في عالم غلبت عليه سمة الرقمية، تستعد واشنطن بوست، بعد 136 عامًا من الورق، للدخول إلى ميدان الصحافة الرقمية، عاملة على إعادة ابتكار العمل الإخباري من جديد.


ساره الشمالي من دبي: خلال أربعة عشر عامًا ماضية، ترأس مارتي بارون تحرير أكبر الصحف الأميركية، مثل quot;ميامي هيرالدquot; وquot;بوسطن جلوبquot; وquot;واشنطن بوستquot;. وفي كل منها، كان يُضطر لتخفيض الميزانيات وتسريح موظفين. ويصف عمله هذا بالقول: quot;كانت هذه هي حياتي، رئيس تحرير تنفيذيquot;.

مبادرات جديدة

إلا أن عمله الحالي مختلف. فصحيفة quot;واشنطن بوستquot; تدخل حقبة جديدة من الاستثمار، بعد أن استحوذ عليها مؤسس أمازون، جيف بيزوس، في العام الماضي بـ 250 مليون دولار، وانتزعها من عائلة جراهام التي امتلكتها ثمانية عقود، وحوّلها إلى شركة خاصة تحقق الأرباح.

انتهت الصفقة منذ نحو ستة أشهر، وظهرت مبادرات تُشير إلى جهود الصحيفة لبناء عمل صحافي رقمي مستدام، عامودها الفقري برنامج جديد، يوسع انتشار الصحيفة أميركيًا ودوليًا، بمنح المشتركين من الصحف والخدمات الشريكة إمكانية الوصول المجاني إلى المنتجات الرقمية غير المجانية.

ستبدأ هذه المبادرة في أيار (مايو) القادم مع صحف أخرى، يمكن أن تتوسع لتشمل أي شركة تبيع الاشتراكات، كخدمة quot;برايمquot; للتوصيل من أمازون. وفي خط موازٍ، عين بارون نحو 36 موظفًا إضافيًا في مكتب التحرير، للعمل في 600 موظف يعملون كالنحل في خلية غرفة الأخبار، يكونون عماد المبادرات الجديدة.

يقول بارون: quot;نفكر بشكل واسع جدًا في وضعنا مستقبليًا، بدلًا من مجرد التفكير في كيف نعيش ضمن حدود مواردناquot;.

إحياء أساليب قديمة

في الآونة الأخيرة، حفز التراجع الصحفي النشري إعادة الابتكار، فظهرت مبادرات لإعادة ابتكار أساليب قديمة في العمل الإخباري، في معظمها بدون التكاليف التقليدية لنشر صحيفة مطبوعة، مثل استحواذ بيزوس على واشنطن بوست، وإطلاق بيير أوميديار، مؤسس إيباي، لشركة فيرست لوك ميديا مع الصحافي جلين جرينوولد، ورحيل الكاتب المخضرم في صحيفة نيويورك تايمز، بيل كيلر، للعمل لدى مشروع مارشال، أحد منافذ الأخبار والتحقيقات غير الربحية، يغطي نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة.

وكذلك تدفقت أموال جديدة من قطاع التكنولوجيا ومن أصحاب رأس المال المغامرين لملء فجوات خلفها غياب الإعلانات.

يقول كيلر: quot;لقد كانت النماذج التقليدية متآكلة جدًا، ومختلّة وظيفيًا، تجعلك تبحث في أي مكان قدر استطاعتكquot;. وكيلر هجر نيويوك تايمز ليكون رئيسًا للتحرير في مشروع مارشال الناشئ، مع 20 إلى 25 صحافيًا يعملون بدوام كامل، وبميزانية تشغيل سنوية تتراوح بين أربعة وخمسة ملايين دولار. ويعلق كيلر: quot;ما يُميّزنا هو أننا سنكون شركة غير ربحية عن قصدquot;.

تحفيز الابتكار

ويقول نيل بارسكي، الصحافي السابق والمستثمر الذي يريد إعادة إحياء صحافة التحقيقات، إنه رأى فرصة في إنشاء مشروع صحافة تحقيقات رقمية تغوص عميقًا في نظام المحاكم والسجون الأميركية، حيث توجد مواضيع لا يكشف عنها، لأن وسائل الاعلام تقلص التقارير الإخبارية المتعمقة.

إن الدمج بين تكنولوجيا النشر الرخيصة وإمكانية استخدام الصحافيين وسائل الإعلام الاجتماعية لبناء علامات تجارية فردية واجتذاب الجماهير، يعمل على تحفيز الابتكار. وبحسب إيريك باتس، رئيس التحرير التنفيذي السابق في رولينج ستون، والذي يقود فريق التحرير في شركة فيرست لوك: quot;بإمكانك أن تعرف أن هناك شيئًا من روح العصر يحدث. إنها مثل اختراع واكتشاف حساب التفاضل والتكامل في آن معًا، وما نحن على وشك رؤيته هو تجربة صحافية في الوقت الحقيقي، حيث يفعل أشخاص مختلفون الشيء نفسه بطرق مختلفةquot;.

وفي شركة فيرست لوك، ينوي أوميديار استثمار 250 مليون دولار في مجموعة الصحافة غير الربحية، التي وصفها بأنها quot;زواج بين شركة تكنولوجيا ونوع جديد من غرف الأخبارquot;. وستقوم المجموعة بإنتاج مجموعة منشورات رقمية متعددة، مع إطلاق موقع رائد في وقت لاحق من هذا العام، حيث ستغطي الترفيه والرياضة إلى السياسة والأعمال، معتمدةً على سلسلة من المجلات الرقمية.

رقمية

في ظل بيزوس، ستقوم غرفة الأخبار في البوست باحتضان العمليات التجريبية، وبإطلاق شبكة للمشاركين من أجل التحليل والتعليق، نسجًا على ما حققته شبكة هافينجتون بوست. كما ستطرح سلسلة مدونات جديدة، وتستعد لتوسيع عمليات quot;البوستquot; على مدار الساعة، لرصد المواضيع التي تثير الجدال على الإنترنت.

ويعتقد بيزوس بشدة أن واشنطن بوست سيكون لها مكان في العالم الجديد، وأنها ستكون رقمية. لكن لا يوجد زر سحري لفعل ذلك، فلو كان هناك زر من هذا النوع، لكان الجميع عثر عليه. لكن الأهم في هذا الأمر أن الصحيفة المطبوعة تبقى مهمة.