رسمت منظمة العفو الدولية صورة قاتمة لأوضاع النازحين العراقيين جراء المواجهات مع تنظيم "داعش"، وقالت إن ظروف الشتاء القاسية كشفت عن ثغرات مروعة في إيصال المساعدات الانسانية إلى الآلاف منهم، وحذرت من انهم يفتقرون إلى المقومات الأساسية المطلوبة للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء.


لندن: قالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها اليوم& إن غياب التنسيق والثغرات الكبيرة في مجال المساعدات الإنسانية يسبب مشقة لا توصف لغالبية 900.000 شخص نزحوا بسبب الصراع في العراق ولجأوا إلى إقليم كردستان العراق.

وأشارت إلى أنّ وفدًا من مندوبي المنظمة عاد لتوه من زيارة إلى "إقليم كردستان" قد وجد أن العديد من النازحين يفتقرون إلى المقومات الأساسية المطلوبة للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء، مثل البطانيات والملابس الدافئة والتدفئة. فالآلاف يعيشون في مخيمات سيئة التجهيز أو في مستوطنات عشوائية، في ظروف قاسية للغاية.

&وفي هذا السياق، قالت مستشارة حقوق اللاجئين في منظمة العفو الدولية، خير النساء ضالع، "إن الثغرات في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية تبعث على الصدمة ونتيجة لذلك، يعيش عشرات من الناس في مخيمات غير مجهزة أو في&مبانٍ مهدمة الجدران دونما وقاية من البرد والريح والمطر ويلعب الأطفال في كل مكان بملابس رقيقة في البرد القارس وفي بعض المخيمات، لا تعد المراحيض والمياه النظيفة كافية. ولا وجود لها في بعض المواقع خارج المخيمات ومع دخول فصل الشتاء، من المرجح أن تزداد الأوضاع سوءاً إلى حد كبير".

وأضافت "يتعين على المجتمع الدولي وحكومة إقليم كردستان بذل جهود منسقة لضمان تقديم المساعدة لهؤلاء الذين ينشدون الحماية داخل المخيمات أو خارجها، من أجل تجنب حدوث كارثة إنسانية شاملة".

وأوضحت أن حكومة إقليم كردستان بذلت بعض الجهود لتوفير أماكن الإقامة والخدمات الطارئة لهؤلاء النازحين إلا أن استجابة المجتمع الدولي كانت بطيئة، وبشكل عام، فإن المعونات الإنسانية ليست كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين.

وأكدت وجود نقص حاد في التمويل. حيث تلقت "خطة الأمم المتحدة للمواجهة الاستراتيجية للأزمة في العراق" للفترة 2014- 2015، ما يقدر بنحو 33 في المائة فقط من التمويل اللازم وحتى الآن، جرت تغطية الجزء من الميزانية الخاص بالمأوى والمواد الأساسية الأخرى بنسبة 23 بالمائة فقط. ويتوافر التمويل للعديد من مشاريع للأمم المتحدة حالياً حتى آذار (مارس) عام 2015 فقط.

وأشارت خير النساء ضالع إلى انه "بوجود احتمال ضئيل في أن يعود النازحون قريباً إلى ديارهم، هناك حاجة إلى تحسين مستوى التمويل والتخطيط والتنسيق لتوفير الدعم الملائم لأولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم".
&
المأوى

وقالت العفو الدولية إن 120 الف نازح من المهجرين داخلياً يعيشون في الوقت الراهن، في 12 مخيماً في محافظة دهوك تديرها وكالات إنسانية أو حكومة إقليم كردستان ومع ذلك، فإن قدرة هذه المخيمات غير كافية لاستضافة جميع النازحين داخلياً. وتتوزع الغالبية في مئات العشوائيات غير الرسمية في مواقع للبناء، ومراكز للمجتمع المحلي وغير ذلك من المواقع. وهناك آخرون في مساكن خاصة.

&وتختلف مستويات الإقامة والمرافق والخدمات اختلافاً كبيراً من مخيم إلى آخر. ففي "بيرسيف "، وهو مخيم يستضيف نحو 10,000 شخص، لم يجرِ عزل الخيام بالكامل لمقاومة المطر، ولا يتوفر الماء الساخن، وعدد المراحيض والحمامات المتاحة لا يفي بالمعايير الإنسانية الدنيا. وقد دفع سوء الأوضاع في عدة مخيمات بعض النازحين إلى البحث عن المأوى في مكان آخر.
&
وزارت منظمة العفو الدولية كذلك المستوطنات العشوائية في ديربون وزاويتا، وتبين لها أن هناك نقصاً في المساعدات ونقصاً حاداً في المرافق الصحية. ويعيش نحو 40 في المائة من النازحين في محافظة دهوك في مواقع البناء وفي مبانٍ غير مكتملة وتفتقر غالبيتها إلى الجدران أو النوافذ أو الأبواب وتترك من يحتمون داخلها مكشوفين للبرد والرياح والأمطار. كما تفتقر إلى مرافق التدفئة والمياه والصرف الصحي. وتأكدت منظمة العفو الدولية أيضاً من حالات سقوط للأطفال من المباني ومقتلهم أو إصابتهم بجروح خطيرة نتيجة لذلك.

