كشفت صحيفة شبيغل الألمانية عن وجود مفاعل نووي سوري قيد البناء والتجهيز في القصير، يعمل فيه خبراء كوريون شماليون وإيرانيون، ويحرسه عناصر من حزب الله.

بيروت: في الحادية عشرة ليل 5 ايلول (سبتمبر) 2007، انطلقت مقاتلات إسرائيلية من مطار قريب من مدينة حيفا، في مهمة سرية ، اطلق عليها اسم "أوركيد". في العلن، كانت المهمة تدريبية روتينية، لكن ما أن صارت المقاتلات في الجو، حتى تلقى قائد سربها أمرًا بالتنفيذ.

العملية "أوركيد"

ابتعدت المقاتلات الاسرائيلية فوق المتوسط، خارقة المجال الجوي التركي، نحو مدينة دير الزور السورية، لتنفذ المهمة بحذافيرها: تدمير مجمع الكبر النووي. وقد تم ذلك بسرعة، باستخدام قنابل زنة الواحدة نصف طن من المتفجرات.

وعادت الطائرات الاسرائيلية إلى قواعدها سالمة، بينما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك يهود أولمرت يتبادل أنخاب النجاح مع قبادته العسكرية، وفي أنفسهم أنهم تخلصوا للأبد من نووي بشار الأسد.

لم يكن أولمرت أبلغ الأميركيين بخطته، مؤجلًا ذلك إلى ما بعد الفراغ منها. ولم تكن القيادة الاسرائيلية تريد أن تشيع خبر الغارة، كي يبقى الأمر هادئًا، بعيدًا عن الاحتفالية في إسرائيل، كي لا تعطي الأسد دافعًا آخر للانتقام، بأي شكل من الأشكال.

هذه كانت رواية شبيغل أونلاين الألمانية لما حصل ليلتها، وهي الصحيفة نفسها التي تقول إن الأسد ما فتئ يخدع العالم بوداعته، فهو لم يتخلّ عن أحلامه النووية، فيبني مجمعًا نوويًا جديدًا بمساعدة كورية شمالية وإيرانية، كشفته الصحيفة بالصور التي التقطتها الأقمار الصناعية.

المؤامرة!

وبحسب الصحيفة نفسها، طلبت وكالة الطاقة الذرية الدولية في العام 2007 الدخول إلى مجمع الكبر. بقيت سوريا تماطل حتى رضخت أخيرًا للضغوط في العام 2008. لكن تبين لفريق الوكالة أن نظام دمشق تمكن من محو كل أثر لما كان "يُطبخ" هناك. إلا أن مفتشي الوكالة عثروا على آثار لليورانيوم، ما فسرته دمشق بأنه "أقاويل تساق ضمن مؤامرة على سوريا".

وحين طلبت الوكالة زيارة ثلاثة مواقع نووية سورية اخرى، خصوصًا موقع مرج السلطان، رفض السوريون، لأن الاتهامات الأممية بحسبهم لا تقوم على أي دليل حقيقي.


وفي العام 2011، خرج تقرير الوكالة يقول إن ثمة أدلة كافية للاعتقاد بأن موقع الكبر كان مفاعلًا نوويًا.

وبعدها، توقف أي نشاط في ذلك الموقع.

معلومات استخبارية

تقول الوكالة نفسها، إلى جانب منظمات تتعاطى شأن الحد من الأسلحة النووية في العالم، إن سوريا تملك 50 طنًا من اليورانيوم الطبيعي، كافية لتصنيع 3 إلى 5 قنابل نووية. والخوف متصاعد، منذ دخول سوريا في أزمتها في العام 2011، أن يقع هذا اليورانيوم بيد حزب الله أو القاعدة، أو إيران، أو تنظيم الدولة الاسلامية مثلًا.

إلا أن معلومات إستخبارية حصلت عليها شبيغل أونلاين تؤكد مضي النظام السوري قدمًا في بناء مفاعل نووي سري تحت الارض، قادر على تصنيع اسلحة نووية. وعرضت الصحيفة صورًا وخرائط لموقع المفاعل، إذ يقع في منطقة جبلية وعرة المسالك في غرب سوريا، على بعد كيلومترين من الحدود اللبنانية، وبالقرب من مدينة القصير، التي دارت فيها معارك شرسة ليسترها مسلحو حزب الله اللبناني من يد مسلحي المعارضة السورية،& وتصل اليه شبكتا المياه والكهرباء.

وبحسب شبيغل أونلاين، الموقع مسمّى "زمزم"، ويمكن استخدامه في بناء مفاعل كامل او مصنع لتخصيب اليورانيوم، بحسب ما قاله خبراء غربيون للصحيفة.

خرائط

ولاستكمال بناء هذا المفاعل، نقل النظام السوري إلى المجمع الجديد ثمانية آلاف قضيب وقود، كانت مخصصة لموقع الكبر السري. كما تبين أن النظام السوري أخفى عن عيون العالم غالبية اليورانيوم غير المخصب الذي كان يملكه، وأخفاه في قاعدة مرج السلطان قرب دمشق، والتي رفض أن يفتشها فريق الوكالة الذرية.

وتقول الصحيفة إن خبراء كوريين شماليين وايرانيين يعملون في مشروع زمزم بشكل سري، تحت حراسة مشددة من حزب الله. وهذه الحراسة جعلت الناظر إلى المكان يعتقد بأن فيه مستودعات أسلحة سلمها بشار الأسد للحزب.

الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية للموقع تظهر 6 منشآت: موقع للحراسة وخمسة مواقع أخرى، ثلاثة منها من دون مدخل ظاهر. وللموقع وصول إلى الشبكة الكهربائية، ووصل إلى بحيرة زيتا، التي تبعد نحو 4 كيلومترات.

من إيران وكوريا

لكن الأدلة القاطعة التي تملكها الصحيفة فعائدة إلى اختراق مكالمات هاتفية بين أحد كبار مسؤولي حزب الله العسكريين وابراهيم عثمان، رئيس الوكالة السورية للطاقة النووية، تدل على وجود خبراء من الحرس الثوري الإيراني، وخبراء من كوريا الشمالية، يتولون العمل في المفاعل، علمًا أن عثمان نسفه كان على تنسيق يومي مع مهندس طاقة كوري شمالي، يدعى شو جي بو، أيام العمل في قاعدة الكبر.

بعد عملية أوركيد الاسرائيلية، اختفى شو جي بو، لكن الصحيفة تقول إنه بقي متخفيًا في دمشق، بحماية النظام السوري، وعلى اتصال دائم بعثمان.

وتسأل الصحفية اليوم عن رد الغعل الأميركي والغربي على هذه المعلومات، في خضم الصراع الدولي مع الارهاب، وتنحية الصراع مع الأسد جانبًا. وماذا عن موقف إسرائيل من هذا، خصوصًا أنها مستمرة في قصف خطوط إمداد حزب الله السورية، من دون أن تدري شيئًا عن مجمع القصير النووي.