أشرف أبوجلالة من القاهرة: أعدت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية تقريرا ً مطولا ً تناولت فيه بالتحليل والعرض رؤيتها لمستقبل الواقع السياسي الذي ينتظره لبنان في الوقت الذي لعبت فيه المواجهات المسلحة التي شهدتها مساء أول أمس الأحد منطقة عائشة بكار في غرب بيروت بين الجماعات السياسية المتناحرة دورا ً في الكشف عن طبيعة التحديات التي يتأهب سعد الحريري، الذي كلفه مؤخراً الرئيس ميشال سليمان بتشكيل حكومة جديدة، لمواجهتها خلال الفترة المقبلة. وقالت الصحيفة أن تلك المواجهات التي وقعت بين أنصار لحركة أمل الشيعية المعارضة وأنصار تيار المستقبل، هي أسوأ موجات عنف تقع بين الفصائل في العاصمة اللبنانية منذ أكثر من عام، وقد أسفرت عن مقتل سيدة وإصابة آخرين بجروح، من بينهم جندي لبناني.


ورأت الصحيفة أن اندلاع أعمال العنف هذه تُذكِّر بأجواء التوتر التي لا تزال متبقية في لبنان، رغم أن قادة البلاد السياسيين بذلوا مجهودات خلال الآونة الأخيرة في سبيل تحقيق المصالحة. وفي سياق تقريرها، تطرقت الصحيفة لعدة محاور، جاء في مقدمتها الحديث عن سعد الحريري كـ quot;وريث سياسيquot; ، حيث قالت أن سعد الذي كلفه مؤخراً رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة تأهبا ً لشغل منصب رئيس الوزراء، هو الابن والوريث السياسي لرفيق الحريري، رجل الأعمال الملياردير ورئيس الوزراء السابق الذي تعرض للاغتيال في حادث شاحنة مفخخة خلال شهر فبراير عام 2005.


وأشارت الصحيفة إلى أن الحريري بدأ على الفور يوم أمس في مباشرة المشاورات السياسية مع الكتل البرلمانية كخطوة أولى لتشكيل حكومة جديدة مكونة من ثلاثين مقعد. وأردفت الصحيفة بالقول أنه من الصعب توقع حدوث بعض المساومات خلال الأيام المقبلة. كما اهتمت الصحيفة بتسليط الضوء على التصريح الذي أدلاه رئيس كتلة quot;حزب اللهquot; البرلمانية، النائب محمد رعد، بعد اجتماعه إلى الحريري، حيث قال :quot; يحتاج لبنان لحكومة توافق وطني وكذلك شراكة حقيقيةquot;. فيما أشارت الصحيفة في الوقت ذاته أيضاً إلى أن ائتلاف الرابع عشر من آذار يميل لرفض السماح للمعارضة بالحصول على ثلث مقاعد مجلس الوزراء ، خوفا ً من حدوث نفس الجمود الذي لاحق الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005. وتكشف الصحيفة في غضون ذلك عن وجود خيار آخر يُنظر فيه الآن وهو متعلق بمنح عدد قليل من المقاعد لحلفاء الرئيس سليمان من أجل السماح له بإحداث توازن في القوى داخل مجلس الوزراء.


بعدها، انتقلت الصحيفة لتلقي الضوء على ما أشار إليه الحريري يوم الأحد الماضي اثر لقائه بأحد المراقبين، حيث قال :quot; جميع الأبواب مفتوحة. وستستدعي جهود توحيد البلاد إجراء محادثات جادة من أجل مواجهة التحديات التي تلوح في الأفقquot;. ثم عمدت الصحيفة لتكشف في السياق عن أوجه الاختلاف التي تُميز الحريري عن باقي سابقيه ممن شغلوا منصب رئيس الحكومة في لبنان، وأبرزت ذلك من خلال ملبسه، حيث قالت أنه ظهر مرتديا ً لبنطلون جينس، وكذلك طريقة تناوله للطعام، بإشارتها إلى أنه تناول وجبة غذاء مكونة من أرز وسمك وديك رومي جنبا إلى جنب مع العشرات من زملائه السياسيين والمستشارين. وأنه كان يستمع بهدوء للحكايات الفكاهية التي كان يرويها مساعديه على مسامعه عن رؤساء وزراء لبنان السابقين.


