تؤكد منظمتان دولية وعراقية للدفاع عن حقوق الإعلاميين أن مدينة الموصل العراقية قد تحولت منذ أن سيطر عليها تنظيم "داعش" إلى مقبرة للصحافيين العاملين فيها، بعدما استولى على جميع المؤسسات الإعلامية، وحصل على قوائم كاملة بأسماء وعناوين العاملين فيها، ليبدأ بحملة ملاحقة أمنية كبيرة ضدهم بقرار من محكمته الشرعية التي وجّهت اتهامات إليهم بمخالفة التعليمات وتسريب معلومات من داخل المدينة لوسائل إعلام محلية وأجنبية لإخافتهم ومنعهم من أداء عملهم، وجعلهم يصارعون مخاوفهم بعيدًا عن الأضواء.


أسامة مهدي: مرصد الحريات الصحافية العراقي ومنظمة مراسلون بلا حدود الدولية رصدا في تقرير موسع صدر الاربعاء عن اوضاع الاعلاميين في الموصل التي احتلها تنظيم "داعش" في العاشر من حزيران (يونيو) عام 2014، وحصلت "إيلاف" على نسخة منه، حيث استغرق اعداده ثلاثة اشهر متتالية، جميع الجرائم التي ارتكبها تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" ضد الصحافيين، ومساعديهم في المنطقة الشمالية من العراق.

ووثقت المنظمتان من الفترة الممتدة من العاشر من حزيران (يونيو) 2014 حتى تاريخ نشر التقرير اختطاف 48 صحافياً ومساعدًا اعلامياً وطلاب اعلام من قبل التنظيم المتطرف بعد سيطرته على المدينة، حيث عمد إلى اعدام 13 منهم بطرق وحشية مختلفة بتهمة "الخيانة والتجسس"، فيما يكتنف الغموض مصير 10 آخرين، يعتقد أنهم ما زالوا محتجزين في سجون التسفيرات وبادوش ومعسكر الغزلاني، بينما ادت وساطات عشائرية وقبلية الى الإفراج عن 25 منهم بعد تعرضهم للتعذيب الشديد وتعهدهم بعدم ممارسة أي نشاطات صحافية.

السيطرة على 8 مؤسسات اعلامية
واشارت المنظمتان الى ان عناصر "داعش" استطاعوا في يومهم الاول من احتلال الموصل من السيطرة على 8 مؤسسات اعلامية اذاعية وتلفزيونية بكامل اجهزتها ومعداتها الفنية، واستغلوا تقنياتها الحديثة لتصوير الظهور الاول لزعيمهم المتشدد "ابو بكر البغدادي" بكاميرات قناة "سما الموصل"، التي يمتلكها المحافظ السابق للمدينة اثيل النجيفي، حيث وثقت المواقع الالكترونية التابعة للتنظيم تلك الخطبة الدينية في جامع النوري الكبير وسط الموصل، وعملت على انتاجها "مؤسسة الفرقان" وموقع "اعماق" و"البيان" و"الحياة".

فيما اطلق التنظيم اذاعة "البيان" وقناة "دابق" على ترددات ارضية، مستغلا بذلك معدات ومرسلات مؤسسات شبكة الاعلام العراقي ومؤسسات اعلامية اخرى. وعمد التنظيم، الذي يتزعمه ابراهيم عواد البدري، الملقب بأبي بكر البغدادي، الى قطع جميع الاتصالات وخدمة الهاتف النقال والانترنت عن جميع مناطق الموصل.

هروب جماعي للصحافيين من الموصل
وشهدت مدينة الموصل هروبًا جماعيًا للصحافيين، حيث غادرها أكثر من 60& صحافياً ومساعداً إعلامياً، 15 منهم هاجروا خارج البلاد، فيما توزع البقية منهم بين العاصمة بغداد وإقليم كردستان، فضلاً عن وجود مايقارب 20 آخرين ما زالوا عالقين داخل المدينة التي يسيطر عليها التنظيم بشكل كامل، وفقًا لاحصائية اعدها مرصد الحريات الصحافية عبر قاعدة بيانات وثقها على مدى عام كامل.

