تصدرت نانسي بيلوسي عناوين الأخبار من جديد بعد فوزها بولاية رابعة كرئيسة لمجلس النواب الأمريكي، فيما يمثل فصلاً جديداً في مسيرتها السياسية مع الديمقراطيين، وربما التحدي الأكبر بالنسبة لها حتى الآن.
ومع استعداد كامالا هاريس لتسلم مهام منصبها لتكون أول نائبة للرئيس في تاريخ البلاد، لن يصبح بوسع بيلوسي الاحتفاظ بعباءة المرأة الأقوى في السياسة الأمريكية.
غير أن السيدة البالغة من العمر 80 عاماً ستلعب دوراً حاسماً في تنفيذ أجندة الرئيس الجديد، الأمر الذي يعني أنه لا وقت للتفكير في خيبة أملها الشخصية بشأن نتائج انتخابات نوفمبر. إذ تتحمل بيلوسي مسؤولية تقلص أغلبية الديمقراطيين داخل مجلس النواب.
كما أن إعادة انتخابها رئيسة للمجلس جاءت بأغلبية ضئيلة فقط، عقب انشقاق عدد من زملائها الديمقراطيين.
لذا، يتعين أن تبرز بيلوسي خلال ولايتها الجديدة جميع صفاتها التي تمكنها من حشد أنصارها وإبعاد منتقديها على السواء.
وفي هذا تبرز فطنتها التشريعية، وقدرتها على الحفاظ على وحدة الحزب حين يقتضي الامر، وحنكتها على المسرح السياسي (وسنتحدث بالتفصيل لاحقاً عن تصفيقها الساخر أمام ترامب).
نانسي بيلوسي رئيسة لمجلس النواب الأمريكي مرة أخرى
فريق بايدن الإعلامي كله من النساء
نشأت في عائلة سياسية
صور الجمهوريون بيلوسي على أنها "ليبرالية من سان فرانسيسكو" مفتونة بالحكومة الكبيرة، تقف في أقصي اليسار فيما يخص القضايا الاجتماعية.
لكن جذورها تنحدر من نهج سياسي أكثر عملية، على الجانب الآخر من القارة.
فقد ترعرعت في كنف عائلة سياسية، وكانت الإبنة الأصغر ضمن سبعة أبناء في مدينة بالتيمور الساحلية بولاية ميريلاند، حيث كان والدها عمدة.
وذهبت إلى الجامعة في واشنطن القريبة، وهناك التقت الخبير المالي بول بيلوسي وتزوجا.
وانتقلا في البداية إلى مانهاتن ثم سان فرانسيسكو حيث كانت بيلوسي ربة منزل. وفي غضون ست سنوات كان لها خمسة أطفال (أربع بنات وولد).
بداية لشيء كبير
وانخرطت في السياسة عام 1976، إذ ساعدت حاكم كاليفورنيا، جيري براون، في الفوز بالانتخابات التمهيدية خلال ترشحه لمنصب الرئيس، معتمدةً على صلاتها العائلية القديمة.
ثم تدرجت في صفوف الحزب الديمقراطي بالولاية، قبل أن تصبح رئيسة له، وتفوز بمقعد في الكونغرس عام 1988.
ومن ثم شقت طريقها داخل مجلس النواب. وبحكم تمثيلها لمدينة تضم مجتمعاً كبيراً من المثليين، أعطت أولوية لتمويل أبحاث مرض الإيدز.
وفي عام 2001، ترشحت لمنصب مُراقب نظام حزب الأقلية في مجلس النواب، والذي يعد ويسجل أصوات نواب الحزب ويأتي في المركز الثاني في قيادته داخل المجلس، وفازت بأغلبية ضئيلة.
وفي العام التالي صارت زعيمة الأقلية المعارضة داخل مجلس النواب.
الوصول إلى القمة
كانت بيلوسي واحدة من أبرز الأصوات المعارضة للغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وقد تعزز هذا الموقف وحصد ثماره عام 2006 بفوز الديمقراطيين بالسيطرة على مجلس النواب للمرة الأولى منذ 12 عاما.
وحينها انتخبت بيلوسي من جانب حزبها رئيسة لمجلس النواب، لتصبح أول سيدة تتولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة.
وبعد أربع سنوات، فقد الديمقراطيون سيطرتهم على المجلس.
غير أن بيلوسي رغم الانتكاسة تغلبت على تحديات عدة، لتمسك بزمام الأمور من جديد مع صعود حزبها عام 2018.
ماهو دور رئيس مجلس النواب؟
يعد منصب رئيس مجلس النواب واحداً من مناصب الكونغرس المنصوص عليها في الدستور الأمريكي. ويحتل شاغله المركز الثاني في سلم الرئاسة، بعد نائب الرئيس.
ويعكس المكتب الضخم لرئيس مجلس النواب في مبنى الكابيتول هيبة المنصب، بشرفته الخاصة المطلة على نصب واشنطن التذكاري.
ويتمتع حزب الأغلبية في مجلس النواب فعلياً بسيطرة غير مقيدة على العملية التشريعية.
