أذكر ذات يوم حين كنت أستقل قطار الساعة الثانية ظهراً من وسط العاصمة السويدية استكهولم الى منزلي، وبينما أنا أتأمل الخضرة التي تمتد على جانبي البحيرات المبعثرة هنا وهناك، استوقفني مشهد تلك الفتاة التي كانت تداعب شعر صديقتها بلطف وحنان في المقعد أمامي تسمرت عيناي لبرهة استدركت بعدها بخجل واستدرت بنظري الى مكان آخر.

كان مظهر الفتاتين عادياً الى حد ما باستثناء إحداهما، والتي بدت بمظهر يميل الى الرجولة بعض الشيء وبدا جليًا من لبسها وطريقة احتواء صديقتها مما جعلني أقدر أنها تلعب دور الذكر. إنها المثلية إذا ،هي في مأمن الكل يتقبلها في الغرب وحتى لم يأبه أحد لما كان يحدث على مقربة منهم في بلد يشرع الباب واسعاً لكل أشكال حريات التفكير والمعتقد والحب والجنس. ولعل ما استوقفني ليس اكتشافاً للظاهرة بالطبع بل للجرأة في إشهار العلاقة وللعلن دون أي ضوابط أو خطوط حمراء، تماماً كما يقبّل شاب حبيبته على قارعة الطريق سواء في أي بلد غربي أو شرقي.


لقد استطاع المثليون في الغرب قطع أشواط لناحية الحصول على حقوقهم من الحكومات سواء من جانب الانخراط في سوق العمل أو المشاركة في العملية السياسية والانتخابية وصولاً الى الحق بالزواج والانجاب.
أما في بلادنا العربية، فإن المثلية لا تزال أسيرة المعتقدات الدينية والأعراف الاجتماعية رغم انتشارها خلف الجدران والأبواب الموصدة.

قلق واضطراب

وبعيدًا عن نظرة الدين والمجتمع وفي محاولة للاضاءة على أسباب المثلية الجنسية من الناحية الطبية تتحدث الأخصائية منى صبرا عن المثلية واصفة إياها بالرغبة في ممارسة الجنس مع شخص من ذات الجنس، أي رغبة الرجل في ممارسة الجنس مع رجل و رغبة المرأة في ممارسة الجنس مع امرأة.

وتضيف خلال سنوات عديدة، كانت المثلية تعد مرضاً، ورد تعريفه في كتاب الأمراض النفسية الذي تنشره جمعية أطباء النفس الأميركية DSM. لكن ذلك لم يعد الحال منذ سنة ١٩٧٦، بعد ضغوطات من قبل المجموعات المدافعة عن حقوق المثليين، وإصدار أبحاث تدل على أن نتائج الإختبارات النفسية لا تختلف بين الشخص المثلي والشخص غير المثلي. وبالرغم من ذلك، فإن غالبية المثليين يعانون من القلق وعدم الراحة النفسية، على الأقل لفترة زمنية محددة، وذلك بسبب اختلافهم عن الآخرين، وسعيهم لتقبل ذلك على الصعيد الشخصي وجعل العائلة والمحيط تتقبل هذا الإختلاف.

وترى د. صبرا أن بعض الرجال والنساء ينجذبون إلى شخص من ذات الجنس في فترة محددة من الحياة، وذلك بسبب ظروف معينة. والسبب ممكن أن يكون عدم توفر الجنس الآخر، كما الحال في السجون. وهؤلاء ليسوا بمثليين.

أسباب المثلية

وفي الحديث عن أسباب المثلية تشير د. صبرا الى أن معالمها ليست واضحة وأكيدة. إذ يعتقد بعض العلماء أن السبب يعود إلى التربية وفترة الطفولة، والبعض الآخر يعتبر أن الإنسان المثلي يولد على هذه الحال، ولا علاقة للتربية بذلك. البعض يتحدث عن تقلبات هرمونية يخضع لها الجنين في فترة الحمل بسبب ضغوطات نفسية كبيرة لدى الأم. ويجري البحث منذ ٢٠ سنة عن جينات بامكانها أن تكون مسؤولة عن المثلية، لكن بلا جدوى.

