في كلمة القتها انجيلا ميركل أمام جمع من الناخبين المحافظين أخذت المستشارة الالمانية نفساً عميقاً قبل ان تستعرض ما فعلته خلال الشهرين الماضيين، ولكن خلاصاتها لم تكن وردية قطعا.
عبد الاله مجيد: قالت ميركل انها تعرف ان اتفاقا لم يتحقق بين دول الاتحاد الاوروبي على تقاسم عبء اللاجئين وليس هناك اتفاق مع تركيا على الحد من تدفق اللاجئين الى اوروبا ، وتعرف بانعدام النظام وغياب السيطرة على طريق البلقان الذي يستخدمه مئات آلاف اللاجئين من سوريا وافغانستان والعراق لطلب اللجوء في المانيا وغيرها من دول شمال اوروبا. وابدت ميركل قلقها بصفة خاصة على ما يجعل المانيا قوية وهو الاعتدال السائد في المجتمع الالماني ونظرته الوسطية متسائلة عما إذا كانت المانيا اخذت تفقد هذا الموقف الوسطي المعتدل. واظهرت كلمة ميركل ان لا أحد يعرف خطورة الوضع الذي يواجه المانيا كما تعرفه هي.
نهاية عهد ميركل؟
ما زالت ميركل تتمتع بدعم كبير داخل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بقيادتها. &ولكن مع مرور كل يوم يعبر فيه آلاف اللاجئين الى المانيا يزداد تقويض الثقة بامكانية الاستمرار في الرهان على هذا الدعم. &وحتى وقت قريب كانت ميركل تعتبر اقوى القادة الاوروبيين ولن تنتهي ولايتها إلا إذا قررت هي نفسها عدم الترشح لاعادة انتخابها عام 2017. &ولكن وسائل اعلام اجنبية ومحلية تتساءل الآن عما إذا كانت المستشارة ستواجه متاعب خطيرة قبل عيد الميلاد أو بعده مباشرة. وكتبت صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية مؤخرا "ان نهاية عهد ميركل تلوح في الأفق".
وكان قرار ميركل فتح حدود المانيا للاجئين قرارا محصنا ضد النقد من الناحية الأخلاقية ولكنه وضعها في موقف دفاعي من الناحية السياسية. &ولضبط الحدود الاوروبية الخارجية تعتمد ميركل على مساعدة من كانوا حتى الآن خصوما مثل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس.
واخذ يتضح ببطء ان نفوذ ميركل في اوروبا يتضاءل مع تراجع شعبيتها بين قواعد حزبها في المانيا. &والحقيقة ان رصيد المستشارة من الشعبية ارتفع بين انصار حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاجتماعي. &ولكن مؤيدي حزبها الذي ينتمي الى يمين الوسط يخشون ان تسفر سياسة الترحيب باللاجئين عن "مجتمع مواز" من المسلمين في المانيا.
لاجئون يتدفقون بعشرات الآلاف
يقول اعضاء في حزب ميركل ان الخيار الوحيد لتحرير نفسها من المصيدة التي وقعت فيها هو الاسراع بخفض عدد اللاجئين الذين يتدفقون على المانيا. &ولكن هذا لا يبدو ممكنا في الوقت الحاضر مع دخول نحو 500 الف لاجئ منذ بداية ايلول/سبتمبر واستمرار تدفقهم على الحدود بأعداد تصل الى 10 آلاف او 12 الف لاجئ يوميا، كما نقلت مجلة شبيغل عن مسؤول في وزارة الداخلية الالمانية.
وكتب 215 رئيس بلدية في ولاية شمال الراين ـ فيستفاليا رسالة في اواخر تشرين الأول/اكتوبر الى المستشارة ميركل وحاكمة الولاية هانيلورة كرافت يعلنون فيها استنزاف قدرتهم على التعامل مع الوضع. &واكدوا ان مراكز ايواء اللاجئين مزدحمة فوق طاقتها وحتى توفير سكن في خيم أو حاويات لم يعد ممكنا. &وقال رؤساء البلديات ان انشغالهم بتدفق اللاجئين صرفهم عن مسؤولياتهم البلدية. وفي الوقت نفسه تقريبا وجه خمسة سياسيين من منطقة اخرى في الولاية رسالة احتجاج الى مكتب حاكمة الولاية.
مصاعب جمة
تدرك المستشارة المصاعب الموجودة على مستوى البلديات المحلية وتعلم بعدم وجود مراكز كافية لايواء اللاجئين أو مترجمين أو قضاة ينظرون في طلبات اللجوء. ولكنها لا تملك حلا سريعا لتخفيف الضغوط المتعاظمة. وأحد اسباب ذلك ان ميركل كانت صريحة على غير عادتها بشأن موقفها من ازمة اللاجئين. فهي تنظر الى الأزمة من منظار سؤالين الأول هل هو تستطيع المانيا خفض عدد اللاجئين الوافدين بتشريع؟ والثاني هل يتعين على الحكومة ان تعلن ان هناك حدا لقدرة المانيا على الاستيعاب؟ واجابت ميركل اجابة واضحة بالنفي عن السؤالين.
ضغوط متزايدة
ميركل ليست وحدها في هذا الموقف بل يدعمها دعما غير مشروط مدير مكتبها بيتر التماير الذي عينته مؤخرا منسق شؤون اللاجئين. ولكن هناك سياسيين في حكومتها لا يشاطرونها موقفها بينهم وزير الداخلية توماس دي ميزيير ووزير المالية القيادي في حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي فولفغانغ شويبله ، حليف ميركل في حكومتها الائتلافية.
