روستانغا: يتنافر الريف المحيط بمركز أودنغاردن للاجئين في جنوب السويد بطبيعته الهادئة الخضراء مع الطابع الكئيب للقصص التي يرويها المقيمون هناك. فميسون محمود الحقوقية السورية من اصل فلسطيني، البالغة من العمر 35 عاما، اعطت كل ما كانت تملكه لمهرّبين، من اجل الوصول الى البلاد الاسكندنافية. لكنها تعيش في خمول وقنوط مع نحو مئة من الواصلين الجدد الاخرين الى هذا المركز المكتظ. وروت "ان الجميع هنا لديه مشكلة"، و"احيانا نرغب في البكاء".

ورغم ما تلقاه سياسة السويد النبيلة حيال اللجوء من ترحاب، فان التدفق القياسي لطالبيه يثقل المالية العامة، ويغذي الجدل حول الهجرة قبل استحقاق الانتخابات التشريعية الاحد.
فالعام الماضي لم يمنح اي بلد اوروبي أذونات إقامة غير السويد، وتتوقع البلاد الشمالية تدفق حتى 80 الف لاجئ اضافي هذه السنة، وهو امر غير مسبوق منذ النزاع اليوغوسلافي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وفي مواجهة موجات جديدة من مناطق نزاع، مثل سوريا والصومال، طالبت وكالة الهجرة في تموز/يوليو مبلغ 48 مليار كورون (5.2 مليار يورو) يضاف الى مبلغ 91 مليارا يدخل اصلا في الميزانية للسنوات الاربع المقبلة. وفي حين لم يعد هناك اي مكان في مراكز الاستقبال المكتظة، قد تضطر الوكالة لاستئجار فنادق ومراكز للشباب او مجمعات للعطل لاستضافة اكثر من الفي شخص، يتوقع وصولهم كل اسبوع.

ويصل اكثر من نصفهم الى مرفأ مالمو، حيث يتقدمون بطلبات لجوء، قبل إسكانهم مؤقتًا في مكان اخر في البلاد. ومركز اودنغاردن الواقع في قرية روستانغا، والذي كان مخصصًا للمؤتمرات قبل ثلاثة اشهر، افضل دليل على النظام الخاص باللجوء المتبع في السويد. وقالت محمود ان المكان "لا بأس به، لكنه ليس مريحًا، لاننا نتقاسم الغرفة نفسها مع اخرين".

واوضح مواطن سوري لا يتكلم سوى العربية انه كان صاحب مرآب، لكنه بات الان يمضي ايامه يأكل وينام. ويبدو الغد صعبًا بالنسبة إليه لانه لا يتحدث الانكليزية ولا السويدية. وازمة السكن لا تقتصر فقط على المدن الكبرى، بل تشمل ايضا المدن والبلدات في الارياف، التي يمكن ان يختارها طالبو اللجوء، لكن بدون ان توفر لهم سوى القليل من فرص العمل. لذلك فان اللاجئين، المقدر عددهم باحد عشر الفا، يبقون محكومين بالعيش فيها، رغم حصولهم على اقامة بحسب المكتب الوطني للهجرة.

الى ذلك، فالهجرة اصبحت رهانا انتخابيا، لا سيما وان صعود ديمقراطيي السويد، الحزب اليميني المتطرف المناهض للهجرة، قد يضعف الحكومة المقبلة بحرمانها من غالبية برلمانية. الا انه لا يتوقع الا يحصل لا اليمين ولا اليسار على الغالبية المطلقة الاحد، كما ان الكتلتين رفضتا اي حوار مع الديمقراطيين، الذين قد تتضاعف نتيجة الاصوات المؤيدة لهم بين 10 و12 % في الانتخابات.

وراى اندرس هلستروم الباحث في جامعة مالمو، والمتخصص في مسائل الاندماج الاوروبي والسياسة الاسكندنافية، "ان الاحزاب الاخرى تخشى اي شراكة مع ديمقراطيي السويد". وقال "ان اقلية لا يستهان بها (من الناخبين) تجذبها رسالة ديمقراطيي السويد، ليس لديها اي حزب اخر لتصوّت له".

وقد برز القلق الذي تثيره الهجرة على اثر اضطرابات ايار/مايو 2013 في الاحياء التي تضم نسبة كبيرة من المهاجرين في ستوكهولم وضواحيها، ما شوّه صورة السويد الهادئة والمحبة للمساواة، ولفت الى مشكلات الاندماج. وبعد ثلاث سنوات في البلاد، حصل اقل من لاجئ من اصل خمسة على عمل. وبعد سبع سنوات ارتفع العدد بنسبة 50% فقط - مقابل 85% للمولودين في السويد.

ورغم تاييد غالبية كبيرة من السويديين لسياسة لجوء ليبرالية، فان تساهلهم "يقتصر عمليا على دفع ضرائب مرتفعة"، بحسب روبرت حنا مرشح الحزب الشعبي (ليبرالي) في صحيفة سفنسكا داغبلات. فالسويديون يقبلون بان يقصد اولاد المهاجرين المدارس نفسها التي يقصدها اولادهم "شرط ان لا يكون عددهم كبيرا جدا"، كما قال حنا المتحدر من مهاجرين اشوريين، مضيفا "ان التمييز اليومي لا يأتي بشكل رئيس من العنصريين من ديمقراطيي السويد، بل من واقع ان من الاسهل الاختلاط مع من يشبهونكم اكثر وتوظيفهم".


&