خلال القرن الماضي، أجبرت مئات الآلاف من الأمهات الشابات في عموم بريطانيا وفي مناطق أخرى من العالم على التخلي عن أطفالهن وتقديمهم للتبني، بسبب حملهن خارج إطار الزواج.
وفي اسكتلندا هناك نحو 60 ألف امرأة تم تبني أطفالهن لهذا السبب، وقد طلب منهن مؤخرا مشاركة قصصهن والتحدث عن معاناتهن بهذا الخصوص.
ومن بين أؤلئك الأمهات ليزا رولاند وهي من إدنبرة، وتعود قصتها إلى ثمانينيات القرن الماضي.
لم يكن عمر ليزا يتجاوز السادسة عشرة حين حملت بطفلها عام 1982.
وكانت لا تزال تلميذة، وهي تتذكر رد فعل طبيبها عندما أثبت الفحص حملها حين قال لها "من التي تصرفت كفتاة حمقاء ذلك الحين إذن؟".
وتضيف ليزا "شعرت بالخزي الشديد، (وصدقت) أنني كنت فتاة سيئة بالتأكيد، لقد فعلت شيئا سيئا. وشعرت بعزلة شديدة".
لم تكن ليزا متزوجة حينها بالطبع، وتقول إنها تعرضت لضغط كبير لكي تتخلى عن طفلها الصغير عقب ولادته ليتم تبنيه. ولم تستطع الحيلولة دون ذلك.
وتؤكد قائلة "لم أختر تسليمه للتبني، لقد قدم لي ذلك على أنه الخيار الوحيد المتاح".
وتضيف "كانت هناك تلميحات أيضا بأنني لن أتمكن يوما من الحصول على وظيفة، وأن (الاحتفاظ بالطفل) قد يدمر حياتي".
وأمضت ليزا ثلاثة أيام فقط مع طفلها، قبل أن يؤخذ منها.
وتقول "لقد سلمته، ثم دخلت إلى دورة المياه، وبكيت لنحو ساعتين. كان الأمر فظيعا للغاية".
"شعرت فورا بذلك الألم الهائل، هوة كبيرة وحزن، أحسست أنني فارغة في الجوف حقا"، كما تقول.
وحين سئلت ليزا عما إذا كانت قد تخلت عن طفلها، أم أنه أخذ منها؟ أجابت "طفلي أخذ مني".
خزي وشعور بالذنب
قبل نحو عشر سنوات، التأم شمل ليزا أخيرا مع ابنها كريس، وجمعتهما "علاقة رائعة"، كما تقول الأم التي توضح "لقد كانت علاقة مميزة حقا، شيء مثل القصص الخيالية".
لكن الشاب توفي للأسف قبل عامين ونصف في حادث سير مأساوي.
وتقول ليزا "كان الألم حينها قاسيا للغاية"، وتضيف "جعلني ذلك أدرك أنني لم أحزن على الطفل كما يجب أبدا، لقد كتمت الأمر كله في داخلي. وشعرت بالخزي وبإحساس هائل بالذنب لأنني لم أحارب من أجله. هل كنت أما بذلك السوء؟".
خلال سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أجبرت نحو 250 ألف امرأة في أنحاء بريطانيا على تسليم أطفالهن للتبني. وحُرم الكثير منهن من الحصول على مساعدات السكن إلى جانب مزايا ومساعدات اجتماعية أخرى، كان من شأنها ربما، أن تمكنهن من الاحتفاظ بالأطفال وتربيتهم.
بعض أؤلئك النساء لم ينجبن بعدها أي أطفال آخرين، وقلن إن تلك التجربة وانتزاع أطفالهن منهن سببا لهن حزنا لا يفارقهن مدى الحياة.
ولم يقتصر قسر الأمهات غير المتزوجات على إعطاء أطفالهن للتبني على بريطانيا، ففي عام 2013، أصدرت أستراليا أول اعتذار حكومي رسمي في العالم عن إجبار الأمهات على تسليم أطفالهن للتبني، وأعلنت تحملها المسؤولية عن تلك الممارسة.
