شكلت عقوبات أميركا الضعيفة والشكلية لطهران أرضية خصبة للتمادي في تجاربها النووية، وجعل طموحاتها في الهيمنة تكبر إقليميًا من خلال دعم الفوضى أكان في سوريا أو اليمن أو البحرين، حتى أن دول الخليج ككل باتت مطمعًا إيرانيًا تتصدر السعودية جبهة التصدي له.

&
إعداد عبدالاله مجيد: أجرت إيران في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي تجربة تمثلت في إطلاق صاروخ باليستي قادر على حمل رؤوس نووية، في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن الدولي، الذي يمنع بلغة لا تقبل اللبس مثل هذه التجارب.&
&
اعتراضات رمزية&
ولم يصدر رد فعل من إدارة أوباما على هذا الانتهاك. وبعد شهر كررت إيران انتهاكها لإرادة المجتمع الدولي عبر تجربة صاروخية أخرى. ولاحظ مراقبون أن رد فعل إدارة أوباما كان هذه المرة حركات رمزية في الأمم المتحدة، لم يعقبها عمل ملموس. وأخيرًا، وفي 30 كانون الأول/ديسمبر، أعلن البيت الأبيض فرض بعض العقوبات على طهران.
&
جاءت العقوبات ضعيفة، واستهدفت أفرادًا، وأُعدّت أساسًا للتظاهر بأن واشنطن لا تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما تفعله إيران. لكن حتى هذه العقوبات على ضعفها، بدت كثيرة بنظر الإدارة الأميركية.&
&
وفي ليلة الإعلان عنها، بعث البيت الأبيض برسالة في البريد الالكتروني يقول فيها إن العقوبات أُلغيت، كما أفادت صحيفة واشنطن بوست، مشيرة إلى أن الرئيس الإيراني حسن روحاني أمر جيشه عقب ذلك بتسريع البرنامج الصاروخي.&
&
تفتيش ذاتي
وتساءل مراقبون إن بقيت هناك خطوط حمراء. فالنظام السوري عبر الخط الأحمر الذي رسمه أوباما باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه، ولم يُعاقب على عبوره الخط. ثم أصرّت الإدارة على أنها لن توقع اتفاقًا نوويًا مع إيران ما لم تُقدم كشفًا بأنشطتها النووية السابقة، ثم وقعت معها اتفاقًا نوويًا من دون أن تقدم طهران مثل هذا الكشف. &
&
وطالبت الإدارة بأن تفتح إيران منشأة بارتشين، التي أُجريت فيها تجارب نووية للتفتيش. وفي النهاية سُمح لإيران بأن تفتش نفسها بنفسها، وتعلن براءتها من أي أنشطة ممنوعة في هذه المنشأة!.&
&
ولاحظ المعلق تشارلس كراوتهامر في صحيفة واشنطن بوست أن الاتفاق النووي عُقد للجم إيران، على ما يُفترض، ولكن النتيجة جاءت عكس ذلك تمامًا. فالاتفاق منع الولايات المتحدة "من إبداء حتى أكثر الردود اعتدالًا على أي انتهاكات إيرانية، خشية أن تنسحب إيران من الاتفاق، وتُبقي أوباما بلا تركة" بعد رحيله، بحسب تعبير كراوتهامر.&
&
في هذه الأثناء أجرى الحرس الثوري الإيراني مناورات بالذخيرة الحية قرب مضيق هرمز، وأمهل سفينة أميركية قريبة 23 ثانية فقط للابتعاد. أُطلق صاروخ على بعد أقل من 1500 متر من البارجة الأميركية هاري ترومان. ولم يصدر أي رد فعل من إدارة أوباما.&
&
تكرار تجربة الصين
وحين أعلن أوباما أن الاتفاق النووي لن يتأثر بأفعال إيران في ميادين أخرى، كانت النتيجة طمأنة طهران إلى أنها لن تدفع ثمنًا عن "عربدتها" في سوريا واليمن وأعمالها التخريبية ضد العربية السعودية والبحرين ودعم الإرهاب. ويبدو أن إدارة أوباما لا تدرك أن فك ارتباط الاتفاق النووي بأفعال إيران الأخرى أطلق يد الملالي في المنطقة، بحسب المعلق كراوتاهامر، قائلًا إن أوباما يتوسم في نفسه ما فعله نيكسون في الصين بتحويل إيران "إلى شريك استراتيجي في إدارة الشرق الأوسط".&
&
الخطير في هذا التوجه أن أصحابه واهمون. فتهافت إدارة أوباما لإرضاء إيران شجّع الملالي على التمادي في مغامراتهم الإقليمية وتصعيد حدة العداء للولايات المتحدة نفسها.&
&
وأكد المعلق كراوتهامر أن من حق العربية السعودية أن تشعر بأنها مطوّقة، قائلًا "في شمالها تهيمن إيران على هلال شيعي، يمتد من العراق وسوريا ولبنان إلى البحر المتوسط. وفي جنوب السعودية تسلّح إيران المتمردين الحوثيين منذ عام 2009 على أقل تقدير. وامتد القتال عبر الحدود إلى العربية السعودية".&
&
حلم الهيمنة الخليجية
ولاحظ كراوتهامر أن الجائزة الكبرى، التي تطمع بها إيران، هي الهيمنة على الخليج، وأن العربية السعودية وحدها التي تقف ضد محاولات إيران من أجل أن تكون "المهيمنة بلا منازع وقوة إقليمية صاعدة". &
&
سيكون هذا أكبر ضربة جيوسياسية للولايات المتحدة منذ سقوط الصين بيد الشيوعيين في عام 1949. ومع ذلك تبدو إدارة أوباما غافلة. الأسوأ من ذلك أنها تبدو خاملة في مواجهة التحديات الرئيسة الثلاثة للنظام الذي نشأ بعد الحرب الباردة. وإيران هي التحدي الأبرز، في حين تتحدى الصين الوضع القائم في بحر جنوب الصين، حيث هبطت أخيرًا أول طائرة لها في جزر اصطناعية تبعد مئات الأميال عن الساحل الصيني. &
&
وقال المعلق كراوتهامر إن الولايات المتحدة ترفض إدعاء الصين بملكية الجزيرة، وتعتبر المنطقة مياهًا دولية، لكن إدارة أوباما اعتذرت "بوداعة عندما حلقت قاذفة من طراز بي ـ 52 فوق إحدى الجزر، وقلنا إن تحليقها لم يكن متعمدًا".&
&
تراخ مع روسيا
والعالم يتابع ذلك كله، ويأخذه في الحسبان، بما في ذلك رد الولايات المتحدة على غريمتها الأخرى روسيا، التي ضمت شبه جزيرة القرم من دون أن تواجه "العزلة"، التي لوّحت بها إدارة أوباما.&
&
بل التقى أوباما مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام أنظار العالم في تركيا، ومرة أخرى في باريس، وهو الآن "يتوسل به عمليًا للانضمام إلى جانب الولايات المتحدة في سوريا"، على حد تعبير كراوتهامر، قائلًا إن لا أحد يدفع ثمن تحديه للولايات المتحدة، "ولا حتى بعقوبات تافهة ضد التجارب الصاروخية الإيرانية، ومن قام بتسهيلها. أعداؤنا يعرفون ذلك، وحلفاؤنا يرون ذلك، ويشعرون بأنهم وحدهم". &