عرف التاريخ قادة وزعماء تولّوا مقاليد السلطة في سن مبكرة، وبعضهم نودي بهم ملوكاً وحكاماً وهم في مرحلة الطفولة. ويزخر الحاضر بشخصيات قيادية فتية تتولى مناصب رفيعة، تتحدث "إيلاف" عن أبرزها ضمن هذا الملف.

بين قادة في هذا العالم لم يبلغوا الأربعين يظهر وزير الاعلام السعودي عادل الطريفي نارًا على علم. إنه "رئيس التحرير" الذي صار وزيرًا، يعرف من أين تؤكل كتف الخبر، وكيف تتطور الوزارات.

خاص - إيلاف: لم يصل أربعينه بعد، على الأقل في تعداد سنوات عمره، لكنه تجاوزها مناصب ومسؤوليات ومواقف ومهام. إنه وزير الاعلام السعودي الدكتور عادل الطريفي، الذي يتوافق كل من إلتقاه، ولو هنيهات، على أنه ذاك الهادئ بالرغم من صحفيته، المتواضع بالرغم من رفعة مكانته، المبتسم بالرغم من جسامة المسؤوليات الملقاة - ملكيًا - على كاهله.

اللقاء والطريفي أشبه ما يكون بلقاء مع المؤرخين، إذ لا يغادر فرصة الحديث عن أي حادثة من دون أن يسهب في تفاصيلها، وهو الشغوف بالمعرفة والتاريخ وتقاليد الشعوب. قيل عنه إنه بالرغم من ملامحه الهادئة، فإنه يناور ضيوفه بعين واحدة، بينما الأخرى تلتقط صورًا للماضي والحاضر والإرث الثقافي والإجتماعي داخل وخارج بوابات المكان، في مهارة لا يحتكم اليها كثرةٌ من المشتغلين بالصحافة والاعلام.

شباب يحكمون

&

القبطان ودفة السفينة

والمهم الآن، كيف سيوجّه القبطان الطريفي دفة السفينة الإعلامية على مياه هادرة وصفيح ساخن من التداعيات والتطورات، داخليًا وخارجيًا، بعد غياب بوصلة هذه السفينة امتد لسنين حتى كاد أن يمخر عباب المتاهة التي لا انبلاج لها؟ ثم أنه مسؤول أمام ملك لا تفوته فائتة ولا تخفيه خافية في أرجاء مملكته على امتداداتها، وأركان المعمورة بكل زلازلها وبراكينها إقليميًا ودوليًا؟

عادل الطريفي ابن صنعة الاعلام وزيرًا

&

ظل الإعلام السعودي "المقروء والمسموع والمرئي" ضعيفًا يراوح في المكان رغم توفر كل الإمكانيات، حتى الكفاءات كانت عالية، لكنّ أنماطًا من المسؤولين وبينهم وزراء أسندت إليهم الحقيبة، فدفنوا أنفسهم في بيروقراطية الحقيبة وروتينها القاتل، فقتلوا الوزارة والإعلام سواء بسواء، وكادت مجزرة "تخاذلهم" أن تطال الموقف السعودي بكليته في منظور العالم، لولا أن كان في القيادة رجال دافعوا عن هذا الموقف بصلابة وشجاعة ومكاشفة وشفافية، كان يفتقر إليها البعض ممن كانوا يعتبرون أنفسهم "فرسان" الموقف سواء أكانوا مثقفين أو كتّابًا أو إعلاميين وصحافيين لم تكن المهمة الوطنية عندهم أبعد من "مناخيرهم"!

ابن الصنعة

وإلى ذلك، لم يتسلق الطريفي سلم وزارة الاعلام في السعودية موظفًا وجدوا فيه قدرة إدارية ليكون واجهة المملكة فحسب،&أي رجلًا في وزارة الاعلام ككثيرين سبقوه، مع التسليم بما أنجزوا جميعًا في هذا المنصب، إنما فضله أنه "ابن الصنعة" في مهنة المتاعب، ليس مستجدًا على حرفة التحرير، ولا بعيدًا عن حبر الأقلام الذي يعلق بالأصابع.

