طوكيو: في 23 آب/اغسطس 1914، كانت الامبراطورية اليابانية لا تزال تواجه الجوع. وفي اعقاب انتصارها قبل عشر سنوات على روسيا القيصرية وضم شبه الجزيرة الكورية في 1910، اعلنت الحرب على المانيا، بعد ثلاتة اسابيع على بدء النزاع في اوروبا.
&
وكانت اليابان تعتبر منذ البداية ان هذه الحرب العالمية الاولى التي ستجتاح اوروبا البعيدة جدا، "تن-يو"، اي "هدية هبطت من السماء". وقال البروفسور توشيكازو اينوي من جامعة غاكوشين في طوكيو ان اليابانيين "سيحاولون اغتنام هذه الفرصة" لزيادة مواقعهم في الصين القارية، بعدما استولوا على تايوان في 1895.
&
في 23 آب/اغسطس 1914، كانت الرطوبة متفشية، والحر يسيطر على طوكيو، حيث ناهزت درجات الحرارة الثلاثين. وبسبب الخمول، الذي يسببه الصيف، تعاملت الاكثرية الساحقة من الناس بلامبالاة مع اعلان الامبراطور الحرب. وبعد مئة سنة، لا تنوي السلطات مع ذلك تنظيم اي تظاهرة خاصة لاحياء ذكرى هذا الحدث. وستتدخل اليابان التي تستند الى تحالف وقعته في 1902 مع المملكة المتحدة، في النزاع وتحصل على تنازلات المانية في الصين.
وقد حضت لندن طوكيو على دخول الحرب، حتى تتمكن من تركيز كل قواتها في اوروبا، وحتى لا تشعر بالقلق على صعيد الدفاع عن اراضيها في آسيا المحيط الهادىء، اذا ما اقدم الالمان على توجيه ضربات. وكان المخططون اليابانيون يعتقدون من جهتهم، ان القيصر غليوم الثاني منهمك بأمور اخرى غير الدفاع عن ممتلكات بعيدة للرايخ الالماني.
وفي بضعة اسابيع، سيطرت الجيوش الامبراطورية التي خسرت 700 قتيل، على مدينة قينغداو على الساحل الشرقي للصين، التي كانت ملكية المانية منذ 1898 واستسلمت في 7 تشرين الثاني/نوفمبر. وقال توشيكازو اينوي ان "اليابانيين كانوا يعرفون ان المانيا لن تستطيع الرد". ومنذ 1915، قدمت طوكيو الى الصين لائحة تتضمن عشرين مطلبا لزيادة نفوذها السياسي والاقتصادي فيها. ولم يتوافر للسلطة المركزية بزعامة يوان شيكاي التي انهكتها النزاعات الكثيرة مع امراء الحرب، خيار آخر غير تلبية المطالب اليابانية.
&
وسرعان ما نجمت من هذا الانفجار العالمي فوائد كبيرة لليابان جعلتها تحقق مكاسب اقتصادية كبيرة. وحدها الارقام تتحدث. ففي 1912، كان الميزان التجاري الياباني يعاني من عجز بلغ 92 مليون ين، لكنه حقق في 1918 فائضا بلغ 294 مليون ين، اي ما يوازي 30% من الميزانية، فيما ازداد اجمالي الناتج المحلي ثلاث مرات. وقال منابو اريما الاستاذ الذائع الصيت في جامعة كيوشو (جنوب)، ان "الحرب العالمية الاولى هي فعلا سبب الازدهار الصناعي لليابان وتحولها بلدا مصدرا. فقد تطورت الصناعات الثقيلة بفضل اوروبا، ونشأ القطاع الكيميائي بعد توقف الاستيراد من اوروبا بسبب الحرب".
