علي حلاوي من بيروت : تكاد تكون الشكوى ذاتها ، تسمعها في الشارع اللبناني الملتوي بنار الغلاء وارتفاع الاسعار بينما يتقاتل السياسيون فيما بينهم على اقتناص اكبر عدد من الحقائب والوزارات. ولعل المستغرب بعد 73 يوماً من تكليف النائب سعد الحريري تأليف الحكومة وما سبقها من الازمات المتلاحقة في سنوات اربع ماضية ان quot; المطالب المعيشية وانين المواطنين هي آخر ما يفكر به هؤلاء quot; القادة العظماءquot;. وفكرة الهجرة باتت تراود كثيرين بعدما خف وقعها إثر اتفاق الدوحة والاتفاق على حكومة وانتخاب مجلس نيابي في هذا الصيف الواعد. اما اليوم فلا شيء غير اليأس الذي استوطن في وطن اللبنانيين، ومع مرور كل ساعة يزادد هذا الشعور ترسخاً، والحل في رأي الناس يمكن ان ينتظروه طويلاً وربما ان جاء لا يجد احداً. ربما لم يشفع للبناني هذه الايام مع قدوم موسم المدارس بأقساطه الحارقة واسعار الكتب المدرسية والقرطاسية التي وصلت بأسعارها الى مستوياتها العالية وغدا الاستحصال عليها غاية في الصعوبة، وباتت بالتالي quot; شنطquot; تلامذة لبنان تشتاق اليها ان يرى الحل للازمة الحكومية . كما لم تشفع للبناني وصول اسعار المحروقات الى مستوياتها القياسية اضافة الى فواتير الماء، الكهرباء واشتراكتهما والفاتورة الاستشفائية الاغلى في العالم. فجميع ذلك لم يأخذه قادة البلاد في اعتبارهم في اجتماعاتهم الماراتونية.

هي اذُا مجموعة هموم يحتار بها المواطنون على مستوى الوطن، فبنظر هؤلاء quot; نحن في واد والسياسيون في واد آخرquot; ولعل اسرع اجابة عن سؤال يطرح لهم عن رأيهم في كيفية الوصول الى تشكيلة حكومية quot; نحنا وين وهن وينquot;. ففي احد المحال لبيع المواد الغذائية في منطقة النبعة يجلس مجدي ( 41 عاماً) في متجره. عند الحديث معه عن احواله والشغل يقولها بسرعة quot; صدقني الشغل خفيف، فهذا المحل كان منذ فترة معبأ بكل ما تحتاجه اما اليوم فلا نخزن سوى الاساسيات لأن المواطن اعتمد سياسة التقشف في كل شيء وبات لا يشتري سوى الضرورياتquot;. يضيف مجدي بحسرة: quot; المواطن اللبناني لا يستأهل ما يحصل له ، فالسياسيون في غيبوبة كاملة وبعيدون كل البعد عن مطالب الشعب، واكثر ما يشغل بالهم كيف يحصلوا على اكبر عدد ممكن من الوزارات والكراسي وغير ذلك لا يهمهم شيءquot;. وعند سؤاله عما يشغل باله هذه الايام يقول مجدي: quot; لست متزوجا ويمكن ان تقول ان صعوبة الحياة في هذا البلد هي السبب ولكن كلنا عايشين في مجتمع وارى واسمع العشرات من الشكاوى يومياً، وهو ما يدفعك الى مساعدة اصحابك في بعض الحالات والتساهل معهم في تقسيطهم لمشترياتهم في حالات أخرىquot;.

لا يختلف رأي محمد ( 47 عاماً) ابن منطقة الشياح عن حال مجدي، ولكن ما يزيد عليه انه رب عائلة لاربعة اولاد، جميعهم في المدارس والجامعات وتفوق مصاريفهم الشهرية المليون ونصف المليون ليرة. يعمل محمد من السادسة صباحاً حتى التاسعة مساء، وهو فضلاً عن مهنته الاساسية كبائع ملبوسات بالجملة قرر ان يعمل بدوام آخر بعد الظهر في احدى شركات الحماية براتب شهري لا يتجاوز الاربعمئة وخمسين دولار اميركي. يشير محمد الى quot; ان الاسعار تحرق مثل النار وغلاء المعيشة دفعني إلى ذلك، ولولاها لم اكن مضطراً للعمل اكثر من 15 ساعة يومياً لي اعيل عائلتي واؤمن لها الحد الادنى من الحياة الطبيعيةquot;. يحمّل صاحبنا quot; الدولة وقادتها المسؤولية كاملة لكل ما يحصل لهذا الشعب المسكين الغير قادر على الحركة بعدما جوعوهquot; ويضيف quot; لم انتخب في الانتخابات الماضية وكنت حينها على يقين بأن شيئاً لم يتغير في هذا البلد، لأن حسب المثل الشائع quot;سوسه منه وفيهquot;. واليوم قدمت طلب هجرة الى السويد على أمل أن يأتي الجواب قريباًquot;. وخلال الحديث معه يلتفت محمد الى جهاز التلفزيون ليسمع خبراّ عاجلاً مفاده quot; اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة اللبنانيةquot;، مما يدعوه الى تكرار كلامه السابق ويزيد عليه quot; قلت لك ان هذا البلد لا امل فيه والهجرة هي افضل طريق للحل، خليهن يحكمو أعمدة الكهربا بسquot;.

وليست الطريق الجديدة في بيروت في منأى عن المعاناة وانتظار الحلول السحرية للازمة الحكومية، ليس لغرض سوى جلب بعض الراحة النفسية والمعنوية للمواطنين قبل موسم المدارس. فالجميع يتطلع الى ذلك، على ما يقول quot;ابو طارقquot;، الرجل الستيني، مضيفاً:quot; تعودت المشهد اللبناني ولم اعد اتعجب ، حتى انني نصحت ابنائي واحفادي بالسفر أخيراً لأن لا مستقبل هناquot;. ويتحسر quot;ابو طارقquot; قائلاً:quot; كنا نحن اللبنانيين نتباهى بأننا ارقى الشعوب في الشرق وكنا نتشاوف على غيرنا، ولكن صدقني الايام اثبتت ان امامنا طريق طويل للوصول إلى الديمقراطية ونحتاج الى دروس اضافية في كيفية ادارة الدولة. نحن اليوم شعب غير قادر على ان يحكم نفسه ونحتاج دائماً الى الأجنبيquot;.