وتتابع د.صبرا من المهم الإيضاح أن الرجل المثلي لا يظهر بالضرورة صفات أنثوية، وأن المرأة المثلية لا تحمل بالضرورة المظاهر الذكرية. وارتداء ملابس الجنس الآخر ليس بالضرورة من عادات المثليين. ومن المهم الإيضاح أيضا أن كون الرجل مثليًا لا يعني أنه يشكل خطرًا أكثر من غيره بالنسبة للتحرش بالأطفال.

صعوبة الافصاح للمجتمع

وتتناول د. صبرا الصعوبة الكبيرة في حياة المثليين، والتي تكمن في تقبل أنفسهم أولا، ثم في الإفصاح عن ميولهم الجنسية للمقربين منهم، العائلة والأصدقاء. في البلدان الغربية، يتغيّر المجتمع سريعاً بالنسبة لتقبل المثليين. وبالرغم من ذلك، فإن ردة فعل العائلة والأهل لا تكون دائمًا إيجابية. أما من الناحية الإجتماعية والقانونية، فإن المثليين لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات كالآخرين في هذه المجتمعات. حتى أن في فرنسا، كما في عدد من الدول الأوروبية الأخرى (إسبانيا، انكلترا)، أقر حديثاً قانون السماح للمثليين بالزواج المدني.

ليست مرضاً نفسياً

يجمع الطب على أن المثلية ليست مرضًا، ورغم حذفها من تصنيفات العيادات النفسية الأميركية لا تزال حالات كثيرة تتردد الى عيادات الطب النفسي بطلب العلاج من تداعيات المثلية الجنسية، لاعتبار أن بعض المثليين يعيشون بعض الاضطرابات النفسية نتيجة القلق من نظرة المجتمع نحوهم. وحسب رأي الطب، فإن المثليين يصابون بالاضطرابات النفسية أكثر من غيرهم كما قد يتعرضون الى أمراض جنسية نتيجة ممارسة الجنس عبر أعضاء ليست مهيأة لذلك. وإن كانت شريحة كبيرة من المثليين في الغرب قد تحررت من نظرة المجتمع والدين نحوها تبقى الفئات المثلية في مجتمعاتنا الشرقية تعيش صراع ميولها الجنسية ونظرة المجتمع والدين الرافضة لدمجها في أوساطه.

حقائق

تعد الدنمارك أول دولة تضفي الشرعية على علاقات المثليين جنسياً و ذلك عام 1989م ، وأول بلد يسمح بالزواج المثلي ويعترف به قانونيًا هي هولندا ، اعتباراً من عام 2001 . وفي المنطقة العربية ، استطاع المثليون في لبنان تأسيس جمعية quot;حلمquot;، وهي الأولى من نوعها تهتم بشؤون مثليي الجنس وتتخذ من العاصمة بيروت مركزاً لنشاطاتها. وقدمت الجمعية أوراقاً رسمية إلى وزارة الداخلية من أجل الحصول على ترخيص رسمي يسمح لها بمزاولة نشاطاتها، كما سائر الجمعيات، غير أن الوزارة لم تبت بعد في طلب الترخيص. وفي مصر يقدر عدد المثليين بـ 100 ألف، وحاول أحد الناشطين تأسيس رابطة غير رسمية تحت اسم ldquo;الاحباءrdquo;. أما في الجزائر فيقدر عددالمثليين بمليون شخص، وهناك نوادٍ ليلية خاصة بهم. وفي دول الخليج يمارس 40% من النساء السحاق ( تبعاً للدكتورة عالية شعيب ، أستاذة فلسفة الأخلاق في إحدى الدول العربية خلال برنامج اضاءات الذي يبث على قناة العربية في 1/10/2004 ).