الرياضة في لبنان مسيّسة، والأهم أن الرياضيين الذين يفترض أن يتمتعوا بروح رياضية لا يمكنهم تقبّل الآخر المختلف عنهم، فمفهوم قبول الآخر في لبنان يكاد يكون شبه معدوم كليًا.

بيروت: ليس مجرد اقتتال ما حصل بين فريقي الرياضي والحكمة، إنها موروثات ثقافية ودينية تمنع كل فريق حتى لو كان رياضًيا من قبول الفريق الآخر، وما هو معمول به في الرياضة من عدم قبول للآخر نجده أيضًا في الحياة السياسيّة اللبنانية، فالآخر أيضًا هنا منبوذ ومُحارب ولا نقبله، هل يكون تعزيز قبول الآخر رياضيًا وثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا عبر تعزيز هذا المفهوم في الإعلام والمدارس والجامعات والعائلات؟

يشير الإعلامي علي الأمين في حديثه لـ"إيلاف" إلى أن تعزيز قبول الآخر يتطلب جهدًا على مستويات عدة، من خلال جهد ثقافي وتربوي وأيضًا من خلال المناهج السياسية التي تعتمدها التيارات السياسية، والجهد يجب أن يكون على أكثر من مستوى، وهذا عادة يجب أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني والجامعيون والتربويون، والمسؤولية الأساس تقع على الدولة، ورؤيتها، لأن المعايير والمقاييس لأي دولة نريدها هي تنعكس وتتسرب إلى المؤسسات، وإلى الإعلام بطبيعة الحال، وهناك موجة مسيطرة في الإعلام اللبناني تعمد إلى إلغاء الآخر، وهي الأقوى في الدولة والسلطة، وعلى مختلف الأصعدة، وبالتالي لا نرى في لبنان قوى بارزة ومؤثرة في المجتمع إلا من خلال الشخصيات المنحازة، والتي لديها إيديولوجية معينة ولديها موقف، وهي بصراع حاد مع الآخر، وهذا يغذي الإنقسام في المجتمع.

ويرى الأمين أن شعورًا عامًا يسيطر اليوم ومفاده أنني على صواب والآخر دائمًا على خطأ، كل طرف يعتبر أنه يملك الحقيقة، ولا يرى أن جزءًا من هذه الحقيقة موجود عند الآخر، وإن كان في الثقافة والأدبيات العامة يجب الحديث عنه، لأن واقع الحياة الإجتماعية والإقتصادية مختلف تمامًا، نظام المصالح ربما يفرض هذه الذهنية ويقوي من عملية رفض الآخر، ويصبح رفض الآخر مصدرًا من مصادر القوة، والنفوذ، وكذلك تأمين نظام مصالح للحياة السياسيّة والاقتصاديّة، وكلما كان الشخص متصلبًا ضد الآخر، يجد من يسانده في الحياة وفي توفير مصالحه والنفوذ والقوة بخاصة مع غياب سلطة القانون.

قبول الآخر

يعتبر الإعلامي فداء عيتاني في حديثه لـ"إيلاف" أنه من الضروري التغيير بالبنية السياسية في البلد من جذورها قبل تعليم قبول الآخر في المدارس والجامعات والعائلات، وعندما نغيّر في آلية الحكم في لبنان، يصبح بالإمكان القول إن المؤسسات التي لا يمكنها التمول سياسيًا سوف تغلق، ويجب أيضًا إعطاء الأولوية للقضايا العامة، كقضية المرأة وهي" آخر"، وقضية المثليين، وهم يشكلون "آخر" أيضًا، فمثلاً في لبنان، لا رئيسة تحرير إلا إذا ورثت الأمر عن ذويها، وهناك تمييز حقيقي ضد الصحافيات، واذا كانت الصحافة عينها تمارس التمييز العنصري والجندري، فكيف بإمكانها نقل تقبل الآخر إعلاميًا.

يجب أن يصبح المواطن فردًا في لبنان، وليس ابن أي طائفة، وبالعودة إلى المدارس وكيفية تنميتها لقبول الآخر، تساءل عيتاني أي مدارس ستقبل الآخر، هل المدارس الإسلامية التي لا تقبل إلا بتعليم الدين الإسلامي دون سواه، أم المدارس المسيحية التي بدورها لا تقبل سوى تعليم الدين المسيحي؟.

وحتى المدارس هي مدارس "الأنا"، وبعيدة عن مدارس "النحن"، وهذا خلل بالبنية العامة للبلد، وبالبنية السياسية الأصلية التي تقوم على التمييز الطائفي، ما أنتج هذه البنى، أي المدارس والجامعات وحتى العائلات.

وعندما يحصل التساوي للجميع في الحقوق والواجبات يمكن حينها القول إن المدارس والجامعات والعائلات ستقوم بدورها في ترسيخ قبول "الآخر" في الجذور اللبنانية.

المواطنة

بدوره، يؤكد الإعلامي العراقي منتظر الزيدي في حديثه لـ"إيلاف" أن تعزيز مفهوم قبول الآخر يجب أن يكون بالعودة إلى مفهوم "المواطنة"، ومفهوم المجتمع المدني، والحفاظ على الهوية الوطنية، وأن الآخر مهما اختلف عني في السياسة والطائفة والرياضة والرأي هو شريكي في الوطن، كلها أمور برأي الزيدي تُعزز في المدارس والجامعات والندوات ووسائل الإعلام، وعلى وزارة الإعلام، سواء في لبنان أو سائر الدول، أن تضع ميثاق شرف أو قانوناً للمطبوعات، غير القانون القديم، وعليه أن يحاسب ويجرّم بث الشائعات والتحريض الطائفي والمذهبي، لذلك القانون يحمي المواطن من الإعلام الموجّه.

ويلفت إلى أن عدم تعزيز قبول الآخر في المدارس والجامعات والعائلات تحوّل إلى لغة كراهية تعتمدها الوسائل الإعلامية كافة، لأن رماد الحرب الأهلية اللبنانية لا يزال ساخنًا، لهذا نجد في بعض النفوس بقايا ضغينة، لذلك يحتاج الأمر تعزيز روح المواطنة ومحاولة النسيان، لكل الحروب والإقتتال كي يخرج المواطن اللبناني من عباءته القديمة ومن الحالة السوداوية لمأساة الحرب.