في عنبر عسكري قديم من مخلفات جيش ألمانيا الشرقية، يعادل بحجمه 43 ملعبًا لكرة القدم، يسعى الملياردير الأميركي روبرت فيسينو لبناء ما يشبه "سفينة نوح" لإنقاذ سكان الأرض من كارثة محدقة.
ماجد الخطيب: شاهدنا في أفلام هوليوود سيناريوهات مختلفة لنهاية العالم، تبدأ بالحرب النووية، وتنتهي بعودة العصور الجليدية، وطوفان المحيطات التي تسببها الأضرار التي يلحقها البشر بالبيئة. ولم تستبعد هذه الأفلام احتمال أن يضرب الأرض نيزك عظيم يؤدي إلى انقراض البشر كما أدى قبل ملايين السنين إلى انقراض الديناصورات.
لإنقاذ البشرية
يبدو أن بعض الأثرياء الاميركيين يعتقدون فعلًا باحتمال حصول مثل هذه السيناريوهات في القريب العاجل، ويفكرون بحل سريع ينقذهم من الكارثة، سوية مع الأصدقاء والحيوانات والحشرات وبنوك المعلومات التي تحفظ انجازات البشرية في عمرها القصير، قياسًا بعمر الأرض.
وذكرت مجلة "فوربس" أن الملياردير روبرت فيسينو يسعى لدى المسؤولين الألمان للحصول على إجازة استغلال عنبر السلاح السابق في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، الواقع في منطقة روتنشتاين القريبة من مدينة ينا الشرقية، لانقاذ البشرية من الانقراض. وربما لا يقف عائقًا أمام اجازة الحكومة الألمانية للمشروع، بحسب فوربس، إلا ضعف إجراءات الصيانة من الحريق، وهي عقبة قد يتمكن المهندسون من تجاوزها.
وضع جيش الرايخ الثالث في زمن ادولف هتلر أسس هذا المشروع، على بعد 3 كلم إلى الجنوب من مدينة ينا (ولاية تورنغن) خلال الحرب الكونية الثانية في أربعينيات القرن العشرين. وتولى جيش ألمانيا الشرقية لاحقًا بناء هذا العنبر الكبير لخزن الأسلحة والعتاد والصواريخ، ويقع عميقاً تحت الأرض، وتزيد مساحته عن 31 هكتارًا. وواقع الحال أن جيش ألمانيا الشرقية السابق شيد هذا القبو الهائل تحسبًا لنشوب حرب نووية.
حديقة حيوانات وبنك معلومات
تتولى تنفيذ المشروع، في حال إجازته، شركة "فيفوز" المعروفة للبناء، التي تختص إلى حد ما في بناء الأقبية، التي يمتلك أسهمها الملياردير نفسه. ولا يفكر فيسينو في إنقاذ البشر فقط، ولهذا فإنه وضع المخططات الكاملة لبناء حديقة حيوانات كاملة داخل العنبر، مع حدائق أخرى تضم مختلف أنواع النباتات والحشرات. ولا ننسى هنا مختلف البنوك التي تحفظ تراث البشرية وتمتد بين بنك المعلومات الخاصة بالحمض النووي، وبنوك حفظ المعطيات والانجازات العلمية، والانسكلوبيدات المختلفة.
وسيكون طبعًا قبوًا فاخرًا جديرًا بالناجين الأثرياء من "الابوكاليبس"، فهناك بيوت وفلل أنيقة ومسابح وسينمات ومراقص ومطاعم ومنتجعات اللياقة البدنية، وكل ما توصلت إليه البشرية من انجازات في مجال البناء والديكور...إلخ.
القبو محميّ من الكوارث المختلفة، لأنه مبني بين الطبقات الصخرية في ولاية تورنغن، وتكفي إجراءات صيانية أخرى حديثة لجعله متينًا ضد الحرب النووية وبقية الكوارث، ويمكن أن يحمي البشر المقيمين فيه لفترة طويلة. وعلى هذا الأساس، يحتوي مزارع لمختلف المحاصيل، ويجهز بالأغذية المختلفة والمحفوظة بما يكفل اشباع بطون الآلاف على مدى سنين طويلة.
ويضم بنك المعلومات جينات مختلف النباتات والحيوانات والبشر، وهي معطيات يمكن تركيبها لاحقًا بعد "سكون العاصفة" وعودة الهواء والتربة على الأرض إلى حالتها الطبيعية، لدفع عملية التطور مجدداً إلى أمام. مع ملاحظة ان هذا السيناريو يضع في الاعتبار احتمال جلاء قوات فضائية خارجية غازية معينة عن الأرض بعد غزوهم لها.