وتدرك ميركل والتماير انهما لا يمكن ان يتجاهلا الضغوط المتزايدة والشكوك المتعاظمة في سياستهما ولهذا السبب اكدا انفتاحهما على ايجاد حل توافقي مع حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي ، بما في ذلك اجراء مفاوضات مع شريكها في الائتلاف الحاكم الحزب الديمقراطي الاجتماعي حول ما يُسمى مناطق المرور التي يُراد اقامتها على اطراف اوروبا حيث يمكن ايواء اللاجئين والنظر في طلباتهم قبل توزيع من تُقبل طلباتهم في عموم اوروبا. ولكن ميركل لا تعتقد ان مثل المفاوضات ستكون مجدية رغم حرصها على الايحاء بأنها مستعدة لقبول حل وسطي.
كما تتفق ميركل مع وزير داخليتها على اعادة اللاجئين المرفوضة طلباتهم الى افغانستان. ونقلت مجلة شبيغل عن مصدر في مكتب المستشارة ان توسيع دور المانيا العسكري في افغانستان يمكن ان يُستخدم لاقامة مناطق آمنة تتيح عودة طالبي اللجوء المرفوضين.
القضية الأخرى التي يختلف عليها المحافظون الالمان هي السماح للاجئين باستقدام عائلاتهم بعد قبولهم لاجئين. &ولكن عدد طلبات اللجوء كبير حاليا بحيث ان طلبات لم الشمل تبقى قليلة حتى الآن.
ولكن رغم التنازلات التي قدمتها ميركل فانها ما زالت ترفض تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين الذين يمكن ان تستقبلهم المانيا وترفض حتى التفكير في بناء سياج حدودي.
نيران صديقة
يختلف حليف ميركل الرئيسي زعيم حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي هورست زيهوفر مع موقف المستشارة برمته ويصر على تحديد سقف لعدد اللاجئين. فهو ايضا يواجه ضغوطا في ولايته بافاريا المتاخمة للنمسا حيث تحملت العبء الرئيسي لأزمة اللاجئين.
وامضى زيهوفر الاسابيع الماضية في شن هجوم تلو الآخر على ميركل. وقال ان قرارها قبول اللاجئين العالقين في المجر مثلا قرار من شأنه "ان يشغلنا فترة طويلة" &ودعا رئيس الوزراء المجري فكتور اوربان الذي اقام سياجا على امتداد حدود بلده لمنع دخول اللاجئين الى فعالية اقامها حزبه في بافاريا.
وتخشى ميركل هبوط شعبيتها إذا لم تنفذ الوعود التي قدمتها. وزيهوفر على اقتناع بـان الناخبين سيديرون ظهورهم للمحافظين إذا شعروا بأن هواجسهم لا تؤخذ على محمل الجد. &ولكن زيهوفر لا يعتقد بان ميركل يمكن ان تبقى على عنادها برفض تحديد سقف اعلى. ولهذا السبب قرر تصعيد المواجهة معها. وهدد باتخاذ اجراءات "دفاعية طارئة" إذا لم تغير ميركل سياستها.
ويرى مراقبون ان المعركة الشرسة بين حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل وحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي بزعامة زيهوفر مضرة للحزبين. &فان شعبية الحزبين على السواء تراجعت. &ولهاذا السبب يبدي زيهوفر مقاومة شديدة لسياسة ميركل رغم انه سيقتنع حتى بخطوة صغيرة منها. &وقال مصدر قريب من زيهوفر لمجلة شبيغل "ان عبارة السقف الأعلى لا يتعين لفظها بالضرورة بل تستطيع ميركل ان تقول انها ستفعل كل ما بوسعها لضمان عدم استمرار تدفق اللاجئين على النحو السابق". &ولكن من المستبعد ان توافق ميركل حتى على ذلك.
كما تواجه ميركل متاعب من داخل حزبها الذي نظم العديد من مسؤولي فروعه المحلية فعاليات للتعبير عن القلق من استمرار تدفق اللاجئين بلا تحديد سقف أعلى.
وقال كريستيان هارتمان رئيس منظمة الحزب في مدينة درسدن ان اعضاء فرع الحزب في المدينة منقسمون وان بعضهم انضموا الى حركة الوطنيين الاوروبيين ضد أسلمة الغرب "بيغيدا" فيما يشارك البعض الآخر في احتجاجات مضادة لها. &وفي ولاية هيسة قال القيادي في فرع الحزب ايلمار بوتسيك ان الكثير من مؤيدي الحزب يشعرون بالقلق من سياسة ميركل. &واعلن مسؤولون حزبيون في ولايات أخرى وخاصة في شرق المانيا عن مواقف مماثلة.
وقال مراقبون ان هذا تطور غير مألوف على ميركل التي لم تواجه مثل هذه المعارضة من داخل حزبها منذ زمن طويل. &هل يعني هذا ان ميركل تترنح على حافة السقوط؟ لم يكن التهديد كبيرا كما هو اليوم منذ أصبحت مستشارة قبل 10 اعوام. &وفي الوقت نفسه فان ميركل متمرسة في ادارة الأزمات وتعرف ان بقاءها سياسيا يعتمد على نجاحها في التعاطي مع أزمة اللاجئين.
ويميل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي الى التمسك بقادتهم ما داموا قادرين على الفوز في الانتخابات. وفي آذار/مارس سيتوجه الناخبون الى صناديق الاقتراع في ثلاث ولايات المانية. وبهذا المعنى فان امام ميركل اربعة اشهر للسيطرة على الوضع.
التعليقات