يعتبر شم النسيم هو أقدم احتفالات المصريين، حيث يحتفل به من أكثر من خمسة آلاف سنة، وهو مرتبط بموسم الحصاد وبداية أيام فصل الربيع، وهناك العديد من الطقوس التي كان يمارسها المصريون القدماء عند الاحتفال بها تمارس حتى الآن، خاصة في القرى بالريف.


القاهرة: عرفت حضارة المصريين القدماء بعدة أسماء، منها حضارة laquo;اللوتسraquo;، نسبة إلى زهرة اللوتس، التي تحكي عنها الأساطير الفرعونية القديمة، أنها تفتحت بعد أن احتارت أيزيس أين تضع طفلها الذي ولد لتوه laquo;حورسraquo;، لتضع الأم طفلها الرضيع على أوراقها، لتظل بعد ذلك كل الأعمدة الفرعونية بالمعابد ترسم على هيئة هذه الزهرة، التي أصبحت مقدسة عند المصريين القدماء إلى جانب العديد من النباتات الأخرى، حيث الحضارة زراعية في وادي النيل، والاحتفالات مرتبطة بالنيل والزراعة ومواسم الحصاد، خاصة ذلك الاحتفال بقدوم الربيع، الذي ما زال يحتفل به المصريين منذ أكثر من خمس آلاف سنة، دون أن يتغير اسمه كثيرا، وهو عيد laquo;شم النسيمraquo;، الذي كان يطلق عليه قديما laquo;شيموraquo;، وكان قدماء المصريين يحتفلون به في احتفال رسمي كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل. فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم قبل الغروب، ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم، وتظهر أحد الجداريات الفرعونية القديمة الاحتفال به، حيث نقش عليها منظر لأحد المصريين في مركب مع ابنته وهي تحمل زهرة اللوتس أثناء احتفالهم بعيد شم النسيم قديما.

على مدار آلاف السنين، طقوس المصريين في الاحتفال بـlaquo;شم النسيمraquo; لم تتغير كثيرا، خاصة في قرى الأقاليم، حيث ما زال بعض كبار السن في قرى محافظة أسوان الواقعة في أقصى الجنوب، يبكرون في الاستيقاظ من النوم ويتجهون لأقرب مجرى مائي ليبللوا أرجلهم في بداية اليوم، وكأنهم قرأوا الحكمة الفرعونية التي نقشت على أحد المعابد تقول laquo;أنه من تشرق عليه الشمس في هذا اليوم وهو في فراشه يلازمه الخمول طوال العامraquo;، كما أن أنواع الأكلات المرتبطة بهذا العيد كما يؤكد بسام الشماع، الباحث في الآثار قائلا: laquo;البيض والأسماك المملحة، والحمص الأخضر (الملانة)raquo; ثلاث أصناف من الطعام ارتبطت بهذه المناسبة منذ آلاف السنين، أما السمك المملح فقد ارتبط في موسم الحصاد بمغزى عقائدي، حيث كان يرمز للمعبود laquo;أوزريسraquo; في الدولة القديمة بسمكة مملحة، واعتبر المصري القديم أن أكل السمك المملح في هذا العيد يكتسب منه القدرة على إعادة البعث واستمرارية الحياة، أما laquo;البيضraquo;، فيرمز إلى خلق الحياة من الجماد، ولذلك فإن تناول البيض، يبدوا كأنه إحدى الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين، وكانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، وتطورت هذه النقوش فيما بعد، لتصبح لونًا من الزخرفة الجميلة والتلوين البديع للبيض، وبالنسبة للحمص الأخضر (الملانة) فكان تناولها من الأمور المحببة في شم النسيم، حيث أطلق عليه المصريون كلمة laquo;حربيكraquo; بمعنى رأس الصقر تيمنا بالصقر الوليد laquo;حورسraquo;، الذي أنجبته إيزيس بعد ممات أبيه laquo;أوزيريسraquo; كما تقول الأسطورة فكان رمزا لإعادة الميلاد وتجدد الحياة للكون كله.

وحتى اليوم يخرج آلاف المصريين في laquo;شم النسيمraquo;، الذي يعد أقدم احتفالاتهم حاليا، إلى الحدائق والمتنزهات، حاملين أنواع الطعام المميزة لذلك اليوم، من بيض البيض، وأسماك مملحة، وlaquo;ملانةraquo; حمص أخضر، للاستمتاع بالطقس المعتدل في فصل الربيع، كما تشهد المراسي النيلية والشواطئ إقبالا شديدا، حيث يتسابق المصريين للجلوس بالقرب من النيل للاستمتاع بالجو الربيعي وسط النيل. وتشترك فرق الموسيقات العسكرية النحاسية، في الاحتفالات، بتقديم عروضها في الحدائق والمتنزهات، التي تستعد لهذا اليوم استعدادات خاصة، وكذلك بعض فرق الفنون الشعبية الأقيلمية، ليشكل اليوم كرنفال شعبي من أقصى جنوب مصر إلى أقصى شمالها في الحدائق العامة والمتنزهات، كما تمثل الرحلات النيلية بالمراكب طقس مميز في ذلك اليوم.