حين تواجه قنينة quot;السبرايquot; أضخم الحملات
إعتداءات متنقلة على الإعلانات الإنتخابية في لبنان
عصام سحمراني من بيروت: تغطي الصور والإعلانات الإنتخابية كل زاوية فتحجب لون السماء عن الناظر إليها، وتنتشر بكثافة توازي أسفلت الطرقات وجدران المباني. تزف للبنانيين يومًا واحدًا من الإنتخابات لم يجربوه من قبل يفصل بين ما قبله وما بعده، ويمتد المشهد إلى خارج حدود الوطن يعطي بعدًا إقليميًا في وسائل الإعلام العربية والأجنبية.
ومعركة الصور والإعلانات الإنتخابية لا تتوقف عند حدود رفعها وإلصاقها واحتلال الساحات والمساحات بها. فهي تمتد إلى أمر آخر يشهد نشاطًا مختلفًا تؤكده كافة الأطراف في اتهاماتها للخصوم على مدار الأشهر القليلة الماضية. إتهامات بالإعتداءات المتكررة على اللوحات الخاصة بها، حرقًا وتمزيقًا وتشويهًا وإزالة.
ليس غريبًا أنّ الإتهامات تترافق دائما مع إنكار المتهَّم، لكن الإنكار لا يلغي أبدًا أنّ الأمر حاصل ومشهود له في بيروت والمناطق الأخرى حيث كانت جولتنا.
![]() |
![]() |
![]() |
ناشط
الصدفة وحدها تقودني إلى من سنطلق عليه اسم quot;فاديquot; وهو يمارس نشاطه باحتراف واضح. الساعة الآن العاشرة مساء على إحدى الطرقات السريعة المؤدية إلى خارج بيروت، والمرشحون والعاملون في حملاتهم يتدافعون على إستديوهات التلفزيونات والإذاعات ليزيدوا من حدة المعركة الإنتخابية. أما مؤيدوهم فيتجمهرون حول الشاشات والإذاعات يكبر حماسهم وتنتفخ عروقهم.
فادي لم يكن بين كلّ أولئك حين أفزعه صوتي صارخا عليه وأنا على دراجتي النارية quot;شو عم تعمل!!؟quot;. كان يرشّ من عبوة quot;سبرايquot; من اللون الأسود في يده صورة تجمع أعضاء كتلة مرشحين كاملة ويخص أحد أعضاء هذه الكتلة بتركيز كامل يظهر بقعة سوداء مكان رأسه. كوّم نفسه وتهيأ لإطلاق قدميه لكنه تراجع حين سمعني أقول له مطمئنا: quot;برافو عليكquot; وعرضت عليه توصيلة قبلَها وهو في هذا المكان الذي حطّ فيه بالطريقة نفسه.
![]() |
فادي لا يحق له بالتصويت فهو دون السن المطلوب لكنه يؤكد على أن طريقته مجدية quot;أكثر من ألف صوتquot;. يتنقل بين المناطق القريبة من حيّه quot;الآمنةquot; كما يسميها وquot;يلتذّquot; بتشويه لوحات الفريق الذي يعاديه ويكرهه. يخبرني أنه حتى الآن تمكن من استخدام قنينة السبراي على 4 لوحات عملاقة واكثر من 10 صور بالإضافة إلى تمزيقه للعديد من الصور الأخرى.
فادي يعتبر أنّه يقوم بالتعبير عن رأيه من خلال ذلك، ويؤكد أنه ليس مدفوعا من أحد أبدا وكل ما في الأمر أنه يطلق رغبة في نفسه. يرفض مجرد التفكير في إمكانية أن يقوم طرف آخر يشبهه بالإعتداء على صور ولوحات فريقه الخاص ويطلق شتيمة تشير إلى أنهم جبناء quot;لا يتجرأون على ذلكquot;.
