بينما يُرشّح معهد أبحاث السلام "بريو" المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لنيل جائزة نوبل لهذا العام، لقاء سياستها الترحيبية باللاجئين السوريين، يرى الكثير من الألمان أنها لا تستحقها.
ماجد الخطيب:&أجرت صحيفة "اكسبريس" الكولونية الواسعة الانتشار، استفتاء بين قرائها حول إمكانية منح المستشارة الألمانية انجيلا ميركل جائزة نوبل للسلام، اتضح منه أن 70% منهم يرى بأنها لا تستحقها. فيما لم يُصوّت لصالح ميركل سوى 30%، ولم يكن بين المصوتين من وقف على الحياد.
&
ويبدو ان قضية استقبال اللاجئين، التي رفعت شعبية المستشارة الألمانية في بلدان الشرق الأوسط، وبلدان العالم ككل، هي بالضبط سبب عزوف الألمان عن تأييد المستشارة التي يُنتظر ان تكسر الرقم القياسي لسنين حكم المستشار الأسبق هيلموت كول. &وربما ستجد ميركل صعوبة بالغة مستقبلًا في التقاط صورة "سيلفي" مع ألماني من ناخبيها، بعد أن التقط اللاجئون عشرات "السيلفي" معها.
&
تقف ميركل اليوم في حيرة من أمرها، فهي بين تنفيذ واجبها الأخلاقي تجاه اللاجئين الذين شردتهم الحروب والإضطرابات الأمنية، وبين القدرات التنظيمية والمالية التي بلغت حدها الأقصى بحسب تأكيد العديد من النقّاد. ويخشى البعض، من مؤيدي سياسة ميركل الموسومة بـ "ثقافة الاحتضان"، أن يؤدي استيعاب نحو 1,5 مليون لاجئ هذا العام، كما تقول آخر التوقعات الاحصائية، إلى سد باب الهجرة تماماً في وجه القادمين في السنوات المقبلة. علماً ان دراسة أعدها معهد الدراسات الاقتصادية الألماني قدّرت حاجة المانيا إلى نصف مليون مهاجر جديد كل سنة، حتى العام 2030، إذا أرادت ألمانيا الحفاظ على معدلات نموها الاقتصادي.
&
كسبت انجيلا ميركل سمعتها "السلميّة" لقاء دورها الإيجابي في معالجة مشكلة أوكرانيا عبر الإنفتاح والحوار مع روسيا، جارتها الكبرى المدججة بالسلاح. لكن رياح سياسة "ثقافة الانفتاح على اللاجئين" قد تأتي بما لا تشتهي سفينة المستشارة المنطلقة إلى قائمة المرشحين في أوسلو. ورغم ان كريستيان بيرغ هاربفيكن، رئيس معهد "بريو"، لم يربط في ترشيحه للمستشارة بين سياسة ميركل ومدى تأييد الألمان لها، إلا ان فوزها بجائزة السلام سيضعها في موقع حرج أمام منتقديها.
شعبية ميركل تهبط لأدنى مستوياتها
&
هبط حماس الألمان لاستقبال اللاجئين خلال أشهر قليلة نتيجة الخوف من اختراق بعض العناصر الإرهابية. وكان أكثر من رئيس شرطة، في مقابلات أجرتها مجلة "دير شبيغل" معهم، قد تحدّث عن خروج عملية تسجيل اللاجئين عن السيطرة، مؤكدين بأن الآلاف دخلوا ألمانيا دون أن تُسجّل اسماؤهم أو تؤخذ بصمات أصابعهم.
&
ومع هبوط حماس الألمان لاستقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين خلال سنة واحدة، هبطت أيضاً شعبية المستشارة الألمانية بأعين مواطنيها. فجاءت ميركل في المرتبة الرابعة في قائمة أكثر السياسيين الألمان شعبية، التي يطرحها برنامج البارومتر السياسي الذي تبثه القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد اي ايف". وكانت ميركل تتصدر هذه القائمة دائماً، وفي أسوأ الأحوال، تحل في المرتبة الثانية.