وقبل أربع سنوات، أوصى مجلس الشيوخ الكندي الحكومة الفيدرالية بالاعتذار رسميا من 300 ألف امرأة كندية، للسبب نفسه.
وفي يناير/ كانون الثاني العام الماضي، اعتذر رئيس الوزراء الأيرلندي، مايكل مارتن من الأمهات اللواتي أقمن سابقا في منازل إيواء الأمهات والأطفال في أيرلندا، عن الطريقة التي عوملن بها طوال عقود عدة.
وبعد ذلك بعدة أشهر، تقدمت مونيكا لينون من حزب العمال الاسكتلندي والعضوة بالبرلمان، باقتراح بشأن الاجبار التاريخي للنساء على تسليم أطفالهن للتبني، ودعت الحكومة الاسكتلندية للاعتذار منهن نيابة عن الأمة.
وطلبت لينون من الوزراء تسريع عجلة ما يقام به بهذا الخصوص من أجل الوصول إلى لحظة تقديم الاعتذار الرسمي.
كما أطلق البرلمان البريطاني في ويستمنستر في لندن تحققيقا منفصلا، خاصا به بخصوص حالات تسليم الأطفال قسريا للتبني.
وباشرت اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في البرلمان بجمع الأدلة قبل عيد الميلاد الماضي، ومن المقرر أن تقدم تقريرها في وقت لاحق من هذا العام.
كما أطلق وزراء اسكتلنديون مؤخرا استطلاع رأي عبر الإنترنت يتيح للأمهات والعائلات التي عانت من تسليم الأطفال القسري للتبني مشاركة التجارب والقصص، وعرض وجهات النظر.
ولم تصدر الحكومة الاسكتلندية اعتذارا رسميا، لكنها قالت إن الاستطلاع سيسمح للناس بمشاركة "وجهات نظرهم ورؤيتهم" وسيوفر معلومات تساعد سير عملية الدعم.
كما تم أيضا، وبالاشتراك مع الجمعية الخيرية التي تعنى بالصحة العقلية Health in Mind، إنشاء خط مساعدة خاص، يشرف عليه موظفون لديهم خبرة في فهم الصدمات والرضوض النفسية، وكيفية التعامل معها.
وقالت وزيرة الأطفال الاسكتلندية كلير هوغي، إنها تقدم تعاطفها الصادق مع العائلات التي مرت بتجربة التسليم القسري للأطفال للتبني، وإن هذه القضية "تستحق أن ينظر فيها بالشكل الصحيح".
اعتذار طال انتظاره
وترى الوزيرة الاسكتلندية هوغي أن "سماع تلك الأصوات سيساعدنا على فهم شكل الدعم والتحرك المطلوبين. إن آخر ما أود القيام به هو الطلب من اللواتي عانين أن يعدن إلى ذكريات الصدمة التي عشنها، ولكن إذا شعرن بأنهن قادرات على ذلك، فأشجعهن على إبداء آرائهن وتبادل خبراتهن".
وتضيف "آمل بأن نتمكن من العمل سويا لاستكشاف الخطوات القادمة".
لكن النائبة مونيكا لينون، ترى أن الاستطلاع سيخبر الحكومة "بما دأبت النساء على قوله للسلطات منذ سنوات".
وقالت "إن تقديم اعتذار للنساء اللائي أجبرن تاريخياً على التخلي عن أطفالهن للتبني أمر تأخر كثيرا. الوقت ينفد بالنسبة للعديد من هؤلاء الأمهات، وهناك أخريات أصبحن في القبور فعلا بعد حياة كاملة من الحزن والشعور بالذنب".
وتضيف أن "سماع عبارة 'نحن آسفون' من رئيسة الوزراء سيساعد على إنهاء وصمة العار، والبدء في عملية الشفاء من عبء الشعور بالخزي الذي تحملته النساء طوال عقود".
وتشير لينون إلى أن "(رئيسة الوزراء) نيكولا ستيرجن لم تكن مسؤولة عن هذا الظلم التاريخي، ولكن الاعتذار سيكون بمثابة هدية يمكنها تقديمها، وعليها أن تقوم بالتصرف الصحيح".
التعليقات