لا يتحول تشحم الكبد إلى تليف قاتل إلا في 15 في المئة من مدمني الكحول. كشف العلماء السويسريون عن تحورات جينية ترفع مخاطر ذلك بشكل حاسم، يمكن أن تصبح انذارًا مبكرًا لمن لا يكف عن تعاطي الكحول.


يبدو أن تليف الكبد لا يتعلق فقط بكميات الكحول التي يشربها الإنسان ونوعيتها (نسبة الكحول فيها)، ولا بطول فترة تعاطيه الكحول، لأن العوامل الجينية تلعب دورًا أساسيًا بذلك، إذ كشف العلماء من جامعة زيورخ الطبية عن تحويرات في ثلاثة جينات تقرر لماذا يتلف كبد هذا الإنسان الكحولي بينما لا يتلف كبد غيره ممن يتعاطى الكحول بشكل أقل. وكما هو متوقع، تؤدي هذه الجينات الثلاثة دورًا في عمليات استقلاب الشحوم في جسم الإنسان، وفي خلايا الكبد بالتحديد.

الكمية والتواتر

كانت دراسات أممية سابقة قالت إن تحول الكبد المتشمع إلى كبد تليف يتعلق بكمية الكحول التي يتناولها الشخص خلال سنة. ويفترض الخبراء أن تناول الكحول بصورة دورية منتظمة يزيد من خطره بغض النظر عن كميته. ويؤدي عجز الكبد المزمن إلى وفاة 6 ملايين من سكان العالم سنويًا، وكان السبب دائمًا هو فرط تعاطي الكحول وبغض النظر عن كميته (تليف الكبد الكحولي). إلا أن نتائج دراسة جديدة لمنظمة الصحة العالمية نشرت في وقت سابق من هذا العام، شملت متعاطين للكحول من 193 دولة، تثبت أن الشخص الذي يتناول المشروبات الكحولية باعتدال مع مرور الوقت يصبح مدمنًا، ما يسبب ارتفاع احتمال اصابته بتليف الكبد بنسبة 11 في المئة.

وتبدو هذه النسبة قريبة جدًا من نسبة 10 إلى 15 في المئة التي تتحدث عن تحول التشحم إلى تليف، إلا أن العوامل الجينية هي المقررة كما يبدو. وكتب فيلكس شتيكل، من جامعة زيورخ، في مجلة "نيتشر جينيتكس" أن ثلاثة تحويرات جينية تقرر ذلك في حالة مدمني الكحول، كما أن العوامل نفسها يمكن أن تكون مقررة أيضًا في حالات تليف الكبد غير الكحولي أيضًا.

دراستان
قارن فيلكس شتيكل وزملاؤه، على أساس فحوصات جين PNPLA3 المتهم بزيادة مخاطر تليف الكبد، بين مصائر 712 مدمنًا على الكحول يعانون تليف الكبد، وبين مصائر 1426 مدمن كحول آخر يعانون تشحم الكبد منذ فترة زمنية طويلة دون أن يعانوا تليف الكبد. يؤدي جين PNPLA3دورًا مهمًا في استقلاب الشحوم في الجسم، لكن الباحثين توصلوا إلى تحويرين جينيين آخرين يؤديان دورًا في عملية استقلاب الشحوم، ويرفعان مخاطر التليف بشكل حاسم.
بغية التأكد من نتائج الدراسة الأولى، أعاد العلماء مقارناتهم مع مجموعتين أخريين ضمت الأولى 1148 شخصًا يعانون تليف الكبد الكحولي، ومع 2315 شخصًا يتعاطون الكحول منذ سنين طويلة، ويعانون تشحم الكبد، لكن من دون أن تظهر عليهم علامات التليف في الكبد. وكانت النتائج في الدراسة الثانية مطابقة للأولى، وثبت أن تحويرين على الجينين MBOAT7 و TM6SF2قررا مناعة المجموعة الثانية الظاهرة ضد تليف الكبد.

استقلاب الشحوم

يتعلق كل الجينات الثلاثة بعملية استقلاب الشحوم في الجسم، فجين PNPLA3 يتعلق بنشاط إنزيم اللابيز الذي يقرر بدوره تفكيك التراغليسيرايد في خلايا الكبد. وإذ يقرر جين MBOAT7نقل الشحوم في الدم، يتعلق نشاط جين TM6SF2 بفرز البروتينات الدهنية في الكبد. وظهر أن التحويرات على هذه الجينات الثلاثة يؤدي إلى اضطراب واضح في عملية استقلاب الشحوم، هو ما يؤدي بالنتيجة إلى تحول الدهون في خلايا الكبد إلى ألياف.

ركزت الدراسات السابقة على مسؤولية جين المحور PNPLA3 في زيادة مخاطر تحول الخلايا المتشحمة إلى ألياف، وزاد التركيز عليه بعد الكشف عن دوره في تشمع الكبد غير الكحولي، إلا أن الدراسة الجديدة تركز على دور جيني MBOAT7 وTM6SF2 المحورين في منح بعض المدمنين ميزة تجنيب أكبادهم عواقب التليف المهلكة. وربما يكون دور الجين الأول مكملًا لعمل الدور الجينين الآخرين الآن، الأمر الذي يتطلب إجراء درسات جديدة حول ذلك.

وعلى أساس هذه الدراسة الجديدة، سلط فيلكس شتيكل وزملاؤه اضواءهم على جين PNPLA3 المحور ومنحوه المسؤولية عن 20,6-27,3 في المئة من تليف الكبد. ومنحوا التحويرات على جيني MBOAT7 وTM6SF2 المسؤولية عن تليف الكبد بنسبة 2,5 إلى 5,2 في المئة و7,4 إلى 17,2 في المئة على التوالي.

عوامل وراثية

وتعليقًا على نتائج الدراسة السويسرية التي شارك فيها علماء نمساويون وألمان أيضًا، قال البروفيسور يوخن هامبة، من جامعة دريسدن الألمانية، إن شرب الكحول متأصل في الثقافة الأوروبية، ومن حظ الأوروبيين أن تليف الكبد لا يظهر عند الجميع بسبب العوامل الوراثية التي كشفت الدراسة عنها. وقال هامبة لمجلة "الطبيب الألماني"، وهو أحد المشاركين في الدراسة السويسرية، إن التحويرات الجينية الثلاثة تكفي لرفع مخاطر اصابة الإنسان 5 إلى 10 مرات رغم انه لا يتعاطى الكحول. أضاف هامبة أن أحد التحوير الجيني PNPLA3 كان معروفًا للعلماء، لكن العاملين الوراثيين الاضافيين يكملان دورة اضطراب استقلاب الشحوم في الجسم. وجعل الكشف عن التحويرين الجينيين الأخيرين الصورة واضحة أمام العلم كي يطلق تحذيراته مقدمًا إلى مدمني الكحول، لأن هناك مليون ألماني يعانون تليف الكبد، علمًا أن تليف الكبد يصيب 5 إلى 7 في المئة من سكان العالم الصناعي، وأن 30 إلى 50 من أمراض الكبد يسببها الكحول بشكل مباشر أو غير مباشر.