صار إبداء التضامن مع الفرنسيين بُعيد اعتداءات باريس الدامية، فرصة لدى بعض المعارضين السوريين لتخوين من يفعل ذلك، إذ يرون أنّ ضحايا النظام السوري أولى بالتعاطف والمساندة، وهو ما يعتبره مراقبون نتاجا لغياب ثقافة الديمقراطية والاختلاف في المجتمع السوري.


بهية مارديني: بات السوريون حسب متابعين، يختلفون حول كل شيء، ويخونون بعضهم البعض في كل مجال حتى في التضامن مع الشعب الفرنسي في الاعتداءات التي طالت باريس يوم&الجمعة الماضي.

وانقسم السوريون بين مؤيد ومعارض ومخوّن لوضع العلم الفرنسي في بروفايل الصفحات وعلى الصور الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي كموجة متجددة عاشها السوريون على وقع استسهال التخوين.

وشهدت فرنسا حملة تضامن واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وغيّر ملايين المستعملين صورهم الشخصية وأضافوا اليها ألوان العلم الفرنسي كخطوة رمزية لإدانة تفجيرات باريس التي حدثت يوم الجمعة الماضي وخلّفت عشرات الضحايا.

ويرى الاعلامي السوري شعبان عبود في تصريح لـ"إيلاف" أن "ظاهرة استسهال التخوين بين المعارضين السوريين ربما تعكس حال الفوضى والتخبط التي تسم جميع أشكال العمل السياسي بين الهيئات والمنظمات والتجمعات المحسوبة على المعارضة، كذلك تعكس الظاهرة عدم نضج هذه الهيئات والتجمعات والشخصيات المعارضة وعدم خبرتها في العمل السياسي".

واعتبر عبود أن كل ذلك "مفهوم ومتوقع طالما عانى المجتمع السوري على مدار اكثر من خمسين عاما من غياب الحياة السياسية وتغييبها في ظل الحكم الاستبدادي".

وقال "المعارضون السوريون في مجملهم هم أبناء طبيعيون لتلك المرحلة، المرحلة التي كان فيها المجتمع المدني مغيّبا حيث صادر الحزب الواحد وأجهزة الأمن كل أشكال النشاطات ومنع السياسة من المجتمع".

وأشار عبود الى أن المعارضين السوريين "لا يعرفون التنظيم ولا يعرفون التنسيق ولا يعرفون أيضا كيف يحددون الاولويات ولا يعرفون كيف يجتمعون وعلى ماذا؟".

وأعرب عن أسفه لأنهم "يقدمون الشخصي على العام"، ورأى أن ذلك "نتيجة لانعدام ثقافة العمل الجماعي وعدم الإيمان بالجماعة وغياب قيم الجماعة "، مؤكدا أنّ "هذا كله أنتجته سنوات طويلة من العيش في ظل الحكم الاستبدادي".

ويرى عبود أنّ استفحال ظاهرة التخوين في السنوات الاخيرة بين المحسوبين على المعارضة في سوريا "يعود في جزء منه الى ارتهان غالبية المعارضين السوريين جماعات وأفرادًا الى قوى خارجية وحكومات إقليمية لها مصالح متضاربة ورؤى مختلفة لما يجري في سوريا".

ويضيف: "المعارضون السوريون في غالبيتهم مرتهنون لهذه الحكومات والقوى حتى في ابسط التفاصيل المتعلقة بالإقامة ومصاريف الحياة اليومية، لذلك حين تختلف هذه الحكومات والقوى الخارجية في ما بينها حول رؤية وكيفية الحل في سوريا فمن الطبيعي ان نجد انعكاسات ذلك على لغة المعارضين ومواقفهم، وهو ما يؤدي او يساعد على تنمية لغة التخوين وثقافة التخوين في ما بينهم، بينما المطلوب هو لغة الاختلاف وهذه ظاهرة طبيعية وصحية".