إذ يحدد رئيس المجلس ونوابه ورؤساء اللجان مشروعات القوانين التي تتم دراستها والتصويت عليها. كما يقررون جدول الأعمال والقواعد الحاكمة للنقاش.
وفي حال استطاع رئيس مجلس النواب الاحتفاظ بأغلبيته بصورة متواصلة، يمكن للعملية التشريعية داخل المجلس أن تسير بسلاسة.
فما بين عامي 2009 و2001، أصدر مجلس النواب برئاسة بيلوسي حزمة إنقاذ بقيمة 840 مليار دولار في أعقاب الانهيار الاقتصادي عام 2008.
كما عملت بقوة من أجل تمرير قانون الرعاية ميسورة التكلفة -الذي صار المعركة الحاسمة لرئاسة باراك أوباما- داخل مجلس النواب وصولاً إلى مكتب الرئيس.
اللحظة الأهم لبيلوسي
واجهت بيلوسي ظروفاً مختلفة للغاية بعودتها لمقعد رئيس مجلس النواب عام 2018.
إذ كانت حينها موضع غضب الجمهوريين، الذين بدورهم رأوا فيها تمثيلاً للنخبة القادمة من الساحل تدفع باتجاه سياسات إنفاق كبيرة وراديكالية.
وخلال حملة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2018، أشار رئيس مجلس النواب -الجمهوري حينها - ديفيد برات إلى نانسي بيلوسي و"أجندتها الليبرالية" 21 مرة خلال مناظرة واحدة.
وقد أسفر ذلك عن نتائج سلبية بالنسبة له ولحزبه، إذ حقق الديمقراطيون فوزاً تاريخياً في مجلس النواب.
غير أنه في ذلك الوقت كانت أمامها عقبتان تتمثلان في الرئيس دونالد ترامب وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل. وبالتالي فإن أي مشروعات قوانين نجح حزبها في تمريرها داخل مجلس النواب لم تتقدم أكثر من ذلك.
وفيما يخص لحظاتها الأكثر انتشاراً على الانترنت، فقد تجسدت في وسم تصفيق بيلوسي (#PelosiClap) عن موقفها الساخر خلال خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه ترامب بعد شهر من توليها المنصب. وما زال المشهد يحظى بشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي مشهد أكثر إثارة للجدل بعد 12 شهراً، مزقت بيلوسي كلمة ترامب أمام كاميرات التلفزيون. وفي وقت لاحق دافعت عن تصرفها -بعد اتهامها بالازدراء- واصفة كلماته بأنه "بيان مليء بالأخطاء".
مواجهة ترامب
في البداية ترددت بيلوسي في قيادة ثالث مساءلة لرئيس أمريكي.
لكن بعد تكشف المزيد عام 2019 بشأن تعاملات ترامب مع أوكرانيا، قالت إن الأمر يتضمن إساءة استخدام للسلطة لايمكن تجاهله.
وقد اُتهم ترامب بالضغط على أوكرانيا من أجل الحصول على معلومات تضر بمنافسه الديمقراطي جو بايدن واستخدام المساعدات العسكرية كأداة للضغط، غير أنه تمت تبرئته داخل مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
ماذا كان يفعل هانتر بايدن في أوكرانيا والصين؟
وقد كان بعض من أعضاء حزبها ممن طالبوا صراحة بإبعادها عام 2018 منبهرين بأدائها في مواجهة ترامب.
فإضافة إلى بعض التبادلات الكلامية المحمومة داخل المكتب البيضاوي، أحرزت بيلوسي بعض المكاسب التشريعية الكبرى على حسابه، في ملفات تخص تمويل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك والإغلاق الحكومي.
انتصار أجوف
كانت هناك توقعات كبيرة بزيادة الديمقراطيين لأغلبيتهم داخل مجلس النواب في انتخابات 2020، لكن الأمر انتهى بخسارتهم لمقاعد أعضاء في الكونغرس، إذ تجاوزت خسائر الحزب 12 معقدا.
ومن شأن هذه الانتكاسة أن تجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لبيلوسي، في وقت تخوض فيه معركة مستمرة للاحتفاظ برضا الجناح اليساري داخل حزبها.
ويقول مراسل بي بي سي لشؤون أمريكا الشمالية أنتوني زورتشر إن ولاية بيلوسي الجديدة يمكن أن تكون بمثابة التحدي السياسي الأكبر بالنسبة لها.
ويضيف "يجب عليها أن تُوجد طريقة لإقناع أغلبيتها الضئيلة بمواصلة العمل، وسط آمال في أن ينتزع الديمقراطيون أغلبية مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء ( بعد حسم انتخابات الإعادة بولاية جورجيا) أو إقناع حفنة من الجمهوريين المعتدلين بالدخول في تحالف داخل الكونغرس".
ويمضي قائلا " لا مثيل لقدرات بيلوسي على المناورة في الإجراءات البرلمانية وحماية حزبها من الانقسامات، سواء من اليسار أو الوسط. ويتعين عليها أن تواصل ذلك، مع هامش ضئيل للخطأ، إذا أرادت مساعدة جو بايدن في تحقيق بداية ناجحة لإدارته".
التعليقات