في أعقاب تنفيذ هجمات إرهابية كبيرة في مصر، أدت إلى اغتيال النائب العام بالقاهرة، ومقتل نحو 20 من العسكريين في شمال سيناء، وافقت الحكومة على مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب، ولاقى المشروع الذي من المقرر أن يصبح سارياً بعد تصديق رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي عليه، إنتقادات شديدة من جانب القوى السياسية والصحافيين، لاسيما أنه يمنح السلطات الأمنية صلاحيات واسعة، ويقيد الحريات، ويزيد من التضييق على حرية تداول المعلومات، ويحصرها في البيانات الرسمية الصادرة من السلطات المختصة فقط.
صبري عبد الحفيظ من القاهرة: أثار مشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي وافقت عليه الحكومة المصرية الكثير من الجدل، لاسيما أنه يمنح السلطات الأمنية صلاحيات واسعة، ويقلل مدة التقاضي، ويسهم في تقييد حرية تداول المعلومات.
وتنص مادة 44 من القانون على مراقبة كافة الإتصالات للمواطنين: "للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة بالتحقيق في جريمة إرهابية أن تأذن بأمر مسبب لمدة أو مدد محددة بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، وتسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات الاتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بجميع أنواعها".
كما يمنح مشروع القانون للسلطة الحق في الكشف عن سرية الحسابات البنكية وتتبعها، وتنص المادة 46 على: "للنائب العام أو من يفوضه من المحامين العامين على الأقل أن يأمر بالاطلاع أو الحصول على أية بيانات أو معلومات تتعلق بالحسابات أو الودائع أو الأمانات أو الخزائن أو المعاملات المتعلقة بها، إذا اقتضى ذلك كشف الحقيقة في أعمال الاستدلال أو التحقيق في ارتكاب المتهم أو اشتراكه في أية جريمة إرهابية قامت الدلائل الكافية على وقوعها".
ويلزم مشروع القانون القضاء بتسريع وتيرة التقاضي، ويحد درجاته في درجتين، ويجيز لمحكمة النقض عدم اعادة القضية للمحاكمة مرة أخرى، وإنجاز المحاكمة الثانية بنفسها، وجاء: تنص المادة 48 على "تخصيص دائرة أو أكثر من دوائر محاكم الجنايات يكون رئيس كل منها بدرجة رئيس، لنظر الجنايات من الجرائم الإرهابية، والجرائم المرتبطة بهذه الجنايات، وتخصص دوائر في المحاكم الابتدائية برئاسة رئيس بالمحكمة على الأقل لنظر الجنح الإرهابية والجرائم المرتبطة بها، كما تخصص دوائر في المحاكم الابتدائية لنظر الطعون الاستئنافية على الأحكام الصادرة في هذه الجرائم. ويفصل في القضايا المشار إليها في هذه المادة على وجه السرعة، طبقاً للإجراءات المقررة في هذا القانون وقانون الإجراءات الجنائية".
وفي ما يخص محكمة النقض، تنص المادة 49 مكرر "ب" على الآتي: "استثناء من أحكام قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، إذا رأت المحكمة في أي من القضايا المرتبطة بالجرائم الواردة في هذا القانون نقض الحكم، فإنها تتصدى بالفصل في موضوع الدعوى دون إحالتها إلى المحكمة مصدرة الحكم".
ويتعرض مشروع القانون لإنتقادات حادة من جانب القوى السياسية والصحافيين، وقال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لـ"إيلاف"، إن "القوانين القائمة بها ما يكفي لمكافحة الإرهاب"، مشيراً إلى أن مشروع القانون الجديد "يزيد من حالة القمع الموجودة بمصر". وأضاف أن "مكافحة الإرهاب تحتاج إلى مجموعة أخرى من العوامل، لعل آخرها تشديد القوانين المعمول بها"، موضحاً أن "أهم هذه العوامل أن تكون أجهزة الأمن فعالة، ومدربة على جمع المعلومات حتى يتم اجهاض العمليات الإرهابية قبل وقوعها".
ولفت إلى أن "مكافحة الإرهاب تحتاج أيضاً إلى رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية، وهي غير موجودة في الوقت الراهن"، وحذر من أن "الغلبة حالياً للإعتبارات الأمنية، وتتم مقاومة الإرهاب بأجهزة قمعية غير مدربة على مكافحة الإرهاب". ودعا إلى &"إعادة بناء الأجهزة الأمنية بما فيها بعض الوحدات العسكرية المدربة والمجهزة على مقاومة هذا النوع من الوباء"، على حد قوله.
ووفقاً للسفير معصوم مرزوق، القيادي بـ"التيار الشعبي"، الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، فإن الحزب يدرس مشروع القانون، وقال لـ"إيلاف" إن "لم نكن مع التعجل في إصداره، دون بحث وتدقيق وحوار مجتمعي"، مشيراً إلى أن الإرهاب ظاهرة خطيرة جداً ويجب أن تجند كل أدوات الدولة سواء القانونية أو الأمنية لمواجهته. وشدد في الوقت نفسه على ضرورة أن تكون هناك رؤية سياسية لحل مشاكل وأزمات المجتمع، فضلاً عن المواجهة الفكرية ومكافحة للفقر، معتبراً أن &الفقر والفساد هما الأرض الخصبة التي يترعرع فيها المتطرفون.
