أقر عمر لصفر، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، لـ "إيلاف" بأن المنظمات الإسلامية في فرنسا لا يمكنها محاربة الفكر المتطرف وحدها، ودعا إلى تظافر الجهود السياسية والاقتصادية، لأن التطرف في أغلب الحالات هو نتيجة وليس سببًا.
قال لصفر إن العنف كان خطابا في ثمانينيات القرن الماضي وغدا واقعًا نعيشه ونكتوي بناره، مؤكدًا ضرورة تلاقح الثقافات، والثقافة الغربية مطالبة بأن تتلاقح مع الثقافة الإسلامية التي يحملها أغلبية الفرنسيين المسلمين من أصول مهاجرة.
وفي ما يأتي نص الحوار:
ما دور المنظمات الإسلامية في مواجهة التطرف بعد اعتداء نيس الذي وأن لم تتبنه أي جهة لكنه يتبع نهج تنظيم الدولة الإسلامية؟
انخرطت الجاليات المسلمة في أوروبا في محاربة الفكر الأصولي منذ مدة لذلك نرى عموم الفرنسيين يتبعون الإسلام السمح والمعتدل.
صحيح أننا عشنا في عام 2015 موجات إرهابية مبنية على فكر متعصب متطرف وللأسف الشديد نجد أن رئيس الدولة الفرنسية يقدم تصريحًا مفاجئًا وهو يقول إننا أمام الإرهاب الإسلامي، فيما يقال الآن إن هذا الرجل غير معروف من الدوائر المسؤولة في المخابرات الفرنسية.
مواطنون أوروبيون
لكن اعتداء نيس يحمل مؤشرات داعش؟
لن يجد إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية آذانًا صاغية. ربما يجدها عند أشخاص ضعفاء، لكن عموم المسلمين في أوروبا مواطنون أوروبيون... فكيف يعقل أن يعيش مواطنًا في هذه البلاد التي تعطيه الحرية والكرامة وحقوق الإنسان أن يزعزع أمنها، وهنا يأتي دور المنظمات الإسلامية إذ عليها أن تنتبه وتحصن نفسها وهذا ما تقوم به منذ فترة، هي تحصن الشباب وتحبب إليهم بلادهم ووطنهم لكي يكونوا جزءًا فاعلًا في هذه المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها.
هل كانت هذه الاستراتيجية ناجحة بعد اعتداءات باريس الدامية والهجمات الفردية التي نفذها فرنسيون مسلمون من أصول مهاجرة بايعوا داعش؟
لا بد أن نذكر أن 6 ملايين من المسلمين في فرنسا وعشرات الآلاف ممن نجحوا في دراساتهم اندمجوا في محيطهم ووطنيتهم، تُطلق عليهم تسميةُ 'القطارات التي تأتي بوقتها' وهذا انجاز كبير، لكن هذه الحالات الشاذة التي لم تدرس تجد ملاذًا لها في التطرف، لذا لا بد من أن نكون منصفين، فالتطرف ربما ينجح في استدراج حالات معينة، لكن عموم المسلمين محصنون.
نظام مارشال لمواجهة التطرف
تحدث التنظيمات المتطرفة ضررًا كبيرًا في بيئة المجتمع الفرنسي، ويصبح المسلمون في دائرة الإتهام. ما الذي تقوم به المنظمات الإسلامية لإرساء رؤية أوسع عن الإسلام السمح في بيئة أوروبية؟
لا بد من توحد الجهد إذ لا تستطيع الجمعيات الإسلامية أن تؤدي الدور المنوط بها من دون جهد إضافي من رجال السياسية والفكر والمخابرات والقضاء والمقاولات الاقتصادية. لذلك، الكل مطالب بالقيام بجهد حتى نقضي على هذه الظاهرة، ونحن كجمعيات ومساجد نؤدي واجبنا، لكننا لا نستطيع أن نؤثر وحدنا، لأن هناك الإخفاق الدراسي وثقافة العنف والبطالة التي حصدت خمسة ملايين عاطل عن العمل، وهنا أطالب بضرورة تطبيق نظام مارشال، تنخرط فيه جميع الدوائر والجهات، ورجال السياسة مطالبون بخلق الجو المناسب لذلك.
كيف تقيمون أداء رجال السياسية في فرنسا في مواجهة الفكر المتطرف وإرساء صورة صحيحة عن الإسلام؟
للأسف الشديد أقول إن أداءهم ليس على المستوى المطلوب، فنحن قادمون على انتخابات رئاسية وانتخابات برلمانية في العام المقبل وسيكون المسلمون كبش الفداء مرة أخرى على غرار باقي المواعيد الانتخابية، وسيشار إليهم بأصابع الإتهام.
أقول إن على رجال السياسة أن ينتبهوا، لأننا كلنا في باخرة واحدة ونعيش في مجتمع واحد، ولا سمح الله أن تفشت الإسلاموفوبيا وترجمت إلى أفعال فسيخسر الجميع. نحن نقر بأن علينا واجبات ونحن نعترف بها وهي واجبات تربوية وتحفيزية ولكن أيضا على رجال السياسة تبعات يجب أن يتحملوها.
