يبدو الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، مع الايرانيين، بمثابة الكلمات المفاتيح التي يمكن أن تفك شيفرة الانقلاب الحوثي السائر حاليًا على قدم وساق في اليمن.


إسماعيل دبارة من تونس: تبدو الأوساط الخليجية والدولية "مندهشة" مما يحلو للإعلام تسميته بـ"الإنقلاب الحوثي" على الدولة اليمنية، لكن المتابع لمسيرة الحوثيين التي تدرّب عناصرها في محافظة صعدة في صمت، لا يمكن أن يخلص إلى غير النتيجة الحالية، فاليمن بات منذ مدة أمام سطوة طرف مسلح مدعوم من إيران، ويتحالف "تكتيكيا" مع رئيس فقد السلطة بموجب حراك شعبي وتدخل خليجي، لكنه لم يفقد نفوذه في الكثير من أجهزة الدولة، فعاد لينتقم.

والثلاثاء، خاضت ميليشيات الحوثي معارك بالمدفعية مع الجيش قرب القصر الرئاسي في صنعاء وسيطرت عليه بالقوة.

ودوّت أصوات الانفجارات في انحاء العاصمة صنعاء، وتصاعد الدخان فوق مبان وسط المدينة في أعنف اشتباكات منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة في سبتمبر/ أيلول الماضي، وباتت كل المؤشرات تنذر بسيطرة مطلقة لهذه الجماعة على اليمن، وسط "حياد" مريب من الجيش.

استغلوا بنية اليمن!

ميليشيات الحوثي حسب المراقبين هي المستفيد الأكبر - مؤقتا- من بنية اليمن القبلية والتقليدية، وتلك البنية المركبة، تقدم حقائق كثيرة منها أنّ سطوة السلاح لا تستقر، بل تتغير بتغير التحالفات والظرفيات والاهداف.

وفي بلد كاليمن، تتداخل "سلطات الدولة" بالسلطة الإجتماعية للقبيلة، وهو أمر يسهّل ظهور مراكز قوى عديدة خارج المؤسسات القانونية للدولة.

ويجد اليمن نفسه اليوم، في قبضة حركة مسلّحة قادمة من الريف، بكل حمولات الريف اليمني القبلية والمذهبية والطائفية، مضاف إليها بنية تنظيمية متماسِكة لحمتها الأيديولوجية والعائلة الحوثية، التي تحمل طموحات تاريخية لا ترى في الدولة الرّاهنة إلا نتاجا لخطأ تاريخِي، كما يقول نجيب غلاب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء في تصريح لسويس إنفو.

يضيف غلاب: "تزايد هذا الخطأ مع بروز حركات شبابية ذات نزوع ثوري تسعى لتغيير معادلات السياسة، التي كانت مرفوضة أصلا باتّجاهات أكثر تحديا للوعْي التاريخي، الذي حكم الفئات المُهيمنة تاريخيا على السياسة، باعتباره حقا حصريا لا تجوز مُمارسته من بقية الرعية".

عجز الدولة

علاوة على تلك المُعطيات البنيوية للواقع السياسي اليمني، يرى مراقبون أن ثمّة متغيّرات ظرفية وراء العجز الظاهر لدور الدولة في مواجهة تصرفات وانتهاكات هذه الجماعة، وهي المتغيرات التي طرأت على تركيبة السلطة السياسية، في أعقاب الإحتجاجات الشعبية التي أزاحت الرئيس علي عبدالله صالح من على رأس السلطة وحلول الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي محله، بموجب المبادرة الخليجية التي جاءت كحلٍّ توفيقي بين أطراف الصِّراع السياسي التقليدية، التي ظلّت (أي هذه الأطراف) اللاّعب غير الرسمي وغير الشرعي، في التوجيه والتحكّم بكثير من التطورات والتفاعلات، التي يشهدها اليمن، ومنها تمدّد الحوثيين وتوسّعهم.

عودة صالح !

التسوية السياسية التي جرت في اليمن على الرغم من الحضور الإقليمي والدولي والأممي فيها، وعلى الرغم من الخطوات التي قطعتها عبْر الحوار الوطني وتوصياته، ظلت رهينة المكوِّنات السياسية التقليدية التي عملت على توجيه مسار التسوية في اتّجاه المحافظة على استمرار نفوذها ومَصالحها في مرحلة التغيير الجديدة، التي لم يكن في مضمونها إلا فرض توازُنات المصالح التقليدية القديمة. فمنذ تقلّد عبد ربه هادي زمام الأمور في مطلع عام 2012، بناء على تلك المبادرة وانتخابه رئيساً للبلاد، وهو يتعرض إلى ضغوط تلك الأطراف وصراع مصالحها.