كما توعد تنظيم "داعش" من خلال تعليمات نشرها في مراكزه الاعلامية، كل من ينقل المعلومات والانباء من داخل المدينة "سيواجه الموت"، حسب توجيهات ما يسمى المحكمة الشرعية التي وجهت للصحافيين اتهامات بمخالفة التعليمات وممارسة العمل الصحافي وتسريب معلومات من داخل المدينة لوسائل إعلام محلية واجنبية، وهذا ما يثبت بأن مقاتلي التنظيم المتطرف كانوا عازمين على تصفية جميع الصحافيين في المدينة.
&
وتحدث صحافيون محليون من داخل الموصل وخارجها للمرصد، حيث اشاروا الى أن "جميع الاعلاميين ممن لم يغادروا المدينة التزموا بشكل قاطع بتعليمات التنظيم بعدم ممارسة المهنة او الاتصال بأي وسيلة إعلام، سواء كانت عراقية او اجنبية، حتى قبل سلسلة الإعتقالات والإعدامات التي طالت صحافيين في المدينة".

واضافوا ان العديد من الصحافيين الذين غادروا مدينة الموصل بعد سلسلة الملاحقات التي طالتهم، اضطر بعضهم للعودة إلى المدينة بعد إهمال السلطات الاتحادية والتجمعات النقابية لهم وعدم تمكنهم من العيش في العاصمة بغداد او إقليم كردستان، حيث تعرضوا بعد عودتهم للقتل من قبل المحاكم الشرعية لتنظيم "داعش".

حالات القتل والاعدام
وقد ادت حملة البحث التي قادها "داعش" منذ سيطرته على مدينة الموصل وحصوله على السجلات التي تحتوي على معلومات العاملين في جميع وسائل الاعلام المحلية والاجنبية الى مقتل واعدام 13 صحافيًا ومساعدًا اعلاميًا، من ضمنهم طلاب يدرسون الاعلام في جامعة الموصل.&

وتشير الإحصائيات التي أجراها مرصد الحريات الصحافية منذ عام 2003&الى مقتل 60 صحافيًا عراقيًا في الموصل من العاملين في المجال الإعلامي، بضمنهم 37 صحافياً وفنياً ومساعدًا إعلاميًا لقوا مصرعهم أثناء اداء مهامهم الصحافية، فيما شهدت المدينة نفسها اعدام 13 صحافيًا ومساعداً اعلاميًا على يد تنظيم "داعش" بعد سيطرته على المدينة التي شهدت على مدار العقد الماضي مقتل 10 صحافيين وفنيين آخرين لم يأتِ استهدافهم بسبب عملهم الصحافي.
&
الاختطاف والتعذيب
واستمر تنظيم "داعش" بملاحقة الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام لاسيما مع استمرار تدفق المعلومات من داخل المدينة إلى وسائل الإعلام المحلية والأجنبية مما دفعه الى التشديد على متابعة مصادر المعلومات والصور المسربة والبحث عن مصادرها.

وقد عمد التنظيم الى اختطاف 48 صحافياً ومساعدًا اعلامياً من ضمنهم 4 طلاب يدرسون الاعلام في جامعة الموصل، يعتقد أن اغلبهم مازال محتجزاً، بينما ادت وساطات عشائرية وقبلية الى الإفراج عن 25 منهم بعد تعرضهم للتعذيب الشديد. وغالباً ما تكون عمليات اختطاف الصحافيين في الموصل عنيفة، وتتضمن الضرب والإساءات ومصادرة مقتنيات من يكون المستهدف.

وتمكن المرصد من تحديد هوية 11 شخصًا من بين 14 من الذين مازلوا يقعون تحت الاحتجاز التعسفي، وهم المصور وليد العكيدي العامل في قناة "سما الموصل" واحمد رافع وايثار رافع اللذان يعملان في قسم المونتاج وصالح حسين ومحمد يونس وياسر القيسي وياسر الحاج هاشم ومحمود شاكر، وهم من القسم الفني فضلاً عن المكنى "أبو شهد" الذي تجاوز عقده الخامس، والذي يعمل مسؤولاً ادارياً في قناة "سما الموصل".. اضافة الى المراسل قيس طلال والمصور أشرف شامل العبادي اللذين قتلا بعد اختطافهما.