"فيفوز اوروبا-1"
يحمل المشروع اسم "فيفوز اوروبا-1"، وربما يدل الاسم على مشاريع أخرى مماثلة في أوروبا، وربما في الولايات المتحدة، وتحمل أرقامًا متسلسلة. وذكر فيسينو أن القبو يتسع لأثرياء أوروبا وغيرها ممن يستطيعون شراء بعض الفلل داخله، وتزيد مساحة البيت الواحد المخصص لعائلة واحدة عن 322 مترًا مربعًا. وهناك، فضلاً عن كل ذلك، متاحف صغيرة لمختلف التحف التي تملكها العوائل الثرية ويمكن لها أن تحفظها هناك، وأن تشكل بالتالي ارثًا بشريًا صغيرًا بديلًا عن متاحف العالم التي ستحطمها الكارثة المتوقعة.
ويخصص المشروع اسطولًا من طائرات هيليكوبتر المدرعة وبعيدة المدى لنقل المرشحين لسكن العنبر عند ساعة الصفر. ويستخدم المهندسون أساليب تمويه ثابتة وأمينة لإخفاء العنبر عن عيون الغزاة، وتنغلق الأبواب بعد دخول المرشحين ولا تنفتح إلا بعد انجلاء الغمة. وهكذا ستتولى مفاعلات طبيعية توفير الطاقة والأوكسجين اللازمين لعيش البشر لسنين طويلة، كما ستحفر آبار وعيون في تجويف الأرض، تستمد مياهها من المياه الجوفية والأنهر الموجودة تحت الأرض.
ولابد هنا من حساب الأمور بدقة وبشكل يسمح بوجود مختلف الكفاءات والتقنيات بين السكان، مثل المهندسين والأطباء والعلماء، كي ينهضوا بالعمل على المفاعلات، وفي المستشفى، وفي مجالات تنقية المياه ...إلخ.
ويقول فيسينو إن عنبره سيكون منيعاً على الحروب النووية والكيمياوية، وضد الغزو الخارجي، وضد قصف الطائرات بأثقل الأسلحة، وضد الأسلحة البيولوجية، ومضاد للزلازل، والتسونامي، وضد الأسلحة التي تطلق الاشعة، وضد الموجات الكهربائية والمغناطيسية.
الكلفة 1,1 مليار دولار
قدر فيسينو كلفة المشروع بنحو 1,1 مليار دولار، لكنه لم يتحدث عن كلفة "المبيت" في فندقه الكوني الفاخر. وعبر عن فخره بالمشروع، في مقابلة مع مجلة "فوربس"، وقال إنه يتسع إلى 6000 شخص، يكفون بالتأكيد للحفاظ على العنصر البشري بعد حصول الكارثة، ووضع في الاعتبار احتمالات الولادات والموت وقال ان المشروع أخذ&في الاعتبار العواقب الناجمة عن ذلك.
وأكد الملياردير الأميركي ان القدرة المالية على شراء بيت في المشروع لا تضمن اختيار الفرد أو العائلة ضمن المشروع، لأن عليه ان يتصف بمواصفات خاصة تتناسب مع بقية السكان وتتكامل معهم. فالهدف بالتالي هو ضمان اعادة الحياة إلى كوكب الأرض مجددًا بعد زوال الكارثة ومضاعفاتها.
ويقدر فيسينو اقبال 25 ألف ثري، من مختلف بقاع العالم، على شراء البيوت في جنته تحت الأرضية، ولكن عليه أن يختار ثلثهم فقط. ينبغي أن يكونوا في عمر الشباب ومن مختلف الكفاءات والاختصاصات، وسيدفع نحو 1000 شاب منهم مبلغًا ما كعربون، ويجري مقابل ذلك تبليغه يومياً بالتقارير عن وضع الأرض والاحتمالات الممكنة. وكان الملياردير واقعيًا وعادلاً في تقديراته حينما لم يرَ مكانًا له بين سكان "فيفوز اوروبا-1" الذين سيصبحون يومًا سكان الأرض المستقبليين.
شروط ألمانية
في مقابلة مع صحيفة "الغيماينة تونرغر" الألمانية واسعة الانتشار في ولاية تورنغن، وتعليقاً على تقرير فوربس، قال يورغ هايتمان انه أخبر فيسينو، عند زيارة الأخير للقبو الكبير قبل عام، بأنه قد يجد صعوبة في الحصول على إجازة بناء ألمانية. وأضاف هايتمان، من شركة تيراسبيس الألمانية للبناء، ان مشكلة شراء القبو سهلة، بل ويمكن لفيسينو أن يشتري جبلاً في هذه الولاية، لكن شروط البناء الألمانية معقدة. وكان هايتمان رافق فيسينو عند تفقد القبو والتقط معه الصور داخل أروقته وقاعاته.
رافق هيتمان الملياردير الأميركي في زيارته للدائرة الألمانية المسؤولة عن اجازة مشاريع البناء في ولاية تورنغن، وسمع فيسينو بنفسه هناك رأي الموظف المسؤول الذي قال له إن القبو لا يتمتع بنظام أمني سليم ضد الحريق، ولا يمكن الحصول على إجازة البناء دون التوصل إلى حل تقني معماري للمشكلة.
هذا يعني أن على روبرت فيسينو أن يتصدى لمشكلة الحريق داخل القبو قبل أن يتصدى لمشكلة نهاية العالم.
التعليقات