يتصرف عدد من المسؤولين اللبنانيين بقسوة ظاهرة مع المرأة اللبنانية، متمسكين بفائض من الذكورية راكموه من عهد الميليشيات، واحتفظوا به في عهد "الدولة".

بيروت: تتعدد حالات التعدي الذكوري "القيادي" على النساء في لبنان. ولربما كان أكثر هذه الحالات نفورًا رفض "نخبة منتقاة" من نواب الأمة اللبنانية التوقيع على مشروع قانون تجريم كل أشكال العنف ضد النساء، منها الاغتصاب الزوجي، ومنها أيضًا الحط من قدرها ومقامها.

عقلية الميليشياوي

هذا الرفض النافر أثار حفيظة&عدد من الجمعيات الحقوقية اللبنانية، التي حاولت مرارًا التعبير عن غيظها من التعالي الذكوري الرسمي على نصف اللبنانيين، بل أكثر من نصفهم اليوم. ومع أن "قانونًا ما" ضد الاعتداء على المرأة قد مرر في البرلمان وأقر بنسخة لم ترضِ النساء ولا الجمعيات النسوية، تستمر حالات التعدي على اللبنانيات بالصفعة أو الكلمة، بالتحرش أو بالتضييق.

ليس التمسك بفائض الذكورية مستغربًا في المسؤولين اللبنانيين، فجلهم من الجيل "المخضرم"، أي الذي شهد الحروب اللبنانية الأهلية مسلحًا، ثم دخل عهد السلم الأهلي مسؤولًا، يأمر في الدولة وينهي، بعقلية "الميليشياوي" المتأصلة فيه، حتى لو اجتهد ليكون ذلك "الجنتلمان".

لم يضربها... ولكن!

آخر سبحة الاعتداءات كان ما فعله المحامي السابق والوزير السابق والنائب الحالي نقولا فتوش بالموظفة في قسم شكاوى قصر العدل ببعبدا منال ضو، من اعتداء كلامي تخلله شتم وسباب، وهو اعترف بلسانه إنه قال لها، وهي الموظفة في القطاع العام أولًا وفي قصر العدل ثانيًا: "غصب عن رقبتك مفروض تسجلي الشكوى".

هذا كافٍ لتوجيه إدانة إنسانية لمحامٍ، صار سابقًا الآن بشطب نقابة المحامين اسمه من جداولها، عليه مراعاة القوانين، ولنائب يعمل بالشأن العام وعليه مراعاة مواطنيه، حتى لو لم يكونوا من ناخبيه.

لم يضرب فتوش الموظفة منال ضو، لكنه نال من كرامتها، ومن كرامة كل موظفي الادارة العامة بلبنان، من خلال الشتائم التي وجهها إليها.

لم يضربها، لكنه رفع يده ناويًا ضربها، لو لم يمسكوه عن ذلك. وإن كان بعض الأعمال بالنيات، فهو نوى صفعها، أي إهانتها، والبقية متروكة للقضاء اللبناني، كي يفصل في مسألة تبدو أنها ستتصاعد، في قصر العدل كما في حلبة المصارعة السياسية اللبنانية، شأنها شأن أي مسألة أخرى، خصوصًا بعدما رد فتوش المسألة إلى "مؤامرة تستهدف مواقفه الوطنية الانقاذية".

عنف موصوف

إن كانت واقعة فتوش - ضو دخلت دهاليز القضاء وزواريب السياسة، فالواقعة التي قبلها بقيت رهينة مقطع مصور، جال مواقع التواصل الاجتماعي طولًا بعرض، من دون أي مساءلة أو متابعة. فأمام وزير الخارجية الاماراتي، وعلى مرأى من الجميع، ظهر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل يشير بإشارة "غير لائقة" أثناء حديثه عن كارولاين زيادة، القائمة بالأعمال اللبنانية في هيئة الأمم المتحدة.

