بيروت:تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة حتى قبل ولادتها، امتحانا عسيرا يتمثل في دين عام باهظ سيتخطى الخمسين مليار دولار هذا العام. ويرى الخبير الاقتصادي شربل نحاس ان quot;الحكومة المقبلة سترث تركة مزدوجةquot;. ويقول لوكالة فرانس برس quot;فمن جهة ستتوفر لهذه الحكومة كمية كبيرة جدا من السيولة تحول دون مواجهتها على الفور ازمة مالية وتحول دون شعورها بالحاجة الى تمويل خارجي ومن جهة اخرى سترث دينا عاما باهظا اضافة الى مشاكل بنيوية مرتبطة بالعجز العام وبقلة الاستثمارات وبالهجرة الواسعة للكفاءاتquot;.
وتفيد الارقام الرسمية ان الدين العام انخفض خلال السنوات الثلاث الاخيرة من 180% من اجمالي الناتج المحلي الى 162% ليبلغ 2،47 مليار دولار. ومع ذلك ما زالت نسبة الدين تعتبر من اعلى النسب في العالم.

ورغم هذه الاوضاع تجنب لبنان القسم الاكبر من انعكاسات الازمة الاقتصادية العالمية اذا حقق اجمالي الناتج المحلي فيه عام 2008 نموا نسبته 8% لاسباب عديدة ابرزها سلامة قطاعه المصرفي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي ان يحقق لبنان عام 2009 نموا نسبته 4% رغم الركود الاقتصادي.

وكانت مؤسسة quot;موديزquot; العالمية للتصنيف الائتماني رفعت في نيسان/ابريل الماضي تصنيف لبنان الائتماني الى درجة quot;بي 2quot; التي تعد منخفضة في جدول تصنيف هذه الشركة المتخصصة في تحليل مخاطر الائتمان.
وعزت quot;موديزquot; خطوتها الى quot;تحسن كبيرquot; في سيولة البلاد الخارجية والى quot;مقاومةquot; المالية العامة للصدمات، واشادت quot;بقدرة واستعدادquot; النظام المالي للبلاد لتمويل العجز المالي للحكومة ونوهت بمرونة النظام المصرفي في البلاد quot;وهو الدائن الرئيسي للحكومةquot;.

من جهة اخرى تفيد التقديرات بان العجز السنوي للدين العام سيصل خلال العام الجاري الى اربعة مليارات دولار بسبب غياب الاصلاحات في بعض القطاعات مثل قطاع الكهرباء الذي يحتل المرتبة الثالثة في نفقات الموازنة بعد خدمة الدين ورواتب القطاع العام.
وتراكم الجزء الاكبر من الدين العام خلال عمليات اعادة اعمار لبنان بعد الحرب الاهلية التي استمرت 15 عاما (1975-1990). وانتقدت الاطراف التي كانت تعارض حينها الحكومة التي يرئسها رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري السياسة الضريبية المتبعة.

من جهته يعرب محمد شطح وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال الراهنة عن ثقته بالاوضاع المالية.
ويقول شطح لوكالة فرانس برس ان quot;مصادر قوة الاقتصاد موجودة هناquot; مشيرا بذلك الى القطاع المصرفي والى حجم تحويلات الاعداد الكبيرة من اللبنانيين المغتربين والعاملين في الخارج.

ويضيف شطح quot;اذا تمكنا من تشكيل حكومة تعمل بشكل افضل من الحكومة الحالية يمكننا ان نحقق نوعية افضل من النمو وبنسبة اكبرquot;.
وربطت الدول الاجنبية المانحة منذ البداية مساعداتها الى لبنان بتحقيق اصلاحات ضرورية في البنية الاقتصادية. لكن هذه الاصلاحات لم تتحقق بسبب الازمات السياسية المتوالية وشلل الحكومات المتعاقبة.

ففي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2006 ادت استقالة كل وزراء الطائفة الشيعية في الحكومة الى ازمة سياسية خطيرة ادت الى مواجهات دموية بين انصار الاكثرية النيابية التي يعتبر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من ابرز اركانها وبين انصار الاقلية النيابية التي يقودها حزب الله.
وسمح اتفاق الدوحة الذي تم التوصل اليه في ايار/مايو عام 2008 بانتخاب رئيس للبلاد بعد فراغ استمر ستة اشهر في سدة الرئاسة الاولى وبتشكيل حكومكة وحدة وطنية اعطت للاقلية النيابية المطلب الذي تمسكت به فحصلت على ما يسمى quot;الثلث الضامنquot; او quot;الثلث المعطلquot; في الحكومة الذي يسمح بالتحكم في القرارات الاساسية.

ويرى شطح وهو من المقربين من الحريري ان quot;سياسة تقسيم الحكومة ومشاركة الاقلية فيها اسلوب غريب لحكم البلاد ساهم الى حد كبير بفشل هذه الحكومةquot;.
ويخوض الحريري الذي كلفه رئيس الجمهورية ميشال سليمان قبل نحو ثلاثة اسابيع تشكيل الحكومة، مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة مع تمسك الاقلية النيابية بالحصول على عدد من المقاعد الوزارية يخولها التحكم في امصيرية التي تحتاج الى تصويت لاقرارها.

وكان سليمان كلف الحريري تشكيل الحكومة في اعقاب استشارات نيابية ملزمة اجراها بعد الانتخابات التي جرت في السابع من حزيران/يونيو وفازت فيها الاكثرية ب 71 مقعدا من اصل 128.

ويعرب الوزير شطح عن تفاؤله بقدرة الحكومة المقبلة على اتخاذ تدابير فعالة لمواجهة العجز فيما لا يبدو نحتاس واثقا من ان هذه الحكومة ستتمكن مهن الاستفادة من حالة الاذدهار الحالية لامتصاص الدين العام.
ويقول نحاس quot;الامل محدودquot; معربا عن خشيته من اللجوء الى خيار سهل يتلخص بquot;الاستفادة من تدفق السيولة المفاجىء للمحافظة على الستاتيكو (الوضع القائم) النقديquot;.