لكن فادي يعترف أنه ليس على قدر كبير من الإقدام كي يدخل إلى أحد الأحياء الخاصة بمن يعادي لكي يعتدي على لائحة لهم هناك كما فعل أحد أصحابه الذي مزق صورة quot;لكبيرهم في (...)quot; يسمي لي أحد المعاقل الرئيسة في لبنان.
ينزل فادي ويطلق أمامي تحديًا أنه سيعمل على تشويه quot;كل صورهم قبل يوم الإنتخاباتquot; ويبتلعه أحد الأزقة فورًا.
خريطة إعتداءات
في اليوم اللاحق للقائي بفادي رأيت إنجازات له ممهورة بـquot;طساسة السبرايquot; خاصته، لكنني لاحظت وإلتقطت صورًا تثبت أنه ليس الوحيد الناشط بل سبقه ولحقه الكثيرون ببركة اختلاف الألوان والطرق.
على الخط الساحلي في الجية أكثر من لوحة ممزقة للتيار الوطني الحر، وكذلك لوحة عملاقة للغاية للقوات اللبنانية مزقت بشكل شبه كامل قرب الدامور.
طريق المطار القديمة تشهد أكثر من 5 اعتداءات على لوحات quot;لائحة القرار الوطني المستقلquot; الـ14 آذارية وأبرز من فيها المرشح الشيعي عن بعبدا باسم السبع. والغريب أنّ لوحات 14 آذار الحمراء لم تمس أبدا وهي تتفوق بالعدد على لوحات السبع ومن معه.
![]() |
![]() |
أوتوستراد المطار يشهد إعتداء نادرًا على لوحة كبيرة لحزب الله أما لوحات التيار الوطني الحر المنتشرة بكثافة كبيرة على هذا الخط فبقيت صامدة كما هي.
بالإنتقال إلى داخل بيروت فاللوحة الأولى التي يصادفنا الإعتداء عليها تابعة لتيار المستقبل وتحمل صورة وزير الثقافة المرشح عن بيروت الثالثة تمام سلام قرب مستديرة شاتيلا عند مدخل أرض جلول. أما الإعتداء الأبرز على تيار المستقبل فقد تم في الجميزة على اللوحة التي تحتل مبنى كاملا بالطول حيث أحرقت، وتم استبدالها لاحقًا بعد التقاط صورتها.
في البربير تجاه قصر الصنوبر إعتداء على لوحة كبيرة لحركة أمل. وفي بيروت ككل لم يسلم أكثر من نصف صور نجاح واكيم ولائحته من التمزيق.
أغرب الإعتداءات تلك التي تطال لوحات القوات اللبنانية في مناطق حلفائها تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي ومرتين على التوالي. فبعد الإعتداء على لوحاتها التي تحمل صورة الأرزة البرتقالية والعلم الأصفر في أماكن ثلاثة هي قصقص وطريق الجديدة ووطى المصيطبة وتم استبدالها بشعار القوات الجديد اعتدي عليها مجددًا تمزيقًا وتلطيخًا.
![]() |
![]() |
وعلى الرغم من أنّ الإعتداءات تتم على اللوحات غالبا فإنّ الحملات الإنتخابية تشهد كذلك اعتداءات من نوع آخر على الأملاك العامة حيث تلصق الكثير من الصور والشعارات فوق إشارات السير ولوحات المشاريع والأدلة المدنية.
الحملات الإنتخابية تستخدم الجدران واللوحات لبث الصور والشعارات في أعماق كيان الناخب وتدفع آلاف الدولارات من أجل ذلك وفادي يقوم وحده بدولارين فقط ثمنا لقنينة quot;سبرايquot; لم تفرغ بعد بتشويه كل إنجازاتهم. ربما يهتمون بذلك أو لا يهتمون وربما يستغلونه سياسيا في اتهام خصومهم بالإعتداء على لوحاتهم، لكنهم جميعا يعلمون أنّ لكلّ منهم quot;فاديهمquot;.
تصوير عصام سحمراني- خاص إيلاف














التعليقات