فأثناء تقديم باسيل للدبلوماسية زيادة إلى الشيخ عبدالله بن زايد، عبر له عن جمالها بطريقة لبنانية تعني أنها جميلة المظهر. ظهر باسيل بهذه الحركة مروجًا لجمال المرأة اللبنانية الخارجي فقط، من دون أن ينتبه إلى ما تتميز به من قدرات تغطي حتى على جمالها الخارجي، خصوصًا أن من يتكلم عنها تقف ممثلة لبنان في أعلى منظمة دولية مقامًا.

وأصدرت 11 جمعية لبنانية بيانًا مشتركًا وصفت فيه حركة يد باسيل بأنها تذكير بالإرث الذكوري الذي ينظر إلى المرأة وكأنها ما زالت في عصر الحريم، مشددة في بيانها على أن ما صدر عن باسيل عنف لفظي ومعنوي موصوف، وطالبة منه الاعتذار العلني من زيادة اولًا، ومن اللبنانيات اللواتي أُهنّ من خلالها ثانيًا.

اعتذر باسيل مواربة، رادًا الأمر إلى تعرضه لمؤامرة تخريبية تستهدف زيارته الناجحة إلى نيويورك، حيث حصلت الواقعة.

&استغلال نفوذ

من باب حسن النية، يمكن القول إن باسيل ما قصد تحرشًا بـ"كارولاين"، ولا تسويقًا لها، بل وقع في مطب ذكوريته اللبنانية الفائضة أيضًا. إلا أن محافظ بيروت والشمال بالوكالة السابق ناصيف قالوش تمادى إلى حد التحرش وطلب غايته صراحة& من الموظفة هدى سنكري، المتعاقدة مع بلدية المينا لإدارة مختبرها الصحي، تحت تهديد قطع رزقها، وهي التي فضلت حينها لو يقطع عنقها، في استغلال مادي لمنصب عام، يسمح لصاحبه بإيقاف موظفة عن عمل تعتاش منه، وفي انتهاك معنوي لكرامة المرأة.

وسنكري، خوفًا على سمعتها ومستقبلها المهني، انصاعت لدعوة قالوش لها بزيارته في مكتبه، لتسجّل له بالفيديو ما فعله معها في لقاء سابق، خصوصًا بعدما أنهى تعاقدها انتقامًا منها لرفضها الانصياع له.

لجأت إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حينها نجيب ميقاتي، فما نفع، فقررت فضح قالوش بالصوت والصورة. وكان "المحافظ" صريحًا في قوله، المثبت في الفيديو: "مش عم بمضيلك لأنك ما عم تحكي معي"، إلى غير ذلك من عبارات التحرش الواضحة، وجملٍ تدل على ربطه تجديد عقدها بنيله ما يريده منها.

حاول قالوش التملص برمي التهم بوجه سنكري جزافًا، والنيل من سمعتها ليبرئ ساحته، إلا أن نظرية المؤامرة لم تكن مناسبة حينها، فاستقال.

ضربها في مكتبه

قبل قالوش، أشيع عن وزير السياحة السابق فادي عبود انه اعتدى بالضرب على إحدى موظفات الوزارة.

وقالت تقارير صحفية حينها إن عبود ضرب موظفة في وزارة السياحة بعنف، اثناء وجودها في مكتبه. وهذا الاعتداء كما أشيع، استدعى تدخل زملاء الموظفة والدخول إلى مكتب الوزير لانقاذها من بين يديه.

لم يكشف عن اسم الموظفة، التي آثرت عدم الادعاء على الوزير خوفًا على لقمة عيشها. وكشفت التقارير نفسها أن عبود يتعامل بشكل سيئ جدًا مع موظفة مرموقة في وزارة السياحة، وفكرت أكثر من مرة بالاستقالة من منصبها انتصارًا لكرامتها.

نفى عبود واقعة ضربه إحدى موظفاته في الوزارة، أو طرده أي موظف، رادًا ذلك إلى "حملات مسعورة" عليه.