وتحفظ مرصد الحريات الصحافي عن ذكر أسماء وقضايا 13 صحافياً ومساعداً إعلامياً تعرضوا للاختطاف والتعذيب قبل ان يفرج عنهم خلال الفترة الممتدة من العاشر من حزيران (يونيو) 2014 حتى نشر هذا التقرير استجابة لرغبتهم في حجب اسمائهم خوفاً من أية عمليات انتقامية تتعرض لها عوائلهم، التي ما زالت ممنوعة من مغادرة المدينة.
&
الاحتجاز القسري
وتُظهر أبحاث المرصد أن بعض الصحافيين المختطفين من قبل "داعش" غالباً ما يصبحون مجهولي المصير، حيث&لا يزال 10 صحافيين ومساعدين اعلاميين خطفوا في اوقات متفاوتة لم يعلن عن مصيرهم.

واشار الى انه مازال مصير الكاتب والصحافي جمال المصري مجهولاً منذ 4 تموز (يوليو) 2014، بينما أعتقل في الثالث عشر من آب (أغسطس) 2014 الصحافي مهند العكيدي.. كما تم في الثالث من أيلول (سبتمبر) 2014& إختطاف المصور الصحافي علي النوفلي الذي تجاوز عقده الخامس في جنوب الموصل.

واستمر التنظيم باعتقالاته للصحافيين، وخلال منتصف كانون الثاني (يناير) 2015 تم اختطاف& الصحافي رياض الحيالي رئيس تحرير جريدة "دجلة" بعد ان داهموا منزله.. وفي الثالث من شباط& (فبراير) 2015 اقدم التنظيم على اختطاف رئيس تحرير جريدة "الميزان" المحلية ذاكر خليل بتهمة "الخيانة والتجسس" ونقل الأنباء من داخل المدينة بالضد من التنظيم المتشدد.. فيما لا يزال مراسل وكالة "عين الاخبارية" محمد ابراهيم مجهول المصير منذ ان اختطف من قبل مسلحي "داعش" في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2014 من داخل منزله في منطقة حي النور في شمال شرق الموصل قبل ان يقتادهم إلى أحد مراكز الاختطاف الخاصة بالتنظيم". وتحفظ التقرير على ذكر اربع حالات اخرى نزولاً لرغبة عوائلهم الذين مازالوا محاصرين داخل مدينة الموصل.
&
الاستيلاء على المؤسسات الاعلامية
وبعد استيلاء التنظيم على الموصل، فقد استغل انهيار القطعات العسكرية والامنية امام الهجوم الذي شنه على الموصل، وادى الى سيطرته بالكامل على المدينة، حيث سارع التنظيم المتشدد الى البحث عن جميع المؤسسات الاعلامية هناك.

واستولى مسلحو التنظيم على جميع مقار المؤسسات الصحافية والإعلامية ومحتوياتها، وركز بشكل خاص على المؤسسات الاذاعية والتلفزيونية، واحتل مقارها قبل ان يصيبها أي أذى جراء المعارك التي دارت بينه وبين القوات العراقية.

دعوة الجنائية الدولية لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الصحافيين
ازاء ذلك، فقد ذكَّرت ألكسندرا الخازن مديرة مكتب الشرق الأوسط بمنظمة مراسلون بلا حدود "جميع أطراف النزاع المسلح في العراق بضرورة احترام الصحافيين، وذلك بموجب القرار 2222 المعتمد عام 2015 وطبقاً لمقتضيات اتفاقيات جنيف".

واضافت أن المنظمة "تكرر مناشدتها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين".. موضحة أن التحقيق الميداني الذي أجراه مرصد الحريات الصحافية يكشف النقاب عن الواقع اليومي الرهيب الذي بات يعيشه الصحافيون المقيمون في الموصل منذ سيطرة الدولة الإسلامية بشكل كامل على المدينة، كما يفضح التقرير ما يكنه التنظيم من حرص شديد على فرض رقابة صارمة على تسريب أية معلومات من داخل المدينة.
واشارت الى ان هذه النزعة تتضح جلياً من خلال استغلال استوديوهات ومعدات المؤسسات الإعلامية المحلية بعد الاستيلاء عليها، حيث يستخدم التنظيم تلك "الغنائم" في حربه الإعلامية“.

