالوجود العسكري ينظر إليه بعدم الشرعية من قبل العراقيين، ولذلك علينا تغيير الأشياء، علينا أن نبدأ منه ولا ننتهي به. أما عن الفكرة القائلة بأن القوات الأجنبية ستترك العراق متى ما حقق الديمقراطية، فهذا أمر سخيف ولن يحدث بالمرة. ، على القوات الأجنبية مغادرة العراق، وبعدها سنتأكد من تحسن الأوضاع.

إف تي: هل تخشى أن تتم إعادة أزمة العراق على إيران؟
فيلبان: أنا قلق جدا على إيران والمجموعة الدولية تفتقر لوضع الحلول، هناك خلط لقضيتين في إيران، الأولى تتعلق بالإنتشار النووي، والتي أريد هنا أن أكون واضحا، إلى أن القدرة العسكرية النووية غير مقبولة. إيران عليها أن تحترم ارتباطاتها الدولية وبشكل خاص معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ، وعليها أن تعلق نشاطاتها الحساسة بالتوافق مع طلبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية. القضية الثانية تتمثل في رغبة إيران في تعزيز قوتها الإقليمية والمفاخرة بأمنها الوطني. وعلينا أن نأخذ بالحسبان هذا العامل إذا أريد لنا انجاز تسوية سياسية لهذه الأزمة، والتي يجب أن يستثنى فيها الخيار العسكري. هذا يعني باننا يجب أن نفهم إيران بأن عليها أن تعي أنها ستخسر من جار تواصل برنامج التخيب والذي يمثل قلقا للمجموعة الدولية. وعليها احترام التزاماتها الدولية وهذا سيمنحها الكثير من المكاسب بدلا من الفقد. ومن جانبنا فإن مسؤوليتنا تنطوي على الحوار والحزم، وأعتقد أن الولايات المتحدة وأوربا يمكنهما أن يذهبا بعيدا في الحوار والاقتراحات.