تميز حضور ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني بغلبة المستشرقين الروس، المتحدثين بالعربية، ما يدل على تقارب ثقافي بين الخليج وروسيا، خلافًا لمؤتمرات سابقة مشابهة، شهدت غلبة أميركية، وخلافًا أيضًا لما اعتاده منظمو المنتديات الإماراتية.

خاص "إيلاف"&من أبوظبي: برز موضوعان مهمّان سيطرا على "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني 2015" الذي انطلق الأحد: التهديد الوجودي الإيراني للمنطقة وغياب التفكير الاستراتيجي الأميركي، وكانا مدار النقاشات والفعاليات ما بين شد وجذب.

توافق 3 دول خليجية

أكدت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، أن هناك 3 دول خليجية متفقة في مصالحها، لكن هناك دول تنحاز لدول إقليمية أخرى، وهذا يهدد الوحدة الخليجية، وموقف الإمارات في اليمن جاء لإنقاذ الشرعية وحدها.

وأضافت، خلال افتتاح ملتقى أبوظبي الاستراتيجي 2015، الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية ومجلس الأطلسي اليوم: "الدول لا تستطيع الحفاظ على استقرارها ومصالحها في الاقليم من دون امتلاك مخالب عسكرية، لذا كانت مشاركة دولة الامارات العربية المتحدة في عملية "عاصفة الحزم" في اليمن متسقة مع المواثيق والقوانين الدولية، لإنقاذ الشعب اليمني وحكومته الشرعية، إذ تعلمت دول الخليج درسًا قاسيًا من التجربة العراقية، بعد أن وقفت صامتة بينما كان بلد عربي كبير على حدودها يضيع".

وأشارت إلى أن أحد الاهداف الأكثر حيوية وراء قيام المركز بإبرام شراكة بحثية استراتيجية مع المجلس الأطلسي، "كان محاولة التنبؤ بمستقبل الخليج، والتحولات السياسية في المنطقة، لتجنب التعرض لصدمات استراتيجية".

تفاعلية لا استراتيجية

وأكد السياسي الأميركي جيمس جونز، المستشار السابق للرئيس الاميركي باراك أوباما لشؤون الأمن القومي، ورئيس مجلس إدارة مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي في المجلس الأطلسي: "منذ بداية الربيع العربي، أصبحت سياساتنا الأميركية تفاعلية على رد الفعل إلى حد كبير"، وعلى حد قوله كان متحفظًا على كلمة الاستراتيجية، فبدلًا من أن يقول اصبحت سياستنا استراتيجية قال سياستنا تقوم على رد الفعل، اي اصبحت سياسة ردات فعل وليست سياسة استراتيجية هجومية كالتي اتبعتها واشنطن منذ سنوات عديدة.

وأضاف: "يجب على الولايات المتحدة الأميركية التوقف عن اتباع سياسة قائمة على رد الفعل، واتخاذ قرارات متأخرة في ما يتعلق بشؤون الخليج والمنطقة".

وذكر جونز أن الاستخدام الأميركي للقوة العسكرية في التعامل مع التحديات المتصاعدة في هذا الاقليم من العالم، يجب أن يكون حاسمًا وسريعًا، "فالضربات الجوية ضد تنظيم داعش الارهابي، وأخيرًا القرار بإرسال 50 جنديًا اميركيًا إلى شمال سوريا، هذه الأفعال والقرارات الرمزية من شأنها أن تمد أمد المواجهة لسنوات طويلة من دون إحداث تغيير حقيقي في المعادلة العسكرية في سوريا".

لا نثق بهم

من جانبه، قال الخبير الروسي سيرغي اليكسا شينكو إن بوتين ليس استراتيجيّا انما هو سياسي انتهازي. وقد قالت ايلينا سابونينا، مستشارة مدير المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية: "من السهل هدم واسقاط الانظمة، ومن الصعب جدا اعادة بناء الانظمة".

وتفاعل أحد المغردين الخليجيين مع الملتقى، قائلًا: "لم يكن في اليمن دولة حديثة حتى قبل الأزمة مع الحوثيين، وقبل الربيع العربي كان هناك أفراد يديرون هياكل إدارية بالتليفون والقات". ثم تفاعل يوري بارمين، وهو محلل روسي في مركز الدراسات الروسية للشرق الأوسط، مع المغرد الخليجي فقال إنه يسمع خليجيّا أول مرة يقول "نحن لا نثق بالأميركيين، وهناك غموض في موقف مسقط ".

أما وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، وزير شؤون المجلس الوطني الاتحادي، أنور قرقاش فقال: "لست ضد الحوار مع إيران بشرط توقفها عن دعم حزب الله والبعد عن الصراع في اليمن والبحرين".

حرب جماعية

وأكد الكاتب والمحلل السياسي السعودي عبد الرحمن الراشد أن "المشهد الحالي يعبر عن حالة حرب جماعية ويتساءل عمّا إذا كان هناك أمل وراء هذه الفوضى".