وقد ابلغت العديد من العائلات التي لجأت إلى هذه المباني منظمة العفو الدولية أنها لم تكن لتبقى على قيد الحياة لولا النوايا الطيبة التي أبداها المجتمع المضيف وأنها لم تتلقَ أية مساعدات سوى ذلك منذ أشهر وقد بدأت آثار الضغوط على المجتمع المضيف تظهر. وقال بعض أصحاب العقارات الخاصة لمنظمة العفو الدولية إنهم يريدون أن يترك النازحون مواقعهم، من أجل استكمال البناء.

وكانت خاني، وهي امرأة تبلغ من العمر 22 سنة وتعيش في الطابق السفلي من مبنى غير مكتمل مع ست عائلات أخرى، من بين هؤلاء الذين طلب منهم المغادرة وليس لديها مصدر للماء أو الغاز، بينما حصلت على مدفئة قدمتها لها إحدى الجمعيات الخيرية.. وقالت: "نحن بحاجة إلى مزيد من الملابس والبطانيات وهذه هي أولويتنا في الوقت الراهن".

وأشارت المنظمة إلى أنّه بينما بذلت حكومة إقليم كردستان جهوداً لنقل أولئك الموجودين في المباني غير المكتملة إلى المخيمات، لا يبدو أن الحكومة قد تدارست أمر إيجاد حلول بديلة، كالبحث عن سكن مناسب في أماكن خارج المخيمات.

وقالت خير النساء ضالع: "إن للأشخاص الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى بعد أن فروا من العنف المتصاعد في العراق الحق في الأمان والدفء والمأوى الملائم، وهذا أمر ملح، خاصة أن فصل الشتاء قد بدأ. وينبغي عدم إخلاء أي شخص من المأوى الذي يقطنه إذا لم يكن لديه مكان آخر يذهب إليه. ويتعين على سلطات حكومة إقليم كردستان العمل مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لضمان حصول النازحين على مأوى ملائم".

واختتمت خير النساء ضالع بالقول: "يتعين أن يكون التعليم إحدى أهم أولويات المواجهة الإنسانية للأزمة، فقد خسر هؤلاء الأطفال ديارهم بالفعل، ويتعيّن أن لا يحرموا من حقهم في التعليم".
&
فرص التعليم

&وقالت العفو الدولية إن 252 الف طفل نازح ممن هم في سن الدراسة (تتراوح أعمارهم بين ست سنوات و17 سنة) في إقليم كردستان ويذهب عدد قليل جداً من أطفال الأسر إلى المدارس.

ومع افتقار العديد من المخيمات إلى المدارس ولا تستطيع بعض الأسر أن تدفع أجور المواصلات وفي حالات أخرى، تحتاج الأسر إلى أطفالها كي يعملوا من أجل البقاء على قيد الحياة. وذكر بعض الآباء أن الأطفال الذين درسوا سابقاً المنهاج باللغة العربية، الذي يدرّس في بقية مناطق العراق، لم يتمكنوا من متابعة المناهج الدراسية الكردية.

ودعت المنظمة السلطات إلى التعاون مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية لتحسين مستوى تسجيل جميع أولئك الذين نزحوا داخلياً، من أجل ضمان تلبية احتياجاتهم وتقييم مواطن الضعف التي يعانون منها بشكل صحيح.
&
أعمال العنف دفعت بمليوني عراقي إلى النزوح

&وقد نزح منذ بداية عام 2014 أكثر من مليوني عراقي بسبب أعمال العنف الجارية في مختلف أنحاء البلاد. ويستضيف إقليم كردستان 48 في المائة من مجموع النازحين، أي ما يقدر بنحو 946,266 شخصاً.
&
ومنذ كانون الثاني (ينيار) الماضي شهد إقليم كردستان ثلاث موجات من النزوح الداخلي، نتيجة زحف تنظيم "داعش" على مناطق شاسعة من البلاد. وحدثت الموجة الأولى بعد سيطرة قوات التنظيم على أجزاء من محافظة الأنبار بين كانون الأول (ديسمبر) عام 2013 وكانون الثاني (يناير) عام 2014، مما دفع الأسر في مناطق النزاع وهم من العرب السنة في الغالب إلى الفرار.

وحدثت الموجة الثانية من النزوح بين حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) عام 2014 بعد استيلاء قوات الدولة الإسلامية على مدن وقرى في شمال العراق وأبرزها الموصل، مما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من الأهالي قسراً، بما في ذلك العديد من المنتمين إلى أقليات دينية وعرقية. ثم حدثت الموجة الثالثة في أعقاب استيلاء الدولة الإسلامية على منطقة سنجار في شمال غرب العراق في 3 آب (أغسطس) عام 2014 حيث تسبب ذلك في نزوح مئات الآلاف من السكان ومعظمهم من الأقلية الأيزيدية.