فهو زاول "التحرير" ردحًا من الزمان، وما عتب عليه إعلام مرئي ولا مقروء ولا إلكتروني؛ إذ طرقها كلها فاستجابت لسعة علمه، ورزانة عمله، لذا يعرف متعب الاعلام ومستراحه، كما يصفه بعض الجيل الجديد من الأقلام الشابة.

دخل الطريفي الوزارة إعلاميًا، فسخّر ما راكمه من تجربةٍ في حياته المهنية لمصلحة الوزارة. فالكل مؤمن بأن التجربة الثرية هذه ستثبت مكانة وزارة الاعلام السعودية على خريطة الثقافة والاعلام في العالم، في زمن تتسارع مستجداته التقنية، وخصوصًا في ميادين الميديا.

يروى عنه انتهازه كل سانحة للاستزادة علمًا. وفي حادثة نقلتها صحيفة "الجزيرة" السعودية أنه كان رئيسًا لتحرير "الشرق الأوسط" حين رافق الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الصين، وكان بعد وليًا للعهد، وضرب موعد حوار مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي. لكن ضيفه تأخر في الوصول، فاستغل الطريفي الوقت ليجول في قاعة الشعب الكبرى،&متأملا صور الزعيم الصيني ماوتسي تونغ، هو يعرف أن للانتظار ضريبته في الصين. ولما سأل الوزير الصيني عن سبب تأخره أجابه أن لقاءه الضيف السعودي الكبير، ويعني الملك سلمان، كان مريحًا فمددوا الوقت.

&

لائحة إنجازات

صعب جدًا اختزال قامة إعلامية كالطريفي إلى نبذة عابرة، لكن التعريف بهذا الثلاثيني (ولو في منتصفها الأخير) يستدعي وقفات عند إنجازاته.

ولد الطريفي في 19 نيسان (أبريل) 1979 في مدينة بريدة السعودية، وحصل على بكالوريوس في الهندسة، وعمل مع شركة سيمنس العالمية في مقرها الرئيس في ألمانيا قبل أن ينتقل إلى بريطانيا للدراسة بمنحة كاملة في جامعة برمنغهام.

في عام 2007، حصل على درجة ماجستير في العلوم السياسية من جامعة لندن، ودرجة ماجستير فلسفة في الاقتصاد والسياسة الدولية عام 2009، ودرجة دكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى في العلاقات الدولية عام 2012 من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، عن رسالته بعنوان "العلاقات السعودية ـ الإيرانية بين 1979 و2009".

شغل منصب مدير عام "قناة العربية"، وكان باحثًا وخبيرًا سياسيًا ومحللًا في الشؤون السياسية في الفضائيات الإخبارية العربية والدولية، يسألونه رأيه فيحيط بالمسألة من كل جوانبها باقتضاب وافٍ.

عمل الطريفي في صحف عربية وأجنبية كاتبًا وباحثًا مختّصًا في الشؤون الشرق أوسطية، وكتب أسبوعيًا في "الوطن" و "الرياض"، ثم انتقل إلى "الشرق الأوسط". تولى في 2010 مهمة إعادة هيكلة مجلة "المجلة" اللندنية، بعد انطلاقها إلكترونيًا نابذةً الورق، فطوّرها وأطلقها بلغات عدة، بينها الإنكليزية والفارسية.

صار نائبًا لرئيس تحرير "الشرق الأوسط" في تموز (يوليو) 2012، مع رئاسته تحرير "المجلة". وفي الأول من كانون الثاني (يناير) 2013، عيّنه الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، رئيسًا لتحرير "الشرق الأوسط"، فكان بذلك أصغر رئيس تحرير في تاريخها.