وأضاف الراشد، خلال الجلسة الأولى للملتقى، والتي أدارها بعنوان "الخليج في العالم الجديد": "إن منطقة الخليج العربي، ذات الأهمية الاستراتيجية، تشهد أول مرة في تاريخها كمًا هائلًا من الاضطرابات المحيطة بها، والمتمثلة في حروب تنتشر في الجغرافيا السورية والليبية واليمنية، فضلًا عن الفوضى الأمنية التي تطبع المشهد العراقي منذ سنوات".

وأشار إلى أنّ ما يزيد الوضع تعقيدًا هو الصعود المستمر للتنظيمات الارهابية في المنطقة وبخاصة تنظيم داعش، "الذي اصبح لديه نشاطات عنفية وارهابية داخل بعض الدول الخليجية، ومنها المملكة العربية السعودية،من دون أن ننسى مخاطر وتبعات التدخلات العسكرية الاجنبية، لا سيما الايرانية والروسية في سوريا".

وأوضح الدكتور ظافر العجمي، مدير مجموعة "مراقبة الخليج" في الكويت، أن الهاجس التاريخي يشكل جزءًا من المفهوم الأمني لدى دول الخليج، ورأى أن التعاون الأمني والعسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي قطع أشواطًا جيدة على عكس ما قد يعتقد البعض، وأن مستويات التنسيق الأمني البيني مرضية جدًا على مستوى الأمن الذاتي ودرع الجزيرة واتفاقيات الدفاع المشترك، فضلًا عن الاتفاقيات الامنية والدفاعية التي وقعتها دول الخليج مع الحلفاء الدوليين.

مفهوم أمني خليجي

من جهته، طالب الدكتور ابراهيم آل مرعي، الخبير السعودي في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، صناع القرار الخليجيين بمواجهة أسئلة حاسمة قبل التحدث عن وضع استراتيجيات لمواجهة المخاطر بأشكالها المتعددة، بينها: هل تنظر دول الخليج نظرة واحدة ومتساوية إلى الخطر الايراني كتهديد محتمل لوجودها؟ وهل تتفق هذه الدول ايضا في رؤيتها وتعاملها مع ظاهرة الاسلام السياسي وتنظيم الاخوان المسلمين مثلًا؟ قال: "يجب أن لا نلوم الآخرين، حتى أولئك الذين في المعسكر المعادي للمصالح الخليجية،على سياساتهم واستراتيجياتهم، بل يجب أن يبحث الخليجيون في كيفية تطوير استراتيجياتهم على الدوام، ليكونوا مستعدين للمواجهة على مستويات مختلفة".

وطرح الدكتور محسن ميلاني، المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة اسئلة على مائدة النقاش في الملتقى بشأن الخطر الإيراني.

وسأل: "هل ستكون ايران دولة نووية في المستقبل؟ انا اقول لا، وهناك معضلة في المنطقة، فما هي الخيارات؟ كل الدول صارعت لحل القضية النووية الإيرانية، وبعد ما حُلّت القضية جاء وقت السلام على ما اعتقد".

أضاف: "عندما اجتمع الرئيسان الأميركي باراك اوباما والإيراني حسن روحاني ودول 5+1، تغير القرار المستقبلي، ولا بد ان ننتبه لهذا الأنموذج الجديد، وللسياسة الخارجية الإيرانية". ثم سأل ميلاني: إلى اين إيران ذاهبة بعد 10 سنوات من اليوم؟"، لافتًا إلى أن في إيران فصائل براغماتية مدعومة من فصائل تريد ان تنضم بلادها إلى منظمة التجارة الدولية .

لا تخضع للابتزاز

ذكرت الدكتورة ثريا العريض، عضو مجلس الشورى السعودي، في معرض حديثها عن كفاءة السعودية في ادارة الأزمات الداخلية والخارجية، ما جاء على لسان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في لقاء جمعه أخيرًا بنخبة من المثقفين والاعلاميين المحليين؛ اذ أكد أن المملكة لن تسمح بالتدخل في شؤونها الداخلية، مع ترحيبها الدائم بالتعاون مع الشركاء الحقيقيين، وان حرص المملكة على الاستقرار داخليًا وخليجيًا واقليميًا لا يعني أن تخضع للابتزاز من أي جهة داخلية او خارجية.

وأضافت العريض: "محاولة دول مجلس التعاون الخليجي لتجنب الهزات العنيفة التي ضربت المنطقة ولا تزال، يجب أن لا يمنعها من النظر أكثر إلى المستقبل ومحاولة استشرافه".

وناقشت الجلسة الثانية من ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني "التحولات الداخلية في بلدان الربيع العربي: سورية والعراق وليبيا واليمن ومصر"، في محاولة لمقاربة العوامل والسياسات الداخلية والخارجية التي أدت إلى دخول بلدان مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا في غياهب الفشل، بينما تجنبت مصر المصير نفسه.