يعرف الباحثون أن الحرمان من النوم يدفع الإنسان إلى المطبخ، ويعرف البعض بالتجربة أن الأرق يرفع شهيتهم للطعام في المساء. وكانت الظاهرة تفسّر على أساس هرموني حتى الآن، لكن العلماء الألمان كشفوا الآن عن دور للدماغ في الموضوع.

إيلاف من برلين: معروف أن الحرمان من النوم، أو الأرق المستمر، يؤدي إلى البدانة، لأنه يدفع الفرد إلى الأكل. ولاحظت دراسات سابقة أن الجوع الناجم من الأرق يدفع الإنسان لا شعوريًا إلى وجبات الطعام الدسمة والشوكولاته وغيرها من "القنابل الكوليسترينية".

تكشف دراسة من جامعة كولون الألمانية أن الجوع الناجم من الأرق، أو التعب الشديد، يحدث لأسباب تتعلق بالدماغ، وليس لأسباب تتعلق بالهرمونات والأنزيمات. ونشر التقرير في العدد الأخير من مجلة "العلوم العصبية".

وسبق للعلماء الأميركيين أن قدموا دراسة حول الموضوع تقول إن الحرمان المستمر من النوم الكافي يضر بصحة الإنسان. وأجرى الباحثون من شيكاغو التجربة في مختبرات النوم على مجموعة من الرجال الشباب، وتوصلوا إلى أن النوم لفترة أربع ساعات يوميًا طوال أسبوع قد أثر على استقلاب الهيدروكربونات ورفع مستويات الغلوكوز والكورتيزول في الدم.&

يؤدي مثل هذا الاضطراب إلى السمنة وزيادة احتمالات الإصابة بداء السكري ومرض ارتفاع ضغط الدم. وطرح العلماء الأميركيون نتائج دراستهم أمام "يوم النوم العالمي" في ميونخ.

تحفيز نظام المكافأة الدماغي
توصلت الباحثة جوليا ريم وفريق عملها، من قسم علم النفس البيولوجي في جامعة كولون، إلى أدلة تثبت تورط نظام المكافأة الدماغي في تسعير الشعور بالجوع الناجم من الأرق.

يذكر أن عمل "نظام المكافآت" الدماغي بسيط، إذ عندما يقوم الإنسان بسلوك معيّن يروقه، يقوم هذا النظام بمكافأة صاحبه بتفعيل الدوائر العصبية المرتبطة بالشعور بالمتعة. هذا يحفز الشخص على تكرار الفعل مصدر المكافأة.

لا يختلف الإدمان كثيرًا، لأنه يولد مقدارًا كبيرًا من المتعة والرضى النفسي للشخص، مما يدفعه إلى طلب المزيد، سواء كان إدمان مخدرات أو طعام أو تدخين أو حتى فايسبوك؛ لأنه يعطي قيمة بصرية خاطئة للتعبير عن القيمة الذاتية، أهمها الأعجاب أو المتابعة.
وعلى هذا الأساس، يبدو أن الدماغ يكافئ المؤرق بمزيد من الوجبات الغذائية المشحونة بالدهون والسكريات.

تجارب على بشر رشيقين
أجرت ريم وزملاؤها التجارب على32 امرأة ورجل رشيقين يتمتعون بصحة جيدة، ودعوهم إلى عشائين متتاليين، تفصل بينهما أيام عدة. ثم قسم الباحثون المتطوعين في فريقين، بقي أحدهما في المختبر وحرم من النوم، بينما ذهب الفريق الثاني إلى البيت ، وتمتع بالنوم في سريره.

فحص الباحثون في الصباح التالي كل المشاركين في التجارب بوساطة جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي. وركزت ريم وزملاؤها على الكشف عن النشاط الدماغي للمشاركين ، وهم يؤدون مهمات معينة. وقع على المشاركين أن يقدروا استعدادهم لدفع المال مقابل وجبات طعام معيّنة أو مقابل حاجات غير غذائية، وتم في الوقت عينه قياس نسب الهرمونات في دمائهم. كما تحتم عليهم أن يقدروا شدة جوعهم بحسب نظام من الدرجات.

قال الدكتور يان بيترز، الذي شارك في التجارب، إنهم عمدوا إلى دراسة دور العوامل الثلاثة التي قد تفسر الجوع بسبب الحرمان من النوم، وهي الدماغ والمكافأة والهرمونات.

نشاط دماغي ظاهر
ثبت للباحثين أن الحرمان من النوم أدى إلى زيادة تفضيل الغذاء على غير الغذاء لدى المشاركين في التجارب. وكان المحرومون من النوم أكثر استعدادًا لدفع المزيد من النقود من أجل وجبات الغذاء مقارنة بالذين ناموا بشكل طبيعي.

وفي صور جهاز الرنين الدماغي أظهرت منطقتين دماغيتين نشاطًا غير اعتيادي لدى المحرومين من النوم. ظهر هذا النشاط في منطقة "اللوزة" (Amygdala) في الفص الأمامي من الدماغ، وفي الغدة النخامية (الهايبوثالاماس).

كان الحرمان من النوم لليلة واحدة كافيًا لتنشيط نظام مكافأة غذائي دماغي، بمعنى السعي بنهم نحو الطعام، في هذه المناطق، وخصوصًا في اللوزة. وقال بيترز إن التجارب اللاحقة ستركز على معرفة الأسباب التي تؤدي إلى تنشيط هذه المناطق الدماغية دون غيرها بسبب الحرمان من النوم.

موت مبكر
كتب الفيلسوف المعروف آرثر شوبنهايمر مرة أن" قلة النوم مثل ساعة تقدِّم في الزمن"، ولخص بالتالي كامل علاقة اضطراب النوم بالموت المبكر للإنسان.

في واقع الحال، وحسب إحصائيات وزارة الصحة، يعاني 4 ملايين ألماني من اضطراب النوم، وهو ما يعرّضهم إلى مخاطر صحية جمة ، لأن العديد من الوظائف الحيوية، وخصوصًا الدماغية، تجري أثناء النوم.&

يعمل الدماغ أثناء النوم كما يعمل أثناء النهار، بل إنه يزداد نشاطًا عند مراودة الأحلام للإنسان، ناهيك عن أنه يصنف ويؤرشف كل خبرات اليوم أثناء النوم في المساء.