تستمد الدهون والبيبتيدات المستخدمة في إنتاج مستحضرات التجميل من جلود وعظام حيوانات الذبح والأسماك وبعض النباتات، لكن جامعة دريسدن التقنية تعد بالحصول على هذه المواد بكميات كبيرة من يرقانات الذباب.

تحدث البروفيسور هيرفيغ غوتسايت، من جامعة دريسدن التقنية، عن مصدر مستقبلي وافر ورخيص لصناعة مستحضرات التجميل. وتوصل فريق العمل الذي يترأسه غوتسايت إلى استخلاص نفس الدهون والبيتيدات والبروتينات المستخدمة في إنتاج مراهم شد البشرة والحفاظ على نظارتها، والتي يستخدمها هواة بناء الأجسام أيضًا، من الذبابة المسماة بذبابة الجندي أو الذبابة المسلحة.

ذبابة عسكرية
يقول غوتسايت أن هذه الذبابة اكتسبت اسمها "العسكري" من جسدها المدرع وتفاصيل ظهرها الشبيهة بالسترة العسكرية، إلا انها ذبابة لا تضر بالانسان، والأهم أنه من الممكن تكثيرها بسهولة ورخص. وكشفت الفحوصات المختبرية على هذه الذبابة انه حينما تتغذى يرقاناتها على الفضلات العضوية فانها تنضج لاحقًا كذبابة مشحونة بالدهون والبيبتيدات التي تستخدم في إنتاج مستحضرات التجميل.

ولا يقلل هذا الاكتشاف من كلفة إنتاج مستحضرات التجميل فحسب، وإنما قد يكون حلًا لمعضلة بعض هذه المواد، المستمدة من حيوانات الذبح، والتي يتعتقد انها تسبب الحساسيات للإنسان وتزيد مخاطر الإصابة بسرطان البشرة. فضلًا عن ذلك، يمكن الحصول على الدهون والبيبتيدات من الذباب أن يحد من انتقادات جمعيات الرفق بالحيوانات التي تتهم شركات إنتاج مستحضرات التجميل بالوحشية في أساليب الحصول على هذه المواد.

وتضمن الطريقة، بحسب غوتسايت، الاستفادة القصوى من النفايات العضوية التي تشكل ثلث مجموع النفايات في ألمانيا. وليس هناك خطر من تربية ذبابة الجندي في مراجل ضخمة تحتوى على هذه الفضلات، وتنتج الطاقة البديلة في ذات الوقت. ويمكن للطاقة المكتسبة أن تستخدم بالطبع في تشغيل المرجل، أوالحاوية، وتدفئتها كي تلبي شروط نمو وتكاثر الذباب المسلح.

حل للمحسسات
لا تحتوي الدهون المكتسبة من الذباب على مواد مسببة للحساسيات أو المواد الهرمونية، أو الشبيهة بالهرمونية التي تحذر السلطات الصحية من تأثيرها على المستهلك. وكانت دائرة البيئة الاتحادية قد اخضعت لفحوصاتها 6000 مستحضر تجميلي مختلف موجود في السوق، وتشمل دهونات شد الوجه والشامبو...إلخ. وتوصلت إلى وجود "كوكتيل" من الهرمونات في 33% منها. وتحدثت الدائرة عن احتمال أن تتسبب هذه الهرمونات بتقليل خصوبة الإنسان وأن تسرع عملية النضوج الجنسي عند القاصرين. وسبق لدراسات على الحيوانات أن أثبتت هذا التأثير، إلا أن التجارب لم تجر على البشر بعد.
من ناحية الدهون والبيبتيدات المكتسبة من النباتات، قالت الدراسة إن بروتين بابايين، المستخدم بكثيرة في صناعة مستحضرات التجميل، بمكن أن يسبب الحساسية لبعض الناس. وكما هو واضح من الاسم يستخلص هذه البروتين من ثمرة البابايا.

مواد مفيدة
أشارت اريانه آدم، عضو فريق العمل، إلى أن الدرجة المثلى لتكاثر ونمو ذبابة الجندي تتراوح بين 28-29 درحة مئوية، وهي حرارة يمكن توفيرها من الطاقة المكتسبة من المرجل، أو لنقل من المفاعل البيولوجي المستخدم. وتحتاج الذبابة المسلحة فترة أسبوعين كي تنمو من بيضة إلى يرقانة ومن ثم إلى ذباب كاملة مشحونة بالمواد البيولوجية المفيدة.

وتثبت التجارب التي أجراها فريق العمل أن 120 طنًا من المواد العضوية المفيدة، بينها نسبة عالية من الدهون والبيبتيدات المستخدمة في إنتاج مستحضرات التجميل، يمكن استخلاصها من الذباب الذي يعتاش على 300 طن من النفايات العضوية. وطبيعي يتطلب الأمر جهدا مختبريًا اضافيًا للفصل بين المواد المكتسبة، والتي تدخل في مختلف الصناعات.

أجريت التجارب داخل مفاعل لإنتاج الطاقة البديلة من الفضلات البيولوجية في مدينة غريما، الواقعة في ولاية سكسونيا الشرقية. وثبت خلال التجربة عدم امكانية انتشار الذباب إلى الجو، رغم التأكيدات العلمية بأن ذبابة الجندي لا تنقل أي من الأمراض المعروفة.

علف للحيوان
وتصلح "الكتلة البيولوجية" المكتسبة، بعد استخلاص المواد المستخدمة في صناعة مستحضرات التجميل منها، كعلف حيواني وخصوصًا كغذاء عالي القيمة لتربية الأسماك والطيور. علمًا أن سعر الطن الواحد من علف الاسماك المماثل في السوق يرتفع إلى 1700 يورو. ويقدر غوتسايت وفريق عمله سعر غذاء الاسماك المستمد من الذباب بأقل من نصف السعر المذكور أعلاه.

ونال مشروع جامعة دريسدن التقنية دعم وزارة التعاون والتنمية، إضافة إلى دعم اتحاد شركات انتاج مستحضرات التجميل الألماني. وتكشف إحصائيات هذا الاتحاد أن الألمان يخصصون 12,9 مليار يورو سنويًا لشراء مستحضرات التجميل ومواد الرعاية الجسدية مثل الشامبو والصابون والغسول وغيرها.