&
وبعيدا من خنادق فردان و"شومان دو دام"، برز في اليابان اثرياء جدد "ناري-كين" هم من كبار المستفيدين من الحرب. وخلال توقيع معاهدة فرساي في 1918، كانت اليابان الى جانب المنتصرين. وباعتبارها مستثمرا جيدا، حصدت منافع تدخلها المحدود، - شاركت في الحرب طوال اسابيع وقدمت بضعة الاف من القتلى. واصبحت واحدا من البلدان الخمسة الدائمي العضوية في مجلس عصبة الامم ورسخت سيطرتها على جزء من الصين.
&
لكن الحرب الاوروبية ستتسبب ايضا بإلحاق أضرار غير متوقعة باليابان. فكلما عملت المصانع بكامل طاقتها، ازدادت المدن ثراء. وبات دخل العامل يفوق ثلاث مرات دخل الفلاح، وهجر اليابانيون الارياف وتدفقوا الى المدن. واعتبرت الشعوب الاوروبية المنهكة ان الاستسلام في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1919 يعني نهاية المجزرة الكبيرة والسلام الذي طال انتظاره، لكن اليابان ودعت البحبوحة التي استفاد منها الاثرياء الجدد. فاوروبا التي كانت زبونا كبيرا، تواجه الدمار، وستتفشى الازمة فترة طويلة في الارخبيل الياباني حتى اندلاع الحرب الثانية الصينية-اليابانية.
&
فبين 1916 و1920، ازداد ثلاث مرات سعر الأرز الغذاء الاساسي لليابانيين. وتفاقم الغضب الشعبي. وفي 1918، تحولت تظاهرات الاحتجاج ضد تجار الأرز، اعمال شغب شاملة، وتمددت الى كل انحاء البلاد. وبضغط من عشرات الاف المتظاهرين، سقطت الحكومة في 1918. واعتبر البروفسور اريما ان "هذا الحدث بقي عالقا في الاذهان، لان تلك الاضطرابات دشنت عصر الجماهير في اليابان التي كان تأثيرها كبيرا. وقبل ذلك، لم يكن احد يعتقد ان الشعب يمكن ان يبدي تفاعلا الى هذا الحد مع مسألة اجتماعية".
&
على غرار بلدان اخرى، اكتشفت اليابان بعد الحرب الاهمية المتزايدة للسياسة المسالمة والشيوعية. وبتأثير من هذا الحافز المزدوج، اقرت الحكومة في 1925 الاقتراع العام للرجال، لكنها اصدرت في الوقت نفسه قوانين تقييد الحريات، مثل قانون "الحفاظ على السلام" الذي يتيح منع اي انشقاق سياسي وقمعه. وفي الكواليس، كان يتكون في الواقع تيار فكري ينظر للحرب، آخذا في الاعتبار الحرب التي انتهت لتوها: يجب ان تكون شاملة، كما اعتبر يوشي هاريما الاستاذ السابق في الاكاديمية الوطنية للدفاع في اليابان.
واضاف "عندما ناقش قادة جيش البر الياباني وقائع الحرب الكبرى في اوروبا، ادركوا اهمية الموارد الطبيعية التي تحتاج اليها اليابان والتلاحم الوطني". وتخصيص الموارد الضرورية للصناعة اليابانية، سيبرر التوسع العسكري، فيما تذرعت السلطة بالتلاحم الوطني لتنظيم قمع الاشتراكيين والشيوعيين، لتجنيب الامبراطورية ثورة شبيهة بتلك التي اطاحت القيصر الروسي.
وبينما كانت اوروبا تضمد جراحها ولا ترغب الا في السلام والديموقراطية، بدأت بذور نزعة عسكرية وتوسعية ناشئة تتفشى في اليابان، خصوصا في الارياف المعوزة التي ضربتها الهجرة الريفية. وستقود هذه النزعة العسكرية والتوسعية بعد سنوات اليابان الى غزو منشوريا ثم الى التحالف مع المانيا النازية واجتياح جنوب شرق آسيا في بداية الحرب العالمية الثانية. وذلك قبل ان تهاجم الولايات المتحدة في 1941، ما سيؤدي الى انهيار النظام.
التعليقات