إيلاف من لندن: على بعد ثلاثة أميال فقط من قلعة ويندسور، في قلب الريف الإنجليزي المورق، يقع "رويال لودج"، القصر الذي تبلغ تكلفته 30 مليون جنيه إسترليني، والذي بات في صلب معركة ملكية خفية بين الشقيقين، الملك تشارلز الثالث والأمير أندرو. المشهد هنا، كما يبدو من الخارج، يبعث على الطمأنينة؛ أشجار البلوط القديمة تحيط بالقصر، ومساحات خضراء تمتد بلا نهاية. لكن خلف هذه الصورة المثالية، تدور واحدة من أكثر القضايا تعقيداً داخل العائلة الملكية البريطانية.
الملكة الراحلة إليزابيث وشقيقتها مارجريت مع كلبهما في رويال لودج عام 1940
ووفقاً لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن الأمير أندرو، دوق يورك البالغ من العمر 64 عاماً، يرفض مغادرة النزل الملكي رغم الضغوط المتزايدة. مصادر مقربة من العائلة تشير إلى أن الملك تشارلز، البالغ من العمر 76 عاماً، يسعى لإقناع شقيقه الأصغر بالانتقال إلى "فروغمور كوتاج"، المقر السابق للأمير هاري وميغان ماركل، والذي يعتبر أكثر تواضعاً وأقل تكلفة من الناحية التشغيلية. لكن أندرو، الذي وصفه الخبراء بأنه يعاني من "أوهام العظمة"، لا ينوي التنازل عن قصره الفخم بسهولة.
وفقاً لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، فإن رفض أندرو للانتقال من القصر جعل الملك تشارلز يشعر بالإحباط والغضب. كما أن هناك تقارير تشير إلى أن الأمير ويليام "يضع عينه" على القصر ليعكس دوره الجديد كوريث للعرش. انتقل أندرو إلى النزل الملكي في عام 2004 وجعله منزلاً لعائلته، حيث يعيش هناك مع زوجته السابقة سارة فيرغسون.
سارة فيرغسون طليقة الأمير أندرو وشريكته في المسكن
إن عقد الإيجار الموقع في عام 2003، والذي يمتد لـ75 عاماً، يمنح الأمير أندرو حق البقاء في القصر طالما تمكن من تحمل نفقات الصيانة السنوية التي تبلغ 400,000 جنيه إسترليني. وكان قد دفع مليون جنيه إسترليني مقدماً مقابل العقد، متعهداً بإجراء الترميمات الضرورية، وإعادة طلاء المنزل من الخارج كل خمس سنوات. وتشير التقارير إلى أن أندرو أنفق ما يقرب من 7 ملايين جنيه إسترليني على تجديد العقار.
ويقول الخبراء إن هذه القضية أصبحت بمثابة اختبار لقوة الملك تشارلز في التعامل مع أفراد الأسرة الذين يرفضون الامتثال لقراراته. ففي حين أن القصر ملك للتاج الملكي، إلا أن العقد يحمي أندرو من الإخلاء ما لم يخالف شروطه، مثل الفشل في تغطية تكاليف الصيانة.
الأميرة إليزابيث تراقب والدها الملك جورج السادس على مكتبه في النزل الملكي عام 1942
يمتد النزل الملكي على مساحة 98 فداناً ويضم 30 غرفة، بما في ذلك سبع غرف نوم، وغرفة رسم كبيرة وصالون. كما يحتوي على عدة مساكن أخرى، بما في ذلك كوخ البستاني وستة أكواخ إضافية مخصصة لأفراد الأمن.
الملك جورج السادس، والملكة إليزابيث، والأميرة إليزابيث، والأميرة مارغريت يقفون لالتقاط صورة في حدائق المقر الملكي عام 1946
ويكشف الفيلم الوثائقي المرتقب "معركة رويال لودج"، الذي ستعرضه القناة الخامسة البريطانية، عن تفاصيل هذه المواجهة الملكية، مستعرضاً آراء الخبراء والمؤرخين الذين يرون أن تمسك الأمير أندرو بالقصر ليس سوى محاولة للتشبث بآخر ما تبقى له من مجد الماضي. ويقول المؤلف غاريث راسل إن القصر كان دائماً مكاناً يلجأ إليه أفراد "العائلة الملكية البريطانية"، الذين لم يحظوا بشعبية واسعة.
الملك جورج السادس وزوجته الملكة إليزابيث مع ابنتيهما الأميرة إليزابيث والأميرة مارغريت في النزل الملكي عام 1946
لقد كان النزل الملكي موطناً لأفراد "العائلة الملكية البريطانية"، منذ قرون. ففي ثلاثينيات القرن الماضي، كان المنزل بمثابة ملاذ للملكة الأم والملك جورج السادس، حيث شهد سنوات الحرب العالمية الثانية المضطربة. وتصفه الملكة الأم بأنه "بيت الذكريات السعيدة"، إذ كانت تقضي فيه أيامها بين الحدائق الواسعة والديكورات التي اختارتها بعناية.
لكن الوضع تغير اليوم. فالأمير أندرو، الذي يُقال إنه يقضي معظم وقته في "لعب ألعاب الفيديو" وتتبع مسارات الطائرات، لم يعد يتمتع بالدعم المالي الذي كان يحظى به سابقاً. كانت الحكومة قد ألغت في عام 2022 الحماية الأمنية الممولة من الدولة، والتي بلغت تكلفتها 3 ملايين جنيه إسترليني سنوياً. ومنذ ذلك الحين، تكفل الملك تشارلز بدفع تكاليف الأمن الخاصة حتى تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، قبل أن يتوقف.
صورة للأميرة مارجريت وأنتوني أرمسترونج-جونز معاً في رويال لودج لصور خطوبتهما في عام 1960
وتتساءل الخبيرة الملكية أفوا هاغان عن سبب تمسك الأمير أندرو بالقصر قائلة: "ليس لديه أي شيء آخر، ليس لديه أي من ألقابه الملكية، ليس لديه ألقابه العسكرية، إنه ليس ملكياً عاملاً. إنها آخر جزء من المكانة التي يمكنه التمسك بها، وسوف يتمسك بها بكل ما أوتي من قوة".
المعركة حول رويال لودج تتجاوز الجدران الحجرية العتيقة، فهي تعكس صراعاً أعمق حول الصورة العامة للتاج البريطاني، وما يعنيه فقدان السلطة والمكانة في عالم يحكمه الإعلام والفضائح. وبينما يسعى الملك تشارلز لإعادة تشكيل النظام الملكي بحلة أكثر تقشفاً وعصرية، يظل الأمير أندرو عالقاً في مجد الماضي، رافضاً الاعتراف بأن الزمن قد تغير.
* أعدت إيلاف التقرير عن: ديلي ميل (المصدر) وإندبندنت (المصدر)














التعليقات