يقرأ سمير عطالله كتاب "المفاوض" للسيناتور جورج ميتشل قراءة مختلفة، فلا يرى فيه رواية، بل سردًا لقصة بطلاها والدة ميتشل اللبنانية منتهى سعد ويقابلها تكافؤ الفرص.
إيلاف: الخامسة بعد ظهر الأربعاء، كان موعدنا مع توقيع كتاب السناتور جورج ميتشل، "المفاوض".
صنوبرة ووترفيل |
قبل وصوله، امتلأت القاعة في واشنطن سكوير، نيويورك التحتا، بالوجوه الأكاديمية، بمعالم أنكلو سكسونية. هكذا افتتح الكاتب سمير عطالله مقالته "صنوبرة ووترفيل"، التي ساق فيها قراءة مقتضبة لسيرة جورج ميتشل، كما كتبها.
ضرَب كفًا بكفّ
يتحدث عطالله عن الكتاب، فيبدأ من نصفه الأخير: "جورج ميتشل محاميًا، ثم قاضيًا اتحاديًا، ثم عضوًا في مجلس الشيوخ، ثم زعيمًا للغالبية الديموقراطية،
ثم الرجل الذي أنهى قرونًا من النزاع في إيرلندا، ثم رئيس شركة ديزني، ثم وسيط إدارة أوباما في النزاع العربي – الإسرائيلي"، فيرى فيه مشرّعًا مهمًّا في مجلس الشيوخ، وجزءًا من فريق يحاول تغييرًا في هيكل أميركا السياسي بزعامة إدموند ماسكي، ثم إلى جانب فرانك سيناترا في حفل عائلي، ومع تاتشر وكارتر وريغان. أما النصف الثاني من الكتاب، بحسب عطالله، فليس مهمًا.
ويذكَّر الكاتب بسبب الاهتمام بميتشل الذي كتب قبل ثلاث سنوات عن غداء معه، دار الحديث حينها عن مِنتهى سعد، "التي من بكاسين، الحارة الفوقا، كان أمين سعد، بعدما رُزق ثلاث بنات، يتوقّع مولودًا ذكرًا تضعه زوجته هيلدا. أطلّ المولود، فإذا ابنة رابعة. ضرَب كفًا بكفّ وسمّاها منتهى. كفى. خلَص"، كما يقول ميتشل راويًا حكاية أمه المهاجرة من بكاسين إلى ووترفيل، في أوائل القرن الماضي، لتغسل الصحون ثم تمتهن الحياكة، لتعمل من 11 ليلًا إلى 7 صباحًا، موعد تهيئة أبنائها إلى المدرسة المارونية في ووترفيل.
إرثٌ ليس عبئًا
تزوجت ألأم الأرملة من عامل إيرلندي يتيم، عمل ناطور بناء، وعاشت العائلة في عوز، ويورد عطالله عن السناتور ميتشل قوله: "عملنا في توزيع الصحف وفي مسح الأرض وفي جرف الثلج وفي غسل الصحون". إلا أن هذا كله ليس إرثًا، كما يعبّر عطالله، والإرث ليس عبئًا، "وقد يقع أحيانًا لجورج دبليو بوش، أو قد يقع لهيلاري كلينتون، تحفر مكانك بيديك، وريثًا أو ابن مِنتهى سعد".
يقول عطالله إنه أخبر السناتور ميتشل بأن عصاميّين كثيرين لم يبلغوا تلّة الكابيتول، لكنهم خرجوا من وادي بكاسين إلى تلال كثيرة في الحياة، "وعليه أن يلتقيهم عندما يأتي إلى لبنان لأنه سيرى في ظلالهم مِنتهى سعد، التي كانت ترافق أولادها إلى مباريات رياضية لا تفهم منها شيئًا، لكنها تفهم أن المهم جدًا لمستقبل أولادها أن يشاركوا فيها، مثلهم مثل ولاد الأمركان".
لقطة تجمع ميتشيل مع ناشر رئيس تحرير ايلاف عثمان العمير |
&
بين الرحمة والغلو
لا يقرأ عطالله في رواية ميتشيل إلا مجرد سرْد ينتهي إلى سيرة بطَلين هما مِنتهى سعد وعدالة الفرص.
عدالة الفرص هنا منتهى الكلام، "إذ تجاوَر اللبنانيون والإيرلنديون أوائل القرن الماضي يجمع بينهم قوْس مشترك: الفقر والشعور بالغربة، لكن من تلك الأحياء البائسة، خرج عدد كبير من الشيوخ والنواب اللبنانيين، وخرج كينيدي وريغان وكلينتون، وأيضًا جورج ميتشل. وبدل أن يدعم جورج الثورة في إيرلندا، مسقط رأس والده، والعنف والقتل والثأر والمرارة، قرّر أن يفعل المستحيل: تحقيق المصالحة".
يقول عطالله: "الفارق بين العقل والدم، بين الرحمة والغلوّ، يتقاتل الناس في البلدان ويتصالحون في أميركا، منصرفين، كل على طريقته، إلى حياة متشابهة وسويّة، فتبدأ بائع ملابس داخلية متجوّلًا، مثل وارن بافيت، ثم تصير أسطوري الثروة، ثم تتبرّع بثلاثة أرباعها لأناس لا تعرف عنهم شيئًا".
يُسمي الأميركيون هذا النوع الناس الحقيقيين، كالأب بيار والأم تيريزا والبابا فرنسيس ويعقوب الكبوشي ونصرالله صفير، "يُقيمون ممالك التواضع على أنقاض سلطنة الغرور". يضيف: "صلّوا لأجْلي، فأنا مريض"، ناشَد فرنسيس الأرجنتيني بُسطاء الأرض".
ليس رواية
بحسب عطالله، المجتمع الأميركي هو الذي أوصل باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض، من دون أن يرادف ذلك إعلان جمهورية كاملوت السعيدة، "فالشرطة لا تزال تقتل السود، وأكثرية نُزلاء السجون ذات البشرة نفسها، لكن في المبدأ يتمكّن ابن الكيني حسين أوباما من طلَب الرئاسة، ويتمكّن ابن مِنتهى سعد من الاعتذار عن الترشّح لها".
غلاف كتاب "المفاوض" |
&
قرأ عطالله كتاب "المفاوِض"، وعاد مرارًا إلى الفقرات والأسطر للتأكّد من أن المسألة تواريخ وناس وبشر، إذ ليس الكتاب كما يقول رواية يبحث مؤلّفها عن المزيد من الدراميات. يضيف: "دوّنت بعض الأسماء والملاحظات لكي أسأل عنها هذا الرجل الهادئ مثل شجرة صنوبر في حرش بكاسين: في سنوات الكلّية الأولى عملتُ مدبّرًا في جمعية خيرية لقاء وجبات مجانية. ثم عملت مناظرًا في الكلّية لقاء السكن المجّاني. وصيف 1953 عملتُ حارسًا ليليًا في مصنع للورق بين الحادية عشرة ليلًا والسابعة صباحًا، ثم في وظيفة أخرى من السابعة والنصف إلى الثالثة والنصف بعد الظهر، وذلك كعامل بناء، وعندما أمرُّ أحيانًا بالمَمَرّ الذي أنشأته في كلّية كولبي، أشعر بالاعتزاز".
التعليقات