ماتشو بيتشو : استقبلت مدينة ماتشو بيتشو العائدة لحضارة الإنكا هذا الأسبوع طلائع السيّاح بعد إغلاق استمر ثمانية أشهر مذكّراً بالعزلة التي كابدتها لأربعة قرون قبل أن يعيد الأميركي هايرم بنغام اكتشافها سنة 1911.

وكان أوّل الزوّار الوافدين إليها زوجان فرنسيان وآخران من تشيلي، وذلك غداة الاحتفاء بإعادة فتحها رسميا بمراسم تقليدية للإنكا.

وقالت السائحة الفرنسية فيرونيك "يسعدنا جدّا أن نكون هنا اليوم". وكانت فيرونيك في البيرو مع زوجها وطفليها في إطار جولتهم في أميركا اللاتينية عندما تفشّى فيروس كورونا المستجدّ في البلد في مارس.

وكما الحال قبل الوباء، استأنفت حافلات السيّاح جولاتها المكوكية من بلدة ماتشو بيتشو بويبلو الأقرب إلى الموقع الأثري.

وقال خوان خوسيه غارسيا، وهو من تشيلي يبلغ الرابعة والثلاثين من العمر وينزل في ليما منذ مارس "فوجئنا بمعرفة أننا أوّل سيّاح دوليين يدخلون الموقع".

وأقرّت زوجته فيكتوريا موران "إنها لفرصة ثمينة حقّا أن نكون هنا بلا زحمة ناس"، علما أن الموقع المدرج في قائمة التراث العالمي لليونسكو سنة 1983 كان يستقبل قبل الوباء نحو 3 آلاف زائر في اليوم الواحد.

ولدواعي الأمن الصحي، لم يعد يسمح بدخول سوى 675 زائرا في اليوم الواحد. وأغلبية الزوّار الاثنين كانت من البيرو.

وفي ضوء آخر التطوّرات، فتحت بعض فنادق ماتشو بيتشو أبوابها الأحد لكن السواد الأعظم لا يزال مغلقا.

وبدأ "سانكتوري لودج"، وهو الفندق الوحيد الواقع في الجبل على بعد 50 مترا من مدخل المدينة، استقبال النزلاء مع سعر للغرفة يقرب من 1400 دولار.

وكان ينبغي في السابق حجز غرفة فيه قبل سنة أو سنتين، بحسب ما ذكّر مديره مايكل ليتاو.

اشتدّت وطأة وباء كوفيد-19 على البيرو وسجّلت أكثر من 900 ألف إصابة، من بينها 34 ألف وفاة على الأقلّ، في البلد الذي تقطنه 32 مليون نسمة.

وتقاس حرارة الزوّار والحرّاس عند مدخل الموقع ويلزم السيّاح بمراعاة التباعد الاجتماعي.

وسار السيّاح الاثنين على دروب هذه المدينة الحجرية التي يعني اسمها بلغة كيتشوا "الجبل القديم"، وسط ضباب انقشع في نهاية المطاف ليسمح لهم بتأمّل هذا الصرح المشيّد في عهد الإمبراطور باتشاكوتيك (1438-1471) الذي أُهمل بعد انهيار إمبراطورية الإنكا.

وأبقى هذا الضباب الذي يغطّي عادة جبال ماتشو بيتشو القلعة بمنأى عن الأنظار لأربعة قرون إلى أن وقع عليها هايرم بنغام (1875-1956) في 24 يوليو 1911.

وكان الأستاذ في جامعة يال قد علم بوجود موقع أثري في الجبال من أحاديث له مع السكان، لكنه لم يكن يتوقّع بتاتا أن يكون بهذه الضخامة.

فتوجّه إلى الجبل برفقة صبيّ. وكتب المستكشف بعد عقود في كتابه المعنون "مدينة الإنكا الضائعة"، "من عساه يصدّق ما اكتشفته؟".

وإذا كان هايرم بنغام هو من اكتشف الموقع "من الناحية الأثرية"، فإن الشاعر التشيلي بابلو نيرودا (1904-1973) هو من كشف عنه "من الناحية الشعرية".

ويصادف فتح الموقع مجدّدا للزوّار مع مرور 75 سنة على تأليف قصيدة "ألتوراس دي ماتشو بيتشو" (مرتفعات ماتشو بيتشو) التي عرّفت العالم على هذه المدينة في وقت لم يكن للتلفزيون أو للإنترنت وجود.

وكان نيرودا قد صعد الجبل على ظهر بغل سنة 1943 قبل ثلاث سنوات من فتحه للسيّاح. وفي العام 1945، ألّف الشاعر الحائز نوبل الآداب (1971) هذه القصيدة لتكريم "الأخ" المنسي من الهنود الحمر الذي شيّد القلعة.