وتُعتبر الموصل ثاني أكبر مدن العراق، وقد سقطت في أيدي "داعش" يوم 10 حزيران/يونيو 2014 ومنذ ذلك الحين أصبح الإعلام الحر منعدماً تماماً في المدينة، حيث استولى التنظيم على وسائل الإعلام التي صارت وسيلة لنشر رسالته الجهادية. أما الصحافيون الذين مازالوا يعيشون في المدينة فإنهم مضطرون للتعهد بعدم العودة إلى ممارسة أي نشاط إعلامي إن هم أرادوا البقاء على قيد الحياة وتجنب الانتهاكات الوحشية التي يقترفها التنظيم المتطرف.

توصيات لتوفير حماية أفضل للصحافيين العراقيين محليًا ودوليًا
وشددت منظمة مراسلون بلا حدود على ان جميع أطراف النزاع - دُولاً كانت أم جهات غير حكومية - ملزمة بحماية الصحافيين، حيث ان القانون الدولي بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية يحظر على الأطراف الحكومية وغير الحكومية الاستهداف المتعمد للمدنيين، بمن فيهم وسائل الإعلام والصحافيون، حيث تدخل الهجمات ضد الأهداف المدنية في عداد جرائم الحرب.

ودعت السلطات العراقية الى وضع تدابير لحماية الصحافيين المضطرين إلى الفرار من منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة في بلدهم، وخاصة نحو منطقة الحكم الذاتي الكردية جرّاء الصراع وبسبب نشاطهم المهني.. وكذلك الى التحقيق بشكل منهجي وشفاف في الهجمات المرتكبة على أراضيها ضد الصحافيين حتى عندما يُشتبه في ضلوع مسؤولين محليين.

كما طالبت بلدان "الملجأ الأول" الى حماية الصحافيين المنفيين الذين يطلبون اللجوء على أراضيها من المناورات الاضطهادية أو العمليات الانتقامية التي قد تقوم بها بعض الجماعات المسلحة.. وكذلك منح تصاريح عمل للاجئين الصحافيين الراغبين في مواصلة أنشطتهم المهنية لتمكينهم من إعالة أنفسهم.

وناشدت المنظمة بلدان إعادة التوطين واللجوء: وخصوصًا الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إعطاء الأولوية لملفات الصحافيين العراقيين المنفيين.. وتسهيل الوصول إلى مكاتبها القنصلية وإيداع طلبات التأشيرة الإنسانية للصحافيين المضطرين إلى الفرار من بلدهم بسبب أنشطتهم المهنية.

كما دعتها الى السماح للصحافيين العراقيين المنفيين بتقديم طلبات اللجوء إلى سفاراتها في بلدان العبور، حيث يوجدون، وضمان وصولهم السريع إلى أراضيها في حال قبول الطلب.

وناشدت الامم المتحدة العمل على اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية للنظر في الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين في العراق، وذلك بهدف وضع حد للإفلات من العقاب. ودعت مجلس الأمن الدولي إلى إحالة الوضع في سوريا والعراق إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحافيين في كلا البلدين باعتبار أن تلك الجرائم تدخل في اختصاصات هذه المحكمة.

واكدت ضرورة تعيين ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن مسألة حماية الصحافيين على أن يتمثل دوره في رصد مدى التزام الدول الأعضاء بالحرص على سلامة الصحافيين من وجهة نظر القانون الدولي.. واستصدار قرار يؤكد على ضرورة قيام الدول الأعضاء بحماية ومساعدة الصحافيين المحترفين منهم وغير المحترفين الذين يطلبون اللجوء في تلك البلدان.

وشددت على ضرورة إنشاء آلية إنذار لفائدة الصحافيين اللاجئين في كل مكتب من مكاتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك لضمان الاستفادة بشكل أفضل من تدابير الحماية الشخصية المناسبة وإجراءات إعادة التوطين في حالات الطوارئ وآلية الإخلاء الموقت في الدول الآمنة الأعضاء في الأمم المتحدة. يُذكر أن العراق يقبع في المركز 156 (من أصل 180 بلداً) على جدول تصنيف 2015 لحرية الصحافة،&الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود في مطلع العام الحالي.
&


&