وعن تحوله من عالم البيزنس إلى عالم السياسة، وصفت الصحيفة ما أسمتها مرحلة quot;التلمذة السياسةquot; التي عاشها سعد الحريري بالمرحلة الوحشية، فهو رجل أعمال ذو صوت أعذب ولا يزال في مرحلة الثلاثينات من عمره. فيما قالت الصحيفة أن لبنان غارق في أزمة سياسية طويلة الأمد، وقد تم إبراز هذا الواقع من خلال حملة الاغتيالات المتفرقة التي تم تنفيذها ضد مجموعة من السياسيين والمسؤولين الأمنيين. وقد بلغت تلك الأزمة ذروتها في مايو عام 2008، عندما اندلعت أعمال القتال الطائفي، وكانت البلاد وقتها على حافة الدخول في حرب أهلية. وقد عمل اتفاق التسوية الذي تم التوصل إليه بعد تدخل قطر على تخفيف حدة التوتر وسادت حالة من الاستقرار أدت إلى تسهيل إقامة الانتخابات البرلمانية في شهر يونيو.


إلى ذلك، أكدت الصحيفة على أن مرحلة التلمذة هذه التي استمرت على مدار أربعة سنوات قد انتهت الآن، حيث بدأ سعد في الخروج من عباءة أبيه ليرسم بنفسه النهج السياسي الخاص على المشهد السياسي في لبنان. فلدى انتهائه من مقابلة الرئيس سليمان يوم السبت الماضي، قام رئيس الحكومة اللبنانية المنتظر بالتوجه إلى وسط بيروت، حيث قام بزيارة قبر أبيه. ونقلت عنه الصحيفة قوله :quot; لقد كان يوم أمس يوماً مليئاً بالمشاعر التي لا تصدق والذكريات والصعاب. وآمل أن تستريح روحه ( روح أبيه ) الآن، وأن يعلم أننا نبذل كل شيء في سبيل السير على نهجه. لكن في نهاية اليوم، لا يمكنك على الإطلاق أن تعيد رفيق الحريري مرة أخرى إلى الحياة بغض النظر عما تفعلهquot;.


وحول فرص إجراء محادثات بين سعد الحريري ومسؤولي حزب الله، قالت الصحيفة بادئ ذي بدء أن الرغبة تكاد تكون معدومة لدى كلا المعسكرين في خوض المزيد من المواجهات والوصول إلى طريق مسدود. وأكدت على أن قادة لبنان يسعون الآن إلى غرس روح المصالحة والتسوية، بمساعدة التقارب الجاري بين سوريا والمملكة العربية السعودية، الذين يدعمان الفصائل المتنافسة في لبنان، والعمل على إنهاء شهور من المرارة بين البلدين. كما أشارت الصحيفة إلى المحادثات التي أجراها الحريري الأسبوع الماضي مع الشيخ حسن نصر الله، حيث كانت ثاني مقابلة تجمعهما منذ عام 2005.


وعرضت الصحيفة أيضاً للقول بأن المشكلات التي نشبت على مدار الأربعة سنوات الماضية ساهمت في إصابة حماسة الدخول في مواجهة جديدة مع حزب الله بسبب إصراره على الاحتفاظ بترسانة أسلحته الهائلة بحالة من الفتور. وفيما اعتبرتها الصحيفة على أنها إيماءة تصالحية للشيخ حسن نصر الله، قال الحريري أن مصير أسلحة حزب الله ينبغي أن يُترك ليتم طرحه في جلسات حوار بين كبار قادة لبنان. كما سلط الحريري الضوء على التهديد الذي تمثله حكومة إسرائيل اليمينية على لبنان خلال هذه الأثناء. وقد رأت الصحيفة من جانبها أن تعليقات الحريري الخاصة بخطر التهديد الإسرائيلي ترمي إلى طمأنة حزب الله بأنه لن يسعي للدخول في تحدي مع الحكم الذاتي العسكري للحزب الشيعي. ومع هذا، فقد توقع الحريري في المقابل ألا يقوم حزب الله أو حلفاؤه بتعطيل قدرته على إدارة شؤون البلاد كرئيس للوزراء.