ويتعرض مشروع القانون لإنتقادات من قبل نقابة الصحافيين، التي أصدرت بياناً لرفض القانون. وقال خالد البلشي، رئيس لجنة الحريات بالنقابة، لـ"إيلاف"، إن مشروع القانون يفتح الباب على مصراعيه أمام حبس الصحافيين، مشيراً إلى أن المادة 33 من مشروع القانون، تنص على أنه "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن". ولفت إلى أن&المادة 37 من القانون تجرم نقل ما يدور في وقائع محاكمات المتهمين بالإرهاب بأي صورة من الصورة، ولكنها تكتفي بإنزال عقوبة الغرامة بالصحافي المخالف.
وأعتبر أن مشروع القانون يهدر عشرات السنوات من نضال الصحافيين من أجل إيقاف الحبس في قضايا النشر، لافتاً إلى أنه أيضاً يعيد الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام. وأضاف أن مشروع القانون يضرب أساسيات المهنة في مقتل، والتي تلزم الصحافي بتنوع مصادر معلوماته بحثاً عن مساحة أوسع من الحقيقة، عندما تلزمه بالحصول على المعلومات عبر البيانات الصحافية الصادرة من الجهات المختصة فقط، وتنزل به عقوبة الحبس إلى نشر أية معلومات من غير الجهات المختصة.
وبالمقابل، يرى محمود البدوى رئيس الجمعية المصرية لمساعـدة الأحداث، أن القانون في صورته الحالية يحمل العديد من الضمانات القانونية والإجرائية الكفيلة بتحقيق فكرة الردع العام والردع الخاص لكل من يسلك طريق الأعمال الإرهابية أو يعتنق أي فكر إرهابي متطرف ينعكس سلباً على المجتمع أو على الأفراد أو المنشآت، وبخاصة بعد أن اصبحت جرائم الإرهاب تحمل صبغة دولية ومدعومة فنياً ومالياً ومعلوماتياً بشكل يجعل مواد الإرهاب الموجودة بقانون العقوبات غير ملائمة للتعاطي مع تلك الجرائم.
وأضاف في تصريح ارسله لـ"إيلاف"، أن الإرهاب يتطور نوعياً لشكل ونسق الجريمة الإرهابية، والتي أصبحت مدعومة مالياً وفنياً وتقنياً من أجهزة مخابرات غربية وقوى دولية تحمل أطماع تهدد الأمن المصري من جهة الداخل، وتحاول إشاعة جو من الفوضى الداعم لمناخ عدم الإستقرار، مستغلة في ذلك عدداً من معتنقي الأفكار التكفيرية والمتطرفة، والتي باتت تناصب الدولة العداء جهراً وتحاول تقويض خارطة الطريق التي تبنتها الإرادة الشعبية في 30 يونيو 2013 والتي أسقطت جماعة الإخوان الحاكمة ونظامها الفاشيستي.
وقال إن مطالعة القانون في تصوره الحالي يؤكد أنه بات هناك توجه واضح نحو التصدي لعدد من نقاط القصور القانوني التي لم يستطع قانون الإجراءات الجنائية وبخاصة المواد 86 و 86 مكرر و 86&مكرر&أ,&86&مكرر ب و86 مكرر ج و86 مكرر د" مواجهتها والتعاطي معها، وبخاصة في هذة الفترة الحرجة من عمر المنطقة بالكامل، والتي تشهد تناميًا واضحاً لجماعات الإرهاب المسلح، والتي باتت خطراً يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بالكامل.
وحسب البدوي، فإن مواد القانون جاءت متوائمة مع التطور النوعي الذي طرأ على شكل ونوع جرائم الإرهاب، والتي باتت تستلزم تشريعات من نوع خاص ومستحدثة قادرة على التصدي لهذا التطور النوعي والتكنولوجي لجرائم الإرهاب، مشيراً إلى أن إطالة إجراءات المحاكمات الخاصة بجرائم الإرهاب باتت تؤرق أسر الضحايا والمصابين، وتعالت اصواتهم تطالب بمحاكمات ناجزة ورادعة، وهو ما تصدى له مشروع القانون وبخاصة المادتين 51 و 52، واللتين جعلتا مدة الطعن بالنقض على الأحكام الصادرة من محاكم الجنح أو الجنايات في جرائم الإرهاب 40 يوماً, وانه في حالة نقض الحكم تتصدى محكمة النقض مباشرة للفصل في موضوع الطعن ومن دون إعادة المحاكمة من جديد. واعتبر أن تقصير مدة التقاضي يؤكد أن هناك تطوراً يساعد على سرعة القصاص، هذا فضلاً عن تخصيص محاكم ودوائر بمحكمة النقض تختص بنظر تلك الجرائم دون غيرها بما يساعد على سرعة الفصل فى تلك القضايا.
وأشاد بنص المادة 53 من مشروع القانون، والتي تجعل جرائم الإرهاب جرائم لا تسقط بمضىي المدة لكونها جرائم ضد الإنسانية، وكذا المادة رقم 55 والخاصة بتعويض الضحايا والمصابين وتحرير بوليصة تأمين شاملة للضحايا والمصابين من رجال الجيش والشرطة والنيابة العامة والقضاء، وكذا اصدار قرارات من رئيس مجلس الوزراء وبالتعاون مع وزير المالية لتنظيم فرض تعويض للضحايا والمصابين من المدنيين، وذلك حصيلة ما تمت مصادرته من اموال وغرامات متحصلة من جراء تلك الجرائم.
التعليقات