وحزب التجمع اليمني للإصلاح وحلفاؤه لم يرَوا في الرئيس هادي الذي بدا ضعيفا منذ اليوم الأول لوصوله للحكم، غير رئيس لهم وعليه أن يستجيب لمطالبهم ويلبّي تطلّعاتهم عبْر الضغط المستمر عليه.

أما الرئيس السابق علي عبد الله صالح،& فاستمر، رغم مغادرته كرسي الرئاسة، على رأس أكبر الأحزاب السياسية (المؤتمر الشعبي العام) الذي استحوذ بعد التسوية على 50% من الحقائب الحكومية، في الوقت الذي يُهيْمن هيمنة مُطلقة على المجالس البلدية المحلية في جميع محافظات ومديريات البلاد.

ومع دخول الحوثيين العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، أصبح علي عبد الله صالح وأنصاره طرفاً بارزا في المعادلة السياسية بقوة الشراكة التي كرّسها التوقيع في 21 سبتمبر 2014 بين أطراف العمل السياسي في البلاد، على اتفاق السِّلم والشراكة، وبفرض قوة الأمر الواقع بما يقولون إنها "ثورة شعبية" تتحالف علنا، مع حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي يُعبِّر عنه بوضوح، إما بدعم المليشيات في تمدّدها أو بالموقف السلبي منها، ومن ممارساتها وتوسعها، على اعتبار أنها تعمل على تحجيم ومعاقبة خصوم صالح، الذين كانوا وراء تحريك الشارع ضدّه وإسقاطه، وما لم يغفره صالح لخصومه.

دور إيران

دعم إيران للحوثيين ليس خافيا، وهو جزء من سياسة إيرانية شاملة، قائمة على زرع "بيادق" في دول تعتبرها امتدادا استراتيجيا للإمبراطورية الفارسية العظمى، ويتم اللجوء إلى تلك "البيادق" وتحريكها، كلما دعت الضرورة الى&ذلك، وبخصوص البيدق الحوثي، يبدو التوقيت ملائما لتحريكه مع المنعطفات التي تشهدها الأزمة السورية، ومحاكمة زعيم الوفاق الشيعية، وأنباء الأزمات الاستخباراتية والمالية التي يغرق فيها حزب الله اللبناني (الاختراق الأخير من الموساد - متاعبه المالية).

ورغم ما تعانيه إيران من عقوبات دولية، ودعم لبشار الاسد المترنح في سوريا، وحزب الله في لبنان، وشيعة البحرين، فإنها لا تبخل على الحوثيين بالدعم أيضا وإن كانوا يستنزفون طهران في بلد لا يبدو مهما للغاية بالنسبة لملالي إيران مقارنة بسوريا والبحرين ولبنان.

وتعتبر إيران جماعة الحوثي جزءا من "الصحوة الاسلامية"، فقد قال مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي جماعة أنصار الله التابعة لـ"جماعة الحوثي" في اليمن، إن بلاده تدعم ما وصفه بنضال الحوثيين العادل.

وقال لعلماء ولشيوخ من الطائفة الزيدية اليمنية، إن هذه الجماعة أحدثت ما سماه بتحول فريد من نوعه في تاريخ اليمن، واعتبر أن "الانتصارات المتلاحقة للجماعة تدل على أنها جاءت بشكل مدروس ومخطط".

وأعرب ولايتي في تصريحات نقلتها وكالة إيرنا الإيرانية الرسمية عن أمله بأن تقوم الجماعة الحوثية في اليمن بنفس الدور الذي يقوم به حزب الله في لبنان، وأوضح أن حزب الله يحارب إلى جانب جيش بلاده ضد أولئك الذين يستهدفون لبنان.

وأضاف أن إيران تعتبر جماعة أنصار الله في اليمن "جزءا من الحركات الناجحة للصحوة الإسلامية".

قوة عسكرية ضاربة

يقول تقرير حديث لمركز ابعاد للدراسات والبحوث، وهو مركز يمني متخصص في قضايا الارهاب إنّ الحوثيين باتوا يمتلكون نحو 70 في المائة من قدرات الجيش اليمني.

فقد تمكنوا من الاستيلاء على عتاد عسكري ثقيل منذ بدء إسقاطهم معسكرات الدولة&في عمران وصنعاء، ويمتلكون حاليا أكثر من 120 دبابة من نوع (T55 - T62)، ونحو 70 مدرعة (BTR – BMB .20)، ومدفع (شيلكا وهاوتزر ذاتي الحركة)، ونحو 10 عربات (كاتيوشا)، وما يقارب مائة صاروخ (بين حراري مضاد للطيران وغراد بر - بر)، وأكثر من مائة مدرعة تحمل رشاشات ثقيلة ومتوسطة، إلى جانب مئات الأطقم العسكرية وعشرات مخازن الذخيرة الحية، مع توقعات بحصولهم على شحنات صواريخ إيرانية نوعية.

ويقول التقرير الذي نشر قبل أسابيع: "لم يعد هناك جيش وطني بعد 21 سبتمبر من عام 2014، فكل ألويته في المناطق الشمالية والغربية، التي كانت مرهقة في صراعاتها السابقة مع الحوثيين، في ما عرف بالحروب الـ6، سقطت في يد الحوثيين بعد اجتياحهم قيادة الدفاع المركزية في العاصمة صنعاء أخيرا، وإن كانت هناك وحدات في الشمال لم تتم السيطرة عليها، لكنها محاصرة وممنوعة من التحرك"، مشيرا إلى أن "الحركة تحصل على دعم لوجيستي وعسكري من إيران و(حزب الله)، وتتحرك بالتناغم مع القرار السياسي الإيراني، وأن نفوذها يمتد مع تحركها العسكري، كلما تعرضت إيران وأذرعها في العراق وسوريا لضغوطات إقليمية أو دولية".

سيناريوهات ما بعد "العربدة"

هل تسقط الدولة اليمنية في قبضة ميليشيا مذهبية كانت لوقت قريب تتدرّب سرا في أرياف صعدة ؟

تقرير وحدة الاستقصاء في مركز أبعاد يتوقع عدة سيناريوهات للحرب التي يشنها الحوثيون على الدولة اليمنية، أهمها سيناريو "توسع الحرب" التي يرى الحوثيون انها قد تفضي إلى سقف مرتفع من المكاسب السياسية وأنها قد تؤدي إلى تحالف جديد مع الرئيس هادي يضمن لهم وضعا سياسيا وعسكريا قويا في الدولة، وأكد التقرير أن هذا السيناريو لن يتحقق سوى في حال حصول انتصارات نوعية لهم، وربما هذا ما يرومونه من السيطرة على القصور الرئاسية، وتركيع الحرس الجمهوري.

وعن السيناريو الثاني، أشار التقرير إلى أن الحوثيين غير مدركين له ومطمئنين الى عدم حصوله، وهو سيناريو اعلان لجنة العقوبات التي شكلها مجلس الأمن وفق قراره (2140) على أنهم "جماعة معرقلة" للانتقال السياسي في اليمن، وهو ما يدخلها وفق عقوبات دولية قد يكون من بينها دعم توجيه ضربات عسكرية من خلال الجيش اليمني أو من خلال المجتمع الدولي.

السيناريو الثالث وهو الأكثر توقعا، يقوم على توجه جماعة الحوثي إلى خيار "تغيير مواجهاتها" من مواجهات مع الجيش اليمني إلى مواجهات مع جهات قبلية وسياسية، وتقبل بعروض تمكنها من ضمان تحقيق مكتسبات سياسية دون تسليم السلاح وتحاول تكرار تجربة حزب الله وهو ابتلاع الدولة من الداخل.

أما السيناريو الرابع فيشير إلى احتمالية حصول انتكاسة وهزيمة عسكرية للحوثيين سواء من خلال عمليات الجيش أو من خلال عقوبات المجتمع الدولي، لكن هذا السيناريو افترض قبول الحوثيين بالتخلي عن السلاح والاندماج في العمل السياسي، وحسب التقرير فإن احتماليات تحقق هذا السيناريو تبدو ضعيفة.

وأيا يكن الأمر، لا تبدو تحالفات الحوثيين الحالية في صالح حكمهم لليمن، فالسيطرة على كافة مقاليد الحكم وازاحة الرئيس هادي، يعني انهم سيكونون على رأس الدولة الأكثر فقرا في المنطقة، وعليهم الاستجابة لمطالب المواطن البسيط الذي قد لا يصبر عليهم طويلا، خاصة وأن تنظيم القاعدة لن يهادن الحوثيين وسيسعى لكسب أنصار له من بين الغاضبين على هذه الميليشيا الشيعية.