ويتابع: "يجب ألا ننسى ان جزءا من المعارضين أتوا من خلفيات ثقافية وسياسية واجتماعية مختلفة، هناك اليساريون وهناك الاخوان المسلمون وهناك الناصريون والبعثيون والقوميون، وهناك رجال الاعمال وهناك أبناء المدن وأبناء القرى وهناك من أتى من داخل سوريا وهناك من عاش غالبية سنوات عمره في الخارج وهناك من بدأ الاهتمام بالسياسة مؤخرا، هؤلاء جميعا وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في عام 2011 في ظرف جديد ومرحلة جديدة وفي مركب واحد، اقصد انهم جميعا ورغم اختلافاتهم وخلافاتهم يجمعهم انهم ضد النظام السياسي الحالي لكن هذا لا يعني ابدا انهم كانوا جميعا متفقون او متشابهون".

غياب دولة القانون

مسألة اخرى يطرحها عبود، تتعلق بثقافة او استسهال لغة التخوين بين المعارضين، وهي ايضا منتشرة على الضفة الاخرى، حيث "يخون الموالون للنظام كل من لا يتفق معهم، وذلك يعكس ثقافة مجتمع تغيب عنه قيم الديموقراطية وثقافة الرأي والرأي الآخر وقبول الآخر، نحن في سوريا لم نتربى على ثقافة ديموقراطية بالمعنى السياسي والمؤسساتي للكلمة، لا نعرف كيف نختلف في ما بيننا، لا نعرف ولم نتعلم كيف& نصغي للآخر.. كذلك تعكس الظاهرة غياب دولة القانون، حيث يمكن تخوين الآخر بسهولة دون ان يتسبب ذلك في محاسبة قانونية رادعة للشخص الذي يطلق التخوين دون امتلاك ادلة وبراهين يقدمها للمحكمة، في المجتمعات المتقدمة حيث يسود القانون، لا احد يتجرأ ابدا على تخوين الآخر او استسهال ذلك، هذا غير موجود في ثقافة تلك المجتمعات، ان ذلك يعود لرسوخ ثقافة الديموقراطية وقيم الديموقراطية التي تؤمن بالرأي والرأي الآخر والاختلاف كذلك بسبب وجود مؤسسات قانونية رادعة تحاسب كل من يطلق مثل هذه الاتهامات بسهولة".

الشللية

من جانبه، يقول الاعلامي الفلسطيني عدنان علي& لـ"إيلاف" إنّ هذه ظاهرة "منتشرة ومستفحلة تعود علی المستوی الشخصي الی ضعف الثقة بالنفس وبالآخرين وعلى المستوی المجتمعي السياسي الی تفكك المعارضة السورية وغياب الناظم والضابط لعملها خلافا لجبهة النظام التي تبدو اكثر تماسكا وانضباطا فضلا عن غياب اخلاقيات العمل السياسي والروح الديمقراطية ما يجعل الخلافات البسيطة تتحول بسرعة الی حفلات ردح وتخوين واللافت ان اشخاصا آخرين لا علاقة مباشرة لهم بهذا الخلاف سرعان ما ينضمون الی احد الطرفين دون ان يكونوا مطلعين علی& تفاصيل الموضوع".

واعتبر أن في ذلك "ما يشير الی قوة غريزة القطيع التي ميزت واستحكمت بمجتمعاتنا طيلة العقود الماضية وغياب العقل النقدي الذي يتأنی صاحبه قبل أن يدلي بدلوه في أية قضية هذا فضلا عن بروز "الشلليات" حيث تنضم فرق الرداحين تلقائيا الی احد الفريقين بدافع سطحي او نفعي".

وحول التخوين الذي رافق التفجيرات في فرنسا والتعاطف مع الضحايا قال "اظن ان&الناس يشعرون بالمرارة من المبالغة في التعاطف مع الضحايا الفرنسيين مقابل ضعف التعاطف مع محنة السوريين وتجاهل القتل اليومي في سوريا... من الطبيعي أن نشاهد ردود فعل مثل هذه".