حصول العالمة الصينية يويو تو اليوم على جائزة نوبل للطب ليس البداية، فالبداية كانت منذ سبعينات القرن الماضي عندما بذلت مجهودا خرافيا للتغلب على مرض الملاريا الذي قضى بسببه الملايين، فتغلبت عليه ووجدت له علاجا فعالا.


ميسون أبو الحب: حصلت العالمة الصينية يويو تو على جائزة نوبل للطب لعام&2015 بالمشاركة مع عالمين آخرين هما الايرلندي وليام كامبيل والياباني ساتوشي اومورا عن منجزاتهم في مجال مكافحة الامراض الطفيلية والملاريا. العالمة تو عرفت باكتشافها علاج الارتيميسينين Artemisinin.

البحث عن اسم

قبل اربعين عاما ادى مشروع عسكري سري في الصين الشيوعية الى التوصل الى اهم اختراع في تاريخ الطب الحديث وما يزال هذا العلاج فعالا لمكافحة مرض الملاريا وقد انقذ حياة الملايين من البشر.

وكانت تفاصيل هذا الاكتشاف مجهولة حتى وقت قريب.

يقول لويس ميلر وهو باحث في الملاريا في المعهد الوطني الاميركي في روكفيل في ولاية ميريلاند "كنت في اجتماع في شنغهاي في عام&2005 بحضور جميع المختصين بمرض الملاريا في الصين فسألتهم عمن اكتشف علاج الارتيميسينين. وكانت صدمتي كبيرة لأن ايا منهم لم يعرف".

بعد ذلك بدأ ميلر وزميله الصيني كزنهوان سو بالبحث عن اصل الدواء فقاما بمراجعة مئات الرسائل والبحوث والملاحظات والمسودات التي كتبت في اجتماعات كانت سرية في السابق ثم توصلا في النهاية الى ان الفضل الاكبر يعود لامرأة صيدلانية تدعى يويو تو.

بداياتها

ولدت يويو تو في الثلاثين من كانون الاول من عام 1930وهي اليوم في الخامسة والثمانين وتبدو للناظر امرأة صغيرة الحجم بشعر اسود قصير تكاد لا تعرف كيف ترد على المجاملات. ولكن ما ان ينتقل الحديث الى الملاريا والطفيليات والعلاجات حتى تنطلق كلماتها قوية واثقة.

وبدأت ابحاثها في ستينات وسبعينات القرن الماضي في أوج الثورة الثقافية في الصين وكانت تلك الفترة مرعبة بالنسبة للمثقفين والعلماء والمفكرين والباحثين.

في تلك الفترة كانت حكومة شمال فيتنام الحليفة للصين في حالة حرب مع جنوب فيتنام وحليفتها الولايات المتحدة وكان مرض الملاريا منتشرا في المنطقة.

وفي ذلك الوقت ايضا كان العلاج الاساسي للمرض يعتمد على دواء اسمه كلوروكين ولكن الكائن الطفيلي الذي يسبب الملاريا كان يطور مقاومة سريعة للعلاج. وتذكر مصادر ان الخسائر البشرية بسبب الملاريا كانت اكبر من الخسائر بسبب الاسلحة الاميركية.

وعندها قرر الزعيم الصيني ماوتسي تونغ اطلاق مشروع سري بهدف اكتشاف علاج للملاريا كان يعرَّف برقم 523 وهو تاريخ اطلاقه في الثالث والعشرين من آيار من عام 1967. وفي غضون سنتين تقريبا جرب مئات العلماء الاف المركبات والمواد دون التوصل الى اي نتيجة.

وفي حالة من اليأس لجأ العلماء الى العلاجات الصينية التقليدية وطلبت الحكومة من اكاديمية الطب الصيني التقليدي في بكين تكليف أحد علمائها بالبحث عن علاج للملاريا اعتمادا على الاعشاب.

فاختارت الاكاديمية الصينية وكانت عالمة في منتصف حياتها المهنية درست الطب الصيني والغربي وكانت مطلعة بما يكفي على الاثنين كي تدرك ان الامر لم يكن سهلا على الاطلاق.

تقول تو: "عندما بدأت بحوثي كان آخرون قد اختبروا 240 الف مركب في الصين وفي الولايات المتحدة دون تحقيق نجاح يذكر".

وبعد فترة قصيرة من انضمامها الى مشروع 523 طُلب منها التوجه الى مقاطعة هاينان وتقع في اقصى جنوب الصين وهي معروفة بانتشار مرض الملاريا فيها وكان هدف الرحلة هو الاطلاع على المرض واعراضه الاولى وتأثيراته على المصاب. ولكون زوج تو كان ممنوعا من التوجه الى الريف في ذلك الوقت، اضطرت الباحثة لترك طفلتها ذات الاربع سنوات في رعاية حضانة في منطقة سكنها.

غابت تو ستة اشهر وبعد عودتها لم تتعرف إليها ابنتها وراحت تختبئ من المرأة الغريبة التي جاءت لأخذها. ولم تعبر تو عن ندم على ما حدث إذ قال "كانت الاولوية الاولى للعمل ولذا ما كنت لأتأخر عن التضحية بحياتي الشخصية".

وعن رحلتها الطويلة الى هاينان قالت "رأيت اطفالا كثيرين كانوا في المراحل الاخيرة من المرض. وكانوا يموتون بسرعة".

في هاينان

درست تو مع 3 مساعدين اكثر من الفي وصفة شعبية صينية للعلاج. وقاموا باستخراج 380 نوعا من المواد منها وجربوها كلها على الفئران. ثم لاحظوا ان مركبا واحدا نجح في تقليل عدد طفيليات الملاريا في الدم.

هذه المادة استخلصت من نبات الشيح الحلو واسمه العلمي (Artemisia annua) وهي نبتة معروفة ومنتشرة في الصين وتستخدم عادة علاجا للحمى المتقطعة التي ترافق الاصابة بمرض الملاريا.

واصل الفريق تجارب اخرى غير ان النتائج جاءت مخيبة للآمال. فأعادت تو قراءة الوصفة التي كتبت قبل 1600 سنة وتنص على تنقيع كمية من الشيح الحلو في الماء ثم شرب النقيع.

لكن تو كانت تغلي المحلول وبدأت تعتقد ان هذا هو السبب وراء انحسار تأثيره. فقامت باستخدام مذيب الاثير الذي يغلي بدرجة حرارة 35 مئوية ثم جربت المحلول على الفئران والقرود فجاءت النتيجة ناجحة 100 بالمائة. وقالت تو "كانت سعادتنا لا توصف في تلك اللحظة. أخيرا تمكنا من ايجاد علاج للملاريا".

ولكن العلاج قد لا ينجح عند استخدامه على البشر وربما يكون له تأثيرات جانبية خطيرة ايضا. وحسما للشكوك تبرعت يويو بتجريب الدواء على نفسها وانتظرت عدة ايام في انتظار النتائج. ولم تكن هناك اي نتائج وعندها بدأت بتجربته على عمال اصيبوا بالملاريا. وكانت النتيجة اكثر من رائعة إذ انخفضت درجة حرارتهم بعد 30 ساعة فقط واختفت الطفليليات من الدم.

بلا اسم

لم تشر السلطات الصينية الى عمل يويو انطلاقا من ان أي انجاز يحققه الكل من اجل الكل.

واليوم ما يزال اكتشاف الارتيميسينين مصدر فخر للصين وهو يستخدم الان لمعالجة ملايين الاشخاص في العالم وما يزال يستخلص من النبتة بنوعها الذي ينمو في الصين وفيتنام وشرق افريقيا. وتجري تجارب عليها حاليا لتحويرها وجعلها تعطي محصولا اكبر.

مع ذلك، ظهرت حالات مقاومة لهذا العلاج في العقد الماضي في كمبوديا رغم ان العلاج ما يزال فعالا لكنه اصبح يحتاج الى اربعة ايام بدلا من يومين.

ولمكافحة المقاومة يستخدم الاطباء الان ارتيميسينين مع دواء آخر مضاد للملاريا ويعتقدون ان الطفيليات لا يمكنها تطوير مقاومة لدواءين في وقت واحد.

يذكر أن يويو تو&حصلت في عام 2011 على اهم جائزة طبية في الولايات المتحدة وهي جائزة لاسكر. ويويو تو هي المراة رقم 12 التي تحصل على جائزة نوبل للطب على مدى تاريخ الجائزة.