&
هذا "الهبوط"، تكرر أيضاً في "الميزان" السياسي" الذي تبثه القناة الأولى، حيث نالت ميركل هذا الشهر 1,9 نقطة فقط في قائمة تمتد بين ناقص وزائد 5 نقاط. وكانت ميركل قد بلغت أدنى شعبيتها في الشهر السابق حيث نالت 2,4 نقطة. كما وهبطت شعبية ميركل في استطلاعي مجلة "شتيرن" وتلفزيون "ر ت ل" إلى أقل من 50% وبلغت 49% وهي أدنى نسبة تحققها المستشارة منذ سنوات. وانعكست هذه الحال على شعبية الحزبين الشقيقين، "الحزب الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، فقد نالا معًا 40% من الأصوات بعد أن كانا، في الأشهر السابقة، يحققان الأغلبية المطلقة.
&
ارتفاع ملحوظ في شعبية اليمين المتطرف
&
المقلق في هذه الإحصائيات هو الإرتفاع الملحوظ لشعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة نتيجة سياسات ميركل تجاه اللاجئين، فقد نال حزب "البديل لألمانيا"، ذو الميول اليمنية المتطرفة، نسبة 6% حسب استطلاع للرأي أجراه معهد "فورسا" الشهير. وواضح ان مثل هذه النسبة ستؤهل هذا الحزب لدخول البرلمان الاتحادي (البوندستاغ)، وهو ما فشل بتحقيقه في الإنتخابات الأخيرة.
&
المقلق أكثر، بحسب احصائية "فورسا"، أن الزيادة في أصوات حزب البديل لألمانيا، جاءت من أوساط ناخبي التحالف الديمقراطي المسيحي. وارتفعت نسبة هذا الحزب في الاستطلاع 2%، بعد أن كان يحقق 4% فقط في الاستطلاعات السابقة، وكسب 50% منها من الحزب الديمقراطي المسيحي، ونصفها الآخر من ناخبي حزب الخضر. وصار هذا الحزب يحشد الآلاف من الألمان، وخصوصاً في المدن الشرقية، للتظاهر ضد استقبال اللاجئين.
&
وبعد أن كان 45% من الألمان ينظرون، قبل ثلاثة أشهر، إلى اللاجئين كعامل مفيد للاقتصاد والمجتمع الألماني، انخفضت نسبتهم الآن إلى 35%. بينما ارتفعت نسبة الذين يعتقدون بأن استقبال اللاجئين سيضر بالوضع في ألمانيا من 33% إلى 44%، مع نسبة 15% يعتقدون ان قبول اللاجئين ينطوي على عوامل سلبية وأخرى ايجابية.
&
انتقادات "شديدة اللهجة"
&
لم تصدر حتى الآن تعليقات مؤيدة أو مناقضة لفكرة ترشيح ميركل لجائزة نوبل، من داخل حزبها، أو من داخل الشريك الاشتراكي في الحكم، لكن نبرة الانتقادات تتصاعد، وخصوصاً من داخل الحزب البافاري الشقيق، أي الاتحاد الاجتماعي المسيحي.
&
وكان هورست سيهوفر، رئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي ورئيس وزراء بافاريا، الأشد قسوة في انتقاده للمستشارة انجيلا ميركل. فقد اعتبر بأن ميركل ارتكبت خطأ فادحاً حينما سمحت باستقدام اللاجئين من المجر، ووصف ما فعلته بأنه "امتصاص" للاجئين من كل العالم. وأيده بذلك ماركوس زودر، وزير مالية بافاريا، الذي طالب بسد باب الهجرة والاسراع بترحيل غير المرغوب بهم.
&
وإذ طالبت مالو دراير، رئيسة وزراء راينلاند بفالز، المستشارة الألمانية بأفعال وأقوال حازمة حول كيفية وقف موجة اللاجئين أو تغيير اتجاهها، قال ديتمار فويدكة، رئيس وزراء براندبورغ، ان ألمانيا بلغت طاقتها الاستيعابية القصوى، وطالب الحكومة الاتحادية باطلاق اشارة واضحة عن استعدادها لإعادة اللاجئين الذين هم "بلا افق" إلى خارج الحدود.
&
وكتب &هارالد شتوته، المحرر السياسي في جريدة اكسبريس، أن ميركل تبدو مثل الطفل الذي استدعى الأرواح لمساعدته، كما هي القصة في إحدى قصائد غوته، ثم عجز لاحقاً عن الخلاص منها.
&
&
التعليقات