ما دور البيئة الإجتماعية الفرنسية في رفض الفكر المتطرف ومساعدة الفرنسيين المسلمين في نبذها وإرساء وحدة وطنية إجتماعية تكون سدًا في وجه التطرف والأصولية؟
عندما نتكلم عن البيئة، لا نتكلم عن حدود جغرافية معينة، لأن العالم كله صار بيئة واحدة ونحن نكتوي بنار الإنترنت ونار ما يسمي بخطباء الكراهية الذين لا نراهم. الإنترنت تجاوزتنا نحن كمسؤولين في المساجد، وأنصار ما يسمى الظاهرة الجهادية لا يصلون في مساجدنا وهم لديهم مرجعياتهم وهي تكفر المسلمين وتنتقم من المسلم قبل الكافر، لذا فكلنا في الهم سواسية، وعلينا أن نبتعد عن إنزال اللائمة على الفكر الإسلامي والأطر الإسلامية، لأن البيئة أصبحت كونية ولا نستطيع أن نقضي لوحدنا على مثل هذه القناعات.
كان خطابًا
إذًا من يتحمل مسؤولية التطرف في فرنسا؟
نحن نكتوي بنار ما غُرس من ثلاثين عامًا، عندما قامت جهات لا أريد ذكرها برعاية الأصولية والتطرف، وعمدت إلى تكفير المجتمعات، ودعت إلى الكراهية. كنا نقول إن هذا الفكر لا يتماشى مع المجتمعات الإسلامية، وإن المجتمعات الغربية العلمانية تتيح مجالًا ضيقًا جدًا لمن يريد أن يطبق دينه، لذلك أقول إن هناك من غرس هذا الفكر وغذاه وبات يكتوي بناره، وهذه الجهات تعيد النظر وتدعو إلى الإسلام الوطني. وصحيح ما يُقال اليوم إن العنف كان خطابًا وغدا واقعًا نعيشه ونكتوي بناره.
بدأنا نلاحظ تجديد الخطاب، فأصبحنا نبحث عن أفكار مشتركة، وندعو إلى الإندماج، واضمحلت أفكار التطرف لكنها خلقت بيئة تربى عليها العديد من الشباب.
هل ساهمت الطبقية التي يعانيها المجتمع الفرنسي في تعميق الانقسام وارتماء المسلمين في وكر التطرف؟
إن التطرف في اغلب الحالات نتيجة وليس سببًا: نتيجة أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، وإخفاق دراسي. قال الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في كتابه إن الهوية المضطهدة تؤدي بأصحابها إلى التطرف والعنف. هناك مشكلة مع الهوية، وهذا يطرح سؤالًا: هل تعترف المجتمعات الغربية بالهوية المختلفة وتعتبرها إثراء وغناء؟ ولا تحاربها لأننا أيضا نعيش في بعض المجتمعات عدم قبول للآخر.
تلاقح مع الثقافة الإسلامية
هل يتقبل المجتمع الفرنسية الهوية المختلفة ويعتبرها إثراء؟
تطور المجتمع الفرنسي في الثلاثين سنة الماضية، فكان هناك في الثمانينيات ما يُسمى بحق الاختلاف او التنوع الثقافي، لكن في السنوات الأخيرة بدأنا نسمع أصواتًا غريبة تقول ليس هناك خصوصية ثقافية لأحد وعلى الكل أن ينصهروا في قالب واحد، وأن يتبنوا ما يُسمى بقيم الجمهورية، لكن هناك قيمًا قانونية نتبناها ونطبقها. لكن في مجال الثقافات، نقول إنها تتلاقح بعضها مع بعض، والثقافة الغربية مطالبة بأن تتلاقح مع الثقافة الإسلامية التي نحملها، ونحن عندنا ثقافة غربية تبنيناها ولدينا ثقافة عربية إسلامية نعتبرها أداة إثراء للمجتمعات الغربية.
ليس المجتمع الفرنسي عنصريًا. هو مجتمع متسامح. وعلى الرغم من كل ما يعيشه، بنى علاقات حميدة وطيبة، لكن للأسف الشديد هناك من ينجرف وراء أفكار الإسلاموفوبيا.
لماذا يضرب الإرهاب فرنسا بالتحديد؟
هذا نتيجة تواجد العدد الأكبر من المسلمين في فرنسا، هناك بين ستة وسبعة ملايين مسلم في فرنسا، وهذا أكبر تجمع موجدود خارج الدول العربية والمسلمة، ونجد أحياء كاملة مسلمة في فرنسا.
هل نجحت سياسة الإندماج الفرنسية؟
اخالف من يقولون إنه بناء على هذه العمليات الإرهابية، سنقول إن مسلسل الإندماج أخفق، انا واحد من المندمجين في المجتمع الفرنسي، أعتبر أن القوانين الفرنسية أتاحت فرصًا كثيرة لكثير من المواطنين من أصول إسلامية وعربية، لكن هناك عقبات اقتصادية بينها أزمة البطالة وأمور تتجاوز السياسة، منها الأوضاع الاقتصادية، وهي تقصي الإنسان... والإقصاء الاقتصادي